ثلاثة أهداف للحملة الصليبية – الصهيونية على العرب والمسلمين(في ضوء الإستراتيجيات المرسومة)
شبكة البصرة
د. أبا الحكم
المقدمة :
هذه الحملات لا شك في أنها متداخلة مع بعضها بحكم ترابطها الإستراتيجي في الأهداف والوسائل، ويتم تطبيقها في ضوء الإستراتيجيات القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى المرسومة للمنطقة العربية ولمنطقة الشرق الأوسط وللعمق الأسيوي حيث تخوم المجال الحيوي لكل من الصين وروسيا الاتحادية، حتى وأوربا!!
المرتسمات الإستراتيجية هذه تعمل على خط التناقضات بأسلوب خلق النقيض في مكونات التناقض على المستوى (الديني- المذهبي) و (القومي- القومي) و (القبلي- العشائري) و (الفئوي- الواجهي) و (المناطقي).. وهو الأسلوب الإمبريالي- الصهيوني، الذي يتفادى فيه واضعو تلك الإستراتيجيات كلف الحروب وانعكاساتها الداخلية وتفاقم نتائجها الخارجية على أوضاعهم، وهم يحاولون معالجة أزماتهم المستعصية بعولمتها.
أليات الفعل الإستراتيجي.. كيف تعمل؟
أولاً- تحديد مكونات المجتمعات وطبيعة نسيجها الاجتماعي (مذهبياً وقومياً).. ولهذا التحديد أولويات شملت المجتمعات العربية والإسلامية.. لماذا : لأنها مركز الصراع الإستراتيجي الكوني، والعدو الوهمي الذي تحدث عنة " هنري كيسنجر" وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، بعد انهيار الإتحاد السوفياتي وحصول اختلال حاد في التوازن الإستراتيجي، أخل بدوره في التوازنات الإقليمية، التي بدورها مهدت لتطبيق نظرية (الفوضى المنظمة) في ساحة تغلي بصراعات شعوبها مع أنظمتها القمعية الفاسدة والعاجزة والمتواطئة مع أعدائها.
ثانياً- تحديد وسائل استخدام القوة المسلحة.. بتحويل استخدامها من الحالة العسكرية المباشرة، التي تنتهي بالاحتلال العسكري إلى الحالة غير المباشرة التي تنتهي بالفوضى العارمة.. حالة العراق نموذجاً، وحالة ليبيا وتدخل الناتو نموذجاً، وحالة سوريا وتدخل العناصر المرتزقة نموذجاً.!!
ثالثاً- نموذج التدخل العسكري المباشر لن يتكرر، وذلك بفعل عوامل عديدة تقع في مقدمتها :
1- التطور النوعي في قدرات كل من روسيا الاتحادية والصين في سياسة الردع المؤكد والمعبر عنها في الفيتو المستخدم من لدن قيادة العاصمتين موسكو وبكين وبما ينسجم مع القانون الدولي والنظام الدولي القائم على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، الأمر الذي أعاد التوازن الإستراتيجي لنظام العلاقات الدولية.
2- المحددات الداخلية، والمعبر عنها بالأزمات الاقتصادية والمالية التي تعصف بالاقتصادات الأمريكية والأوربية، فضلاً عن استفحال العجز في موازين المدفوعات وارتفاع معدلات المديونية الخارجية (بلغت الديون الخارجية الأمريكية جراء الحروب والتدخلات الخارجية أكثر من أربعة تريليون دولار)، الأمر الذي جعل الكونغرس ومجلس الشيوخ الأمريكي يرى أن لا مصلحة قصوى للموافقة على استخدام القيادة الأمريكية للقوة العسكرية.
3- المقيدات في استخدام القوة العسكرية، إذ أن الإستراتيجية الأمريكية ترى من الضرورة الاعتماد على (شراكة إستراتيجية) وإذا لم تتحقق فيمكن الركون إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لاستخدام القوة، التي تصطدم بتفويض مجلس الأمن الدولي، حيث الفيتو الروسي والصيني بالمرصاد لأي خرق للقانون الدولي ولمبادئ ميثاق الأمم المتحدة.. في حرب الخليج عام 1991، كانت قد تحققت شراكة إستراتيجية تحت ظروف معينة.. وفي حروب ما بعد الحادي عشر من سبتمبر2011 كانت هنالك شراكة إستراتيجية تحققت في العدوان على أفغانستان والعراق، وقد انفرطت هذه الشراكات ولم يتبق منها سوى عدد قليل يمثل أعضاء (الناتو) الذين قرر وزراء خارجيته في مؤتمر (لشبونه) الانسحاب من أفغانستان على وفق جدول زمني.. فيما انسحبت قوات الاحتلال الأمريكي من العراق تحت ضغط شديد أفقدت المقاومة العراقية الباسلة توازنها وكبدتها خسائر لم تستطع الإدارة الأمريكية الإفصاح عنها ولا عن خسائرها المادية، فأوكلت أمر العراق، في إطار التوافق الإستراتيجي بين واشنطن وطهران إلى إيران لرعاية المصالح النفطية الأمريكية تحت يافطة النهب الأمريكي المنظم لمخزون نفط العراق، الذي قدر عمره أكثر من مائه وعشرون عاماً، على معدل إنتاجه الحالي، مقابل سيطرة إيران على مقدرات العراق والعمل على ربطه إستراتيجياً واقتصادياً ومذهبياً بالدولة القومية الإيرانية!!
إذن... لا تفويض من مجلس الأمن الدولي، ولا شراكة إستراتيجية لشن الحروب من اجل إسقاط الأنظمة السياسية وتغيير النظم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بما ينسجم وطبيعة منهج العولمة.. فما الأسلوب غير المكلف بشرياً ومادياً، الذي يمكن أن يستخدمه الغرب الصهيوني ويحقق نتائج تدميرية تفوق نتائج الحروب العسكرية المباشرة؟!
4- نرى في النموذج السوري الأسلوب الذي يعتمده الغرب المتصهين وأتباعه، طالما :
أ- يتم التمويل من أطراف عربية بدون تحفظ.
ب- يتم تجهيز ميادين الصراع المسلح بعناصر المرتزقة من عناصر السلفيين والقاعدة وغيرهم ومن جيش العاطلين عن العمل (وهم كثر في وطننا العربي وأمتنا الإسلامية).!!
ت- يتم تجهيز عناصر مسلحة بكل احتياجاتها اللوجستية والسلاح والذخيرة والإيواء المؤقت في بؤر التوتر وفي خارجها.
ث- يتم تدريب عناصر المرتزقة في معسكرات مدن أطلق عليها توصيف مضحك هو (الربيع العربي).
ج- يتم إيواء هذه العناصر الأجنبية والعربية في فنادق مدن تركية قريبة من الحدود السورية، ريثما تحين الفرصة لتسللهم من أجل القتل والتدمير في مدن سوريا وأريافها الواسعة.
ح- يتم الدعم الإستخباري (الأمريكي- الأوربي- الإسرائيلي- التركي- العربي) المشترك لعناصر المرتزقة في مسائل الخرق لأجهزة الأمن القومي السوري وقواتها المسلحة، فضلاً عن القيام بتفجيرات نوعية، ومحاولات إنهاك للجيش.
خ- يتم التنسيق السياسي والدبلوماسي والإعلامي لكافة الأطراف، التي ترى مصلحة لها في تكريس ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد، وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني.
د- تتم محاولات الالتفاف على القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، بأسلوب التفتيش عن ما يسمى (الملاذ الآمن للنازحين السوريين - والممرات الآمنة للإمدادات الإنسانية – وحظر الطيران – وانتقال السلطة –والتنحي عنها– والخطر من الأسلحة الكيميائية- إلخ)!!
ذ- تتم محاولات للمساومة على إضعاف نهج التمسك بقراري الفيتو الروسي والصيني، اعتقاداً من عقلية الغرب المتصهين أن تلك المحاولات سوف تغري صانع القرار في كل من موسكو وبكين على قبول مساومات وإغراءات المصالح.. وهذا الاعتقاد في هذه المحاولات هو اعتقاد مراوغ ومخادع لا يؤدي إلى نتيجة، طالما الصراع بات كونياً.!!
الخيارات كلها تنصب على الداخل السوري، فيما باتت محاولات استخدام القوة العسكرية من خلال (الناتو) محض تمنيات صهيونية أمريكية تركية للإمساك بالفرص التاريخية من أجل تطبيق مشاريعها في المنطقة العربية والإسلامية.. والأهداف المرسومة هي:
أولاً- نزع سلاح الجيوش العربية، وخاصة الخط الأول والثاني الأكثر أهمية، حسب نظرية الأمن الإسرائيلية، تبعاً لمراحل الصراع.. (إخراج مصر، باعتبارها تمثل ثقلاً قوميا، من دائرة الصراع وتكبيلها بمعاهدة كامب ديفيد... إخراج العراق، باعتباره مركزاً إستراتيجياً، من دائرة الصراع باحتلاله ونزع سلاحه وتفكيك جيشه، الذي يعد حسب هذه النظرية يشكل خطراً داهماً ومؤكداً، وإدخاله في متاهات التصادم الطائفي والحلقة المفرغة التي تسمى بالعملية السياسية... احتلال ليبيا ونزع سلاحها وتفكيك قواتها المسلحة، وإشاعة أجواء الاقتتال المليشي في شوارع المدن الليبية... الآن، تبذل محاولات لنزع سلاح الجيش السوري وتفكيكه وإحلال تشكيلات مليشية تحت مسميات مختلفة محله وفي مقدمتها جيش سوريا الحر، وتشكل العناصر المرتزقة فيه قرابة 93% من مجموع تشكيلاته المتناقضه والمختلفة... ويأتي دور الجيش المصري بتحجيمه بطريقة مختلفة تتمثل بخلق نزاع بين مدنيين وعسكريين، الأول ينحى الاتجاه السياسي " الديمقراطي"، والثاني ينحى التشدد والتصلب بحكم واقعه وطبيعته العسكرية، الأمر الذي يؤدي إلى تجميد إمكاناته وقدراته بقرارات سياسية تخدم بالتالي اتفاقية " كامب ديفيد".
نزع سلاح الجيوش العربية على خط الصراع مع العدو الصهيوني، يعد المرحلة الأولى، تتبعها مرحلة ثانية تتناول الجيش الأردني والسعودي واليمني، وبقية الجيوش العربية على أهميتها وقدراتها في ضوء واقع التطبيق العملي لنزع السلاح العربي كلياً.
ثانياً- انتزاع حق الشعب العربي في ثرواته النفطية والغازية، فقد (ألغي قرار تأميم النفط في العراق عملياً بعد الاحتلال وعادت شركات النفط الأمريكية والبريطانية والفرنسية وغيرها تستحوذ على معدلات الإنتاج وحقول الآبار المكتشفة والخاضعة للمسوحات الجيولوجية من أجل السيطرة على مخزون النفط الإستراتيجي في العراق)... فيما (تم توزيع النفط الليبي حصصاً بين كل من فرنسا 40% وبريطانيا 30% وكذلك أمريكا وإيطاليا)... أما (السودان فقد شمله التقسيم لمنعه من أن يشكل عمقاً حيوياً لمصر أولاً وللسيطرة على مخزونه من النفط ثانياً)... فيما (بات اليمن مرتعاً للشركات الفرنسية والأمريكية والبريطانية من أجل النفط من ناحية، ومنع وصول روسيا إلى مواقع نفوذها في عدن وإشرافها على البحر العربي ومدخل البحر الأحمر استراتيجياً).
ثالثاً- منع اكتمال عناصر القوة في كل من روسيا الاتحادية والصين، والضغط على مجالهما الحيويين جيو- إستراتيجياً، وعرقلة نهضتيهما عن طريق التلويح بزحف ما يسمى بالفوضى الخلاقة صوب جغرافيتهما – السياسية، ومحيطهما الخارجي... بيد أن هذا الأسلوب قد تم وضعه في دائرة التشخيص المبكر، وهو سلاح ذو حدين يمكن أن يفجر أوضاعاً مرعبة في قلب المجتمع الأمريكي الضعيف أصلاً!!
21/8/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق