03 يونيو 2014

د. مصطفى يوسف اللداوي يكتب : حفظ الود وصيانة العهد

إن من أكبر الخيانات وأعظمها فحشاً وأشدها قبحاً، وكلها فاحشةٌ وقبيحة، أن يخون الإنسان من ائتمنه، وأن يغدر بمن صدقه، وأن ينقلب على من قدمه، وأن يتآمر على من كان يوماً ولي نعمته، وصديق عمره، ورفيق دربه، وشريكه في الحياة، يتقاسم معه لقمة العيش، ويحرم نفسه وولده ليعطيه، ويدافع عنه ليحميه، ويقاتل من أجله لينجيه، يؤثره على نفسه، ويقدمه على أهل بيته، ويعطيه عن طيب خاطرٍ ورضا نفس.
وإن من أسوأها أن ينس الإنسان العشرة، وأن يتجاهل الفضل الذي كان، والعلاقة الطيبة التي عمرت سنين طويلة، فيتحالف على أخيه، ويتآمر عليه مع عدوه وخصمه، لينال منه، ويسيئ إليه، ويتجسس عليه، ويحصي عليه سكناته وحركاته، وهو الذي يعرفه ويفهمه، ويدرك أنه كان له يوماً نعم الأخ والصديق، وخير سندٍ وأفضل رفيق، ثم يأتيه من حيث لا يحتسب، وينال منه وهو الذي أمنه وصدقه، وأحسن إليه وقدمه، وأدخله بيته، وأطعمه من إدامه، وجلس معه على ذات المائدة، وشرب وإياه من نفس الإناء، لكنه خاصم وفجر، وخان وانقلب، وطمع وكذب.
نسي الخائن البواق، أن الزمن قادمٌ وأنه دوار، وأن الأيام دولٌ، وأنه كما تدين تدان، وأنه كما تكون لأبيك يكون ولدك لك، فإن كنت باراً به طيعاً له، برك ولدك وأطاعك، وإن كنت عاقاً له وسيئاً معه، أساء إليك ولدك في آخر أيامك، وبقية عمرك، فالإحسان كما الإساءة قرضٌ ودين، والإنسان يجني ما زرع، ويحصد ما بدر، وإن تأخر الزمن، وتبطأت الأيام، وظن أنه من العقاب قد فلت، ومن الجزاء قد نجا، وأنه قد سبق بما ارتكب، وفاز بما سرق ونهب، ونعم بما كسب وكذب.
نسي ناكر الجميل، المنقلب على الفضل والخير، أن الله موجودٌ، يسجل ويدون، ويراقب ويرى، وأنه جل شأنه يفرح للوفاء، ويبارك عمل المخلصين، وأنه يغضب من الخائنين ويلعنهم، وينتقم منهم، ويصيبهم في الصحة والمال والولد، ليقيم ميزان العدل، ويرفع لواء الحق، وينتقم للضعفاء المظلومين، والصادقين المخلصين، وإلا فإن البقاء سيكون للأقوى والأظلم، والعدل سيقيمه الهوى، ويرفع أسواره الطيش.
لعمري نحن في زمانِ غريبٍ عجيب، تبدلت أحواله، وتغيرت سننه وقوانينه، فما عدنا نعرف فيه قيم الوفاء والنبل والشهامة والصدق والحب والولاء، فقد غابت عنه معاني الرجولة، وقيم الإباء، ومفاهيم الأصالة والعراقة، التي كانت تميزنا، والتي كنا بها نفتخر ونعتز، وقد كنا بالوفاء أقوى، وبالصدق أنقى، وبالنبل أصفى، وبالشهامة أكثر احساساً بالأمن، وإدراكاً للطمأنينة وسلامة الطريق.
طوبى لمن كان وفياً لصديقه، صادقاً معه، مخلصاً له، مدافعاً عنه، أميناً معه، محباً له، في السر والعلن، وفي الحضور والغياب، وفي الحياة وبعد الموت، فإنه سيخلد ذكره ومن أحب، وسيحفظ اسمه ومن صادق، وسيكون للعالمين مثالاً يحتذى، وقدوةً يتأسى به الناس، وبه يهتدون، ولفعله يحمدون، ولعمله يذكرون.
والويل لمن خان العهد، وانقلب على الود، فكان في أصله سيئاً، وفي حقيقته خبيثاً، أو ضل وانحرف، وزاغ واختلف، واستجاب للوشاة، واتبع سبيل النمامين الكاذبين، فخسر نفسه قبل صديقه، وتخلى عن انسانيته قبل أن يفقد حبيبه، فأصبح الحيوان البهيم أفضل منه وأعقل، وأصدق منه وأخلص، وأنقى نفساً منه وأحفظ للعهد من مثله.

ليست هناك تعليقات: