31 مايو 2014

إسقاط رئيس ثالث بقلم: زهير كمال

في كل عواصم هذا الوطن العربي قتلتم فرحي - مظفر النواب
في مقال سابق عن الإنتخابات المصرية قلت إن حدس الشعب المصري وذكاءه مع الأمل أن ثلاثين عاماً من التسطيح لم تمس روح هذا الشعب، سينتخب الأصلح ويقيناً لن يكون صاحب البدلة العسكرية.
وأظهر الواقع أن ثلاثين عاماً من التسطيح لم تمس روح الشعب المصري ، بل إنه مسّنا جميعاً، كل هذه النخب التي تتفلسف وتنظّر وتحلل لم تستطع الاقتراب من روح هذا الشعب العظيم، أو معرفة كنهها.
وجد شعب مصر نفسه في معضلة فريدة فالدولة التي وجدت لتخدمه وتسير مصالحه تدفع باتجاه مرشح واحد وستعمل على إنجاحه بشتى السبل.
فماذا يفعل؟ لم يجد سوى سلاح المقاطعة.
وهذه ربما من النوادر في التاريخ التي تقوم بها الأغلبية بعمل من هذا القبيل، ففي العادة تقوم أقلية أو عدة أقليات بالمقاطعة لتسجل موقفاً ضد الأغلبية.
أما الأغلبية فهي تفرض رأيها ومرشحها دائماً، إلا في الحالة المصرية خاصة والحالة العربية عامة، فهذه الشعوب مغلوبة على أمرها ولا تستطيع فعل ما يعتبر بدهياً عند الشعوب الأخرى.
ما زال شعب مصر هو السهل الممتنع في المنطقة العربية، إذ أنه رغم كل ما جرى ظل عائلة كبيرة لها مزاج ورغبة موحدة ، ظهرت هذه الرغبة ملياً في الخامس والعشرين من يناير 2011 بعد أن صبرت على فرعونها كثيراً في ثورة هي بدء تاريخ جديد لمصر، وعندما لم يعجبها رئيس هزيل كان نسخة مما سبقه أزاحته في 30 يونيو 2013، وها هي الآن تسقط رئيساً قبل أن يبداً استلام مهامه. فقد عرفته وعرفت مدى سطحيته. أليس هو الذي سيحل مشكلة الشباب بشراء ألف سيارة خضار؟ اليس هو الذي سيحل مشكلة الطاقة باللمبات الموفرة؟ أليس هو الذي سيحل مشكلة الاقتصاد بان ينام الناس جوعى فلا يأكلون عشاءهم، رغيف العيش الوحيد ؟ اليس هو الذي سيجهز جيش مصر ليكون جيش مرتزقة يقبل التدخل فوراً عند صدور الأوامر؟
فهل يقبل شعب مصر أن يسلم زمام أموره الى مرشح العسكر؟
خاصة وأنه لم يقدم لهم برنامج عمل يحاسبونه عليه، بل تبرع لهم فقط بكلمات وخطب تلفزيونية لا تلزمه بشئ ساعة الجد، وقدم الكثير من التحذيرات وعند أي تذمر سيقول لهم لقد قلت لكم إن المشاكل كبيرة وصعبة الحل.
لم يكن أمام شعب مصر الذكي سوى المقاطعة وقد فعل، وكان لسان حاله كما قال مظفر النواب:
والقلب تموت أمانيه
وظهر النظام على حقيقته ، خائفا مرتعباً ومذهولاً من هذا العمل الشعبي غير المسبوق.
هل يستطيع أي رئيس وزراء في هذا العالم، أن يأمر بإعطاء العاملين في الحكومة والقطاع العام إجازة مدفوعة الأجر في اليوم الثاني للانتخابات؟ وهل يستطيع أن يأمر بمجانية المواصلات في ذلك اليوم، ومن الذي سيعوض الدولة عن هذه الخسارة الفادحة؟ وكان هذا العمل هو أول تزوير لإرادة الناخبين.
هبت الدولة بكاملها حتى أئمة الجوامع، ترجو الناس وتتوسل لهم أن يصوتوا وهددت بمعاقبتهم إن لم يفعلوا بغرامة كبيرة إذا لم يذهبوا ( ويؤدوا واجبهم نحو مصر) ويبدو أن هناك مصرين اثنتين لا مصر واحدة. ولم نسمع عن قانون يفرض غرامة كهذه إلا في المحروسة، ويبدو كذلك أن روح العملية الانتخابية والهدف منها لم تصل بعد للبيروقراطية المصرية.
وكان هذا ثاني تزوير لإرادة الناخبين.
رغم كل هذه الضغوط ظلت مقاطعة الشعب صامدة ، فقد انكسر حاجز الخوف منذ فترة طويلة ولا يستطيع النظام ترويض الناس كما تعود على مر العصور.
ثالث تزوير لإرادة الناخبين كان تمديد لجنة الإنتخابات ليوم إضافي غير مقرر.
وهذا القرار فضح ضعف السلطة أمام العالم وعزز بشكل واضح قرار شعب مصر الرافض لمرشح النظام، لم يحدث في تاريخ الإنتخابات في العالم أن يتم التمديد بسبب عدم إقبال الناخبين وإلقاء اللوم على درجة الحرارة. 
نأتي الى النقطة الأخيرة في تزوير إرادة الناخبين وهي تعبئة استمارات الإنتخابات لصالح مرشح واحد. وفي هذه النقطة بالذات يمكن القول إنه إذا كانت انتخابات مبارك نزيهة فإن هذه الإنتخابات نزيهة مثلها تماماً ( راجع تصريحات شفيق وصباحي وبعض الفديوهات التي يقوم بها الجنود بتعبئة الاستمارات)، ولكن سيظل الإعلاميون وهيئات الرقابة يصفون هذه الإنتخابات بالنزيهة حتى يصدقوا أنفسهم.
وصلت رسالة شعب مصر الى السيسي: قالوا له أديت واجبك في 30 يونيو، بعد أن أعطيناك أمراً وتفويضاً فلك منا الشكر الجزيل ولكن لا يعني هذا أن تقبض ثمن وقوفك معنا أن تكافأ بتولي منصب أنت غير قادر عليه، فالأفراد ليس لهم فضل على الشعوب فاذهب الى بيتك أفضل لنا ولك. 
لن يستمع السيسي لشعب مصر أبداً فهو يمثل تحالف النظام القديم مع رجال الأعمال، هذا التحالف الذي يعتبر مصر مزرعة خاصة يستطيع عمل ما يشاء فيها.
وبعد، سيقوم عبدالفتاح السيسي بحكم مصر وهو يعرف تماماً انه يحكمها بدون إرادة شعبية ، وسيكون حاكماً تقليدياً مثل سلفه، فهو لا يمتلك المقومات اللازمة لحكم شعب عظيم مثل الشعب المصري، ستتفاقم المشاكل الإقتصادية والإجتماعية في عهده مما سيؤدي لثورة ثانية، تلك الثورة لن تكون ثورة سلمية كما سبقتها، فقد طفح كيل الجماهير وزادت معاناتها وتعبها.
أما في المرحلة الحالية من التاريخ فستنتهي العمليات الإرهابية في مصر خلال فترة بسيطة بعد تولي السيسي فقد انتفت الحاجة إليها، كان مطلوباً منها أن تضع الشعب المصري في وضع الاختيار بين الأمن والجوع . فاختار المقاطعة وهذا اختيار ثوري.
سيعزو الإعلام الفضل في انتهاء العمليات الإرهابية الى حكمة وقدرة وشخصية الرئيس المنتخب الفذة. هذا الإعلام الذي يشرب الآن نخب الانتصار على جثة هامدة.
وهكذا ستستمر مصر في الطريق الذي اختطته أو خطط لها بعد وفاة عبدالناصر. 
مصر أثمن من أن تترك لتقلب مسارها 180 درجة. فهذا يعني نهاية كل المخططات الغربية والإسرائيلية في المنطقة العربية.
كان الله في عون شعب مصر فالطريق ما زال طويلاً ولكن النضال هو الأسلوب الوحيد للحصول على حقوقه التي طال حرمانه منها.

ليست هناك تعليقات: