اهتمت صحيفة العراق ومعها بعض الصحف العراقية والعربية بموضوع تهريب الأرشيف اليهودي الى إسرائيل، الذي يحتوي على اقدم نسخة
للتلمود البابلي اليهودي. ويذكر ان الجيش الأمريكي قد نقل آلاف النسخ الأصلية الأثرية من العراق بهدف صيانتها بالاتفاق مع هيئة الآثار العراقية لكن بعد مرور العام تلو الآخر اصطدمت مطالبات إعادة الاثار بالمماطلة من قبل الجانب الأمريكي. حسب خبراء الاثار فإن الأرشيف العراقي يحتوي على اكثر من ثلاث آلاف وثيقة و1700 تحفة نادرة توثق العهود التي سبي خلالها اليهود، وهما السبي البابلي الاول والسبي البابلي الثاني وهي تتعلق بتاريخ اليهود في العراق ذلك التاريخ الذي يمتد الى أكثر من 2700 سنة من الثقافة والحضارة في بلاد ما بين النهرين منذ الأسر الآشوري الأول لليهود عام 702 ق.م في حملة سنحاريب على فلسطين. ومنذ سنوات وأنا أكرر على مسامع طلابي في الجامعة ان العقلية الغربية لا تهتم بمن يحكم العراق قدر ما تهتم بالاستفادة من العراق نفطاً وثروات وحضارة وإمكانيات تاريخية. وأكاد أجزم أن مجموع الآثار العراقية التي تتعلق بتاريخ العالم القديم يفوق ما في جميع دول العالم من آثار تحظى بالكثير من الاهتمام، في الوقت الذي يجهل معظم الناس ان في العراق 12 الف موقع أثري لم يكتشف وينقب منها سوى 600 موقع فضلاً عن ان تلك المواقع (وبكل أسف) لا يلقى أي اهتمام يتناسب ومستواه!. وبصفتي احد المهتمين بتاريخ الصحافة العراقية يمكنني القول ان الصحافة العراقية نبهت وبوعي استباقي ومنذ بدايات القرن العشرين الى دور التجار اليهود العراقيين في المتاجرة بالآثار. ومن مراجعة بسيطة لجريدة الرقيب الصادرة عام 1909 العدد 79 في27 ذي الحجة 1327هـ (1909م) وجريدة العالم العربي ،العدد 165 في2 تشرين الأول 1924نستطيع ان نؤكد ذلك الدور. ويعود الاهتمام الإسرائيلي منذ خمسينيات القرن العشرين بالحصول على أرشيف اليهود في العراق لتأكيد فرضيتها التي تدّعي أن اليهود هم بناة برج بابل مثلما هم بناة الأهرامات في مصر كما يدعون، فإسرائيل تسعى إلى تزوير التاريخ بما يخدم مصالحها في المنطقة.ان الآثار العراقية والوثائق المتعلقة بالأرشيف اليهودي التي سرقت من العراق بعد عام 2003 تحتوي على معلومات تفصيلية مهمة عن تاريخ الوجود اليهودي الأول في العراق في الأسر الآشوري الأول سنة 702 قبل الميلاد. ويمكننا من خلال بعض المسروقات تأكيد هذا الاستنتاج، ففي الشمال نهبت عدة تماثيل من موقع الحضر الأثري وانتزع وجه حجري كان موجوداً في اعلى قوس مدخل المدينة ونهبت من نينوى أيضاً عدة تماثيل وخرب بشكل واسع قصر سنحاريب وسرق العديد من لوحاته الجدارية، في النمرود سرقت لوحتان جداريتان من القصر الشمالي الغربي ونهب تمثال برونزي من الفترة الاكدية يمثل شابا جالسا، وتعرض للسرقة أسد ولبوة من الفخار من بداية الألف الثاني ق.م ونهبت ثلاثة رؤوس رخامية من مدينة الحضر الأثرية من القرن الثاني ق.م ومن الكنوز الاثارية التي هربت منها ما يشكّل أهم أرشيف للبشرية على الإطلاق،كالإناء النذري الذي يشكل الفلسفة السومرية في الحياة والموت, ورأس الفتاة السومرية الذي اشتهر بأنه موناليزا العراق،وكذلك رأس سرجون الأكدي وثيران مجنحة نادرة عُثر عليها في النمرود. ويحتوي هذا الأرشيف كذلك على وثائق وتحف نادرة موثقة للعهود التي سبي خلالها اليهود في العراق وهما السبي البابلي الأول والسبي البابلي الثاني. إضافة إلى آثار يهود العراق الموجودين أصلا في هذه الأراضي آنذاك. كما يحتوي الأرشيف أيضاً على آثار تعود إلى أزمان أبعد من العهد البابلي، أهمها أقدم نسخة للتلمود البابلي وأقدم نسخة للتوراة كتبها اليهود في بابل بعد السبي البابلي الثاني ومخطوطات أخرى كانت محفوظة في احد اقبية رئاسة المخابرات العراقية في حي المنصور ببغداد والتي تعود اصلا الى كنيس مسعودة شمطوب في حي البتاويين ببغداد بعدما وضعت الدولة اليد عليها أثر توفر معلومات تفيد بان هناك محاولات لتهريبها الى اسرائيل أواخر السبعينيات من القرن الماضي. من الواضح أن لليهود عملاء في العراق كما في سائر الدول العربية خاصة تلك التي بها مناخ خصب للنهب و الفوضى. هؤلاء العملاء في أماكن مرموقة و غير مرموقة كل يعمل بعلم أو بجهل من أجل تزوير التاريخ ومحو الهوية العربية و الإسلامية وتحقيق حلم اسرائيل باحتلال سائر الأرض المقدسة وبلاد العرب.
مما تقدم يمكننا ان نفهم لماذا يصرون على سرقة تاريخ اليهود في العراق. إن إضاعة الشواهد التاريخية للحضارة الإنسانية هي إحدى الصفحات المؤلمة والمؤذية في سجل الاحتلال العسكري للعراق، وكان (لإسرائيل) دور بما حل بالآثار العراقية القديمة بصورة مباشرة وعلى خلفية استبدالها الموروث الحضاري العراقي بالموروث التوراتي العنصري وارتهانها للأفكار والمشاريع التوسعية العدوانية على الأرض العربية وشواخصها التاريخية والثقافية والحضارية. ولاتزال بواعث القلق تتصاعد بين صفوف الشعب العراقي على مصير الآثار العراقية ومواقعها لاستمرار سرقتها وتهريبها ولأن ما تبقى من الآثار ليس في مأمن بل هو معرضاً أيضاً للسرقة والتهريب بسبب العصابات المحلية التي تمارس هذه الجرائم لحساب المافيات الدولية وارتباطاتها وتواطؤ الجهات الحكومية بعدم توفير حدود معينة لحمايتها التي تكفل إيقاف هذه الجرائم وملاحقة مرتكبيها وهذا ما أدى بدوره إلى اتساع نطاقها ليشمل الآلاف العديدة من المخطوطات والوثائق والكتب النادرة ذات القيمة الثقافية والتاريخية العالية. إننا ومن هذا المنبر الإعلامي نناشد كل المنظمات الدولية والمؤسسات المعنية بالتراث العالمي بالعمل لحماية حضارة وادي الرافدين باعتبار آثارها تمثل تراثاُ إنسانياً عالمياً لابد من المحافظة عليه وضرورة تنظيم حملة دولية واسعة لإنقاذ الآثار العراقية تشترك فيها وزارة الثقافة العراقية ووسائل الإعلام العراقية والعربية والدولية ذات العلاقة بالحفاظ على التراث الإنساني العالمي ووضع خطط عملية وإجرائية من شأنها ضمان سعياً حثيثاً وجدياً لاسترجاعها من السراق والمتاجرين فيها،لأن الاثار عنوان حضارة إنسانية عالمية وان المحافظة عليها يعد واجباً وطنياً يجب على الجهات الحكومية والعربية والدولية أن تتكفل به
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق