على شاكلة رئيسه المخلوع محمد مرسي، الذي أقسم له اليمين الدستورية والولاء الشخصي، أعلن المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي أنه سوف يتنحى دون إبطاء إذا اتضح أنّ هذه هي رغبة الشعب. وعود تُلقى جزافاً، أدراج الرياح، غنيّ عن القول؛ وإذا لم تصدق قبلئذ عند مرسي المدني، فــلا يعـــقل ـ إلا عند الـــسذّج وحدهم، والمتغافلين عن سابق قصد ـ أن تصدق عند جنرال عسكري، جاء إلى الترشيح من بوّابة انقلاب عسكري.
ولأنّ الإعلام المصري المعاصر، الرسمي منه والخاصّ، هو أحد أوضح مستويات ، والمؤشر الجلي على انحطاط الكثير من خطاباتها السياسية والثقافية، فضلاً عن تلك العلمية (كما تشهد عليها حكاية ‘صباع الكفتة’ الذي يعالج سلسلة أمراض مستعصية تحار في علاجها البشرية)؛ اختار السيسي 20 من رؤساء تحرير ومسؤولي وسائل الإعلام، وحاضر فيهم طيلة أربع ساعات ونيف، ليبلغهم جملة رسائل قاطعة: 1) لا تكثروا من الحديث عن حرية التعبير والحقوق العامة والإصلاحات الديمقراطية، لأنّ هذه المطالب تضرّ بالأمن القومي؛ و2) الديمقراطية هدف ‘مثالي’، ويحتاج إلى 25 سنة على الأقلّ؛ و3) على وسائل الإعلام التركيز على حشد الجمهور خلف الهدف الستراتيجي المتمثل في الحفاظ على الدولة المصرية؛ و4) لا يمكن للمصري أن يمارس الحرّيات العامة إلا إذا توازنت تلك الحرّيات مع الأمن القومي؛ و5) هذا الشعار، ‘لا صوت يعلو فوق حرية التعبير’، ما معناه أصلاً؟ و6) ألا تعلمون أنّ ملايين المصريين باتوا عاجزين عن ‘أكل عيشهم’ بسبب الاعتصامات والتظاهراتô
إزاء هذا المستوى من امتهان مصر، الارجح أنّ جمال حمدان (1928 ـ 1993)، المفكر المصري الكبير الراحل، يرتجف اليوم في قبره، إشفاقاً وغيظاً وحسرة، على مآلات بلده العظيم، وما ينحدر إليه بأيدي كثير من بنات مصروأبنائها أنفسهم. وما من باحث جيو ـ سياسي وجيو ـ استراتيجي نذر نفسه، مثل حمدان، لكشف الغطاء عن الوجه الآخر العبقري لهذا المكان؛ وعمله الفريد ‘شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان’ هو ببساطة 4000 صفحة من استقصاء علاقات الجغرافيا والتاريخ والانتخاب الطبيعي والجيو ـ سياسي، وثقل المحيط والموضع والموقع، وفلسفة المكان والكائن، في الزمان الفعلي الصلب والجارح والواضح.
لكنّ مصر، عزيزتنا و’محروسة’ حمدان، سوف تواصل الحياة كما فعلت أبد الدهر وتفعل اليوم أيضاً: على هواها الملحمي، رغم الضفادع والبعوض والجراد (وأنساق الأوبئة، كافة، كما تمناها ‘العهد القديم’ لهذا البلد العظيم)؛ وكذلك، وأوّلاً: رغم هذه المساخر التي تُسمّى حملات انتخابية!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق