أرسل لي المهندس والباحث في شؤون المياه محمود شعبان بحثا أعدَّهُ عن أخطر قضايا الصراع في عالم اليوم، والتي لا يرغب العربٌ في فتح ملفها، لأنهم- للأسف- يعيشون يومهم، ولا يخططون لمستقبلهم!
يحتوي البحث على رقميات مائية خطيرة، تشير إلى حقائق عن إدراك إسرائيل لجوهر الصراع المستقبلي، وأنه لن يكون صراعا حربيا، بل إنه سيكون صراعا مائيا بالدرجة الأولى، وهذا يؤكد حقيقة مهمة ، وهي عودة حياتنا البشرية إلى نطفتها الأولى، وهي [ الصراع على الماء والكلأ]!!
ومن هذه الحقائق:
تسيطر إسرائيل على 85% من مصادر المياه الفلسطينية في الضفة الغربية، على الرغم من أن الأحواض المائية( الحوض المائي الغربي، والشمالي الشرقي والشرقي) تقع كلها في الضفة الغربية، كما أن إسرائيل ترتكب جريمة أخرى في حق غزة عندما تحاصرها مائيا وتمنع تدفق المياه باتجاه غزة وتحاصرها بالسدود، وهذا حصار غير منظور للأسف، ولا يرصده معظم القادة والمسؤولين، ولا يشير إليه المحللون السياسيون!!
كانت إسرائيل تغتصب 33% من مساحة غزة لإسكان أقل من خمسة آلاف مستوطن!!
كان نصيب الفرد الإسرائيلي من المياه 370 لترا في اليوم، في مقابل أقل من سبعين لترا للفلسطيني!
ويشير البحث إلى جرائم الصرف الصحي، وإلى تسرب التلوث للخزان الجوفي الذي يغذي الأراضي الفلسطينية، وأن إسرائيل تحتكر 32 محطة صرف صحي ضخمة، وخمسين محطة متوسطة الحجم.
ويشير البحث أيضا إلى قدرات إسرائيل في مجال إعذاب مياه البحر، بالإضافة إلى مشاريع عديدة لشراء المياه من الدول التي تملك فائضا، مثل تركيا.
إنَّ الفارق بين الدول (النائمة) والدول(النامية) يكمن في حقيقة جوهرية، وهي الوعي بالثروات المائية وأهميتها في المستقبل، وأن توفير المياه هو خطوة مركزية لبناء الأوطان!!
إسرائيل من الدول القليلة في المنطقة التي استطاعت أن تنجز مسحا شاملا للمياه في المنطقة العربية المحيطة بها ، ويمكن القول بأنها هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تعرف المخزونات المائية في لبنان وسوريا وفلسطين والأردن ومصر وقليلون يعلمون بأن إسرائيل عندما احتلت غزة عام 1967 أسست كل مستوطناتها فوق البحيرة المائية النقية الضخمة في رمال خانيونس ورفح وبيت لاهيا، وأن كل المستوطنات التي بنيت هناك كانت مستوطنات تكتيكية ليست للسكن والإقامة ، بل لتكون (مظلات) واقية لهذا المخزون المائي الجوفي!!
وقليلون يعرفون أيضا بأن أكثر من نصف سكان إسرائيل كانوا يشربون ماء هذه البحيرة التي كانت تضخ عبر الشبكة المركزية الإسرائيلية ، وكان التحكم في تلك الآبار يتم الكترونيا من مقر الشركة في تل أبيب .
ولست مقتنعا بأن إسرائيل حين تركت هذا المكان ، قد تخلت عن هذا المخزون المائي الهائل ، وليس غريبا أنها تمكنت من تأسيس نظام تحت الأرض لامتصاص هذا المخزون اعتمادا على جهلنا بالأمر ، وعدم قدرتنا على رصده ومتابعته ، بالنظر إلى الخبرات الإسرائيلية الهائلة في هذا المجال!!
كانت إسرائيل قبل خروجها من المستوطنات عام 2005 تضع شروطا قاسية على حفر الآبار الارتوازية ، لا لهدف المحافظة على المخزون المائي في غزة ، بل للمحافظة على النظام البيئي المائي في المنطقة كلها ، لأن من يدرس المخزونات المائية يعرف بأنها لا تنتمي إلى حدود دولة من الدولة ولا تعترف إلا بنظامها المائي فقط.
وما أن خرجت إسرائيل من غزة حتى شرع كل بيت وكل عمارة سكنية وكل صاحب مزرعة صغيرة في حفر بئره الجوفي الخاص به ، بحيث صارت مياه قطاع غزة اليوم تماثل تماما مياه بحر غزة في ملوحتها بعد استنزافها ، أما عن التلوث فحدث ولا حرج لأن غزة تعيش فوق مجاريها ، وتنام فوق فضلاتها ، وتسير على بقاياها وهذا بالطبع جعل البحر شاطئا من شواطئ المجاري ، ووصل التلوث إلى المخزون المائي الجوفي كذلك.
إن الشعارات السياسية ، والدعايات الحزبية والخطابات البلاغية لا يمكنها في الألفية الثالثة أن تسقى مائة ألف طفل مياها عذبة نقية ، ولا يمكنها أن تؤسس إلا دول العطش !
ولا يمكن لعاقل أن يصدق بأن السودان ومصر تعاني من ضائقة مائية ، على الرغم من أن النيل يمر في شرايينها ويتغلغل في جوفها!!
ومن السخف أن نختبر أبناءنا في المدارس في جغرافيا أنهار الوطن العربي، فنسألهم في الاختبارات:
أين ينبع وأين يصب نهر النيل والفرات ودجلة؟
ويخرجون بعد إجاباتهم وهم لا يعرفون بأن مياه هذه الأنهار تضيع سدىً فتصبُّ مياهها العذبة في النهاية في البحر، ونمضي حياتنا كلها نشتكي الظمأ لينطبق علينا قول المتنبي وهو يصف الإبل (غير الذكية)!!التي تحمل الماء على ظهورها:
كالعِيسِ في البيداءِ يقتُلها الظما
والماءُ فوقَ ظهورِها محمولُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق