شبكة البصرة
يوغرطة السميري
ارتبط ظهور مجموعة عدم الانحياز بطبيعة النظام الدولي الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية النظام الذي حكمته ثنائية الاستقطاب الدولي الذي بلور وضعية دولية أصبح العالم مهدد فيها بحرب مدمرة حكمتها صيغة الردع المتبادل أو ما اصطلح علي تسميته بالحرب الباردة...بكل ما تعنيه من صراع و تقابل في السياسات الاقتصادية و الاجتماعية العسكرية بمفهوم التوسع و تحقيق المصالح... ظرفية سهلت في جانب منها موجة استقلال المستعمرات في القارات الثلاث افريقيا آسيا و أمريكا اللاتينية. موجة لم تكن بمعزل عن بروز أصوات صادقة فكرا و تصورا دعت الي الحياد الايجابي التي فعلت واقعا في مؤتمر باندونغ (مؤتمر التضامن الأفرو ـ آسيوي أفريل 1955) بما صاغه من مقررات أصبحت أرضية ملائمة لظهور هذه الحركة اثر مؤتمر بلغراد 1961. فالي أي مدي عبرت الحركة عمليا علي ما ورد في أرضية التأسيس و هل شكلت رافعة تحرر و احترام العدالة و الالتزامات الدولية كما يرد في البند العاشر من مبادئ باندونغ كيف و لماذا؟ بماذا نفسر عودة الاهتمام بهذه الحركة؟ و ما مطلوب من العرب بداخلها؟
عدم الانحياز بين مبادئ باندونغ و طبيعة الأعضاء و ارتباطاتهم الدولية
أكد مؤتمر باندونغ أفريل 1955 علي جملة من المبادئ أهما العشرة مبادئ التالية :
1ـ احترام حقوق الإنسان الأساسية، وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.ـ 2احترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها.ـ 3 إقرار مبدأ المساواة بين جميع الأجناس، والمساواة بين جميع الدول، كبيرها وصغيرها.ـ 4 عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى أو التعرض لها.ـ 5 احترام حق كل دولة في الدفاع عن نفسها، بطريقة فردية أو جماعية، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.ـ 6 أ- عدم استخدام أحلاف الدفاع الجماعية لتحقيق مصالح خاصة لأيّ من الدول الكبرى. ب- عدم قيام أي دولة بممارسة ضغوط على دول أخرى.ـ 7 الامتناع عن القيام، أو التهديد بالقيام، بأي عدوان، والامتناع عن استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة.ـ 8 الحل السلمي لجميع الصراعات الدولية، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.ـ 9 تعزيز المصالح المشتركة والتعاون المتبادل.ـ 10 احترام العدالة والالتزامات الدولية تحولت الي أهداف أساسية ترفعها الحركة في خطاباتها و خلال مختلف محطات فعلها السياسي سواء خلال الحرب الباردة أو في فترة الوفاق الدولي التي سجلت اضافة ـ إضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي، فضلا عن التعاون الدولي على قدم المساواة...
مبادئ ترتقي الي المثال الخيير خطابا و فعلا انسانيا... غير أن الخطاب و الشعار المرفوع حالة و واقع الحركة حالة أخري باعتبار أن انفتاح الحركة علي كل الدول المستقلة حديثا و طبيعة الدول المنخرطة في هذه الحركة المتباينة توجها سياسيا و اقتصاديا و اجتماعية و طبيعة ارتباطاتها الدولية جعلت من الحركة في أعلي أوج فعلها منبرا للتنفيس و الترويج السياسي لأغلبية أعضائها و ساحة من ساحات اختبار ثنائية الاستقطاب الدولي لقدرتها علي التمدد أو الانكفاء من ناحية و من ناحية أخري مجالا للتقابل السياسي بين قطبي النظام الدولي في فترتيه الحرب الباردة أو الوفاق الدولي بما ولدته من حروب بالنيابة...أما و مع نهاية مرحلة الوفاق الدولي بانهيار الاتحاد السوفياتي و سقوط جدار برلين واندفاع الولايات المتحدة الي فرض مفهوم جديد لنظام دولي يعتمد أحادية الاستقطاب حد صياغة المشاريع الترتيبية و التقسيمية للعالم معتمدة نظريا مبدأ "من لم يكن معي فهو ضدي " و عمليا ميدانيا استراتجيتين "الصدمة و الترويع " بالنسبة للدول الرافضة و " التسرب المرن " بالنسبة للأطراف المترددة و توزيع الفئ الذي تغنمه سواء بالضغط السياسي أو التدخل العسكري كما هو قائم في العراق أو ليبيا أخيرا للأطراف المنخرطة في استراتيجيتها بما يمكنها من جعل القرن الواحد و العشرين قرنا أمريكيا ساعدها في ذلك تبني العديد من الدول الشرقية النظام الرأسمالي و تطويرها إيجابا لعلاقاتها بالولايات المتحدة الامريكية حد الانخراط في الحلف الأطلسي و انكفاء الدول التي هي في حالة تحول أو اعادة بناء قوتها النتيجة استهداف الولايات المتحدة لمجموعة من دول عدم الانحياز "يوغسلافيا و تفكيكها" في مرحلة أولي و"العراق " في مرحلة ثانية... استهداف اقترن و سكوت عالمي مقترنا بمشاركة فعالة من دول تقول بانتمائها لمجموعة عدم الانحياز منها ايران التي عبر قادتها مؤكدين في أكثر من مناسبة "من أن لو لا مساعدتهم لأمريكا ما كان بامكانها فعل ما فعلته بالعراق"...و منها العديد من الدول الأخري التي اشتركت اما لوجستيا أو بشريا في احتلال العراق بما يتعارض و مبادئ الحركة المقرة و التي بموجبها هم دول من ضمنها...دول لا تتردد في الاعلان و بصيغة رسمية من أنها تتحصل علي مساعدات و اعانات متنوعة و بشتي الطرق من أمريكا خاصة و الغرب عامة فما سبب التفعيل السياسي لهذه المجموعة الآن؟... وهل يمكننا بعد كل هذا أن نتكلم عن مجموعة عدم الانحياز؟
التفعيل السياسي لمجموعة عدم الانحياز ماذا و الي أين؟
المقاومة العراقية الباسلة عامل بارز فرض متغيرات دولية تؤسس لمرحلة تاريخية جديدة مثلما هي حالة في دائرة الاستهداف :
بعد عقدين من الزمن بان بشكل مكشوف وجلي من أن السيطرة العالمية للإمبريالية الأمريكية سجلت تراجع واضح غير قابل للتعديل فمشروعها في إقامة نظام القطب الواحد الذي منت النفس به اثر سقوط الاتحاد السوفيتي و نهاية النظام العالمي الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية مستخدمة في ذلك مبدأ الحروب الاستباقية (الصدمة و الترويع) عسكريا و الابتزاز السياسي(محور شر يجب اجتثاثه... ومن لا يوافقنا الرأي فهو يعادينا..) والاقتصادي (العولمة وما واكبها من تنشيط مؤسسات الإقراض و تعميم الاقتصاد ألريعي) و هي السياسة التي حكمت الإدارة الأمريكية منذ العدوان الثلاثيني علي العراق و اكتمل بالحرب علي افغنستان و احتلال العراق.طارحة رسم خريطة جديدة لغرب آسيا وشمال إفريقيا (أي) الوطن العربي أساسا (مشروع الشرق الأوسط الجديد) كمدخل للتصريف الميداني لتصورها في قيادة العالم... مشروع اصطدم بالفعل الرافض علي ساحة العراق مجسدا في المقاومة الباسلة لأبناء العراق المستمرة والمتصاعدة طيلة الثماني سنوات... مقاومة جعلت إدارة المحافظين الجدد تراوح في نفس المكان لا بل أضافت لها اختناقات جديدة لا تقل أهمية عن اختناقاتها السياسية من خلال تحريك و تسريع أزمتها المالية التي تتهددها في المركز بما فرض عليها إعادة صياغة لتطلعاتها الكونية عنوانها التسرب المرن (إدارة أوباما) كما تبينها المؤشرات الأولي التالية.
ـ ظاهريا القبول الطوعي أو الشكلي بعالم متعدد الأقطاب (الذي أصبح حقيقة) تحت تأثير :
• استعادة روسيا مكانتها كقوة عسكرية و نووية كبري.
• بروز الصين كقوة عسكرية و اقتصادية و تكنولوجية كبري في طور الاكتمال.
• التقدم البائن للهند و البرازيل و تركيا و ماليزيا و اندونيسيا و جنوب إفريقيا.
مؤثرات نتج عنها أدوار سياسية إقليمية معرقلة و بهدف احتوائها أو توظيف أطراف منها بصيغ متعددة لفائدة مشروعها منها صيغة اقتسام الغنائم أو نتيجة الحاجة المتبادلة كما هو الأمر بالنسبة للصين الحاجة الأمريكية (للقروض الصينية) و الحاجة الصينية (للسوق الأمريكية(.
ـ عمليا إعادة صياغة التحالفات وتقديم هامش هام للحلفاء التقليديين و ترقية بعض الأتباع إلي درجة الحليف في طور الاختبار ممثلا في الرأسمال الإسلامي مما فرض عليها إعادة صيغة شخوصه الممثلة له محليا (تسريبات ويكيليكس... و إعلام الجزيرة منذ 2007 النقد بشكل محتشم و منذ العدوان علي غزة بشكل شامل للأنظمة العربية التابعة و ما رافقه من تقديم للنموذج التركي/العثمانيون الجدد و تقديم دولة بحجم قطر لأن تلعب الدور الأكبر في تفعيل المواقف العربية والتخلي عن فزاعة بن لادن التي استهلكت بعد نجاح الحراك الشعبي العربي في تونس و مصر في اسقاط رأس الأنظمة المتعاونة معها وتقديم الحلفاء الجدد) بما يستوعب حالة الاحتقان في الشارع العربي و يعطل فعل المقاومة في العراق السيف الذي قسم الطموح الأمريكي و بصيغة نهائية في الاستفراد بإدارة العالم و فلسطين.. و يحولها إلي خدمة المشروع الأمريكي آنيا و يكسبها ساحة أوسع للمناورة الإستراتيجية أمام تنامي القوة الصينية و استعادة روسيا لمظاهر القوة الدولية فرضت إعادة صياغة حملت معها مآزق خانقة للأنظمة التي راهنت علي أمريكا و ارتهنت سياسيا و اقتصاديا للأملآتها.
مؤتمر طهران لمجموعة عدم الانحياز الحقيقة وآفاقه.
انكشاف التوجه العام للسياسة الأمريكية خاصة و الغربية عامة بعد أن فشلت علي يد المقاومة العراقية منفردة و تعثرها في ليبيا و اختناقها في سوريا الآن...بحكم الاعتراض الدولي جعل من سياسة اعادة الحشد و التقابل السياسي بصيغتيه مصالح و استراتيجيات يعود الي :
ـ احياء حركات و هياكل دولية نائمة أو مغيبة حتي وقت قريب في تقرير السياسة الدولية حتي بصيغة بيان.
ـ بناء محاورأي اعادة صياغة صيغة من صيغ الاصطفاف التي لا تخدم في محصلتها الدول الحاضرة للمؤتمر و ان كان البعض سيستخدمها كغطاء لتبرير سياسته الاقليمية لكسب نفوذ يدعم به موقعه داخليا (ايران خاصة) بقدر ما تقدم عوامل قوة للدول الكبري في تفعيل توجهاتها الكونية طبقا لما يفرضه التنافس القائم بينها...
و في هذا الاطار يتنزل مؤتمر دول عدم الانحياز الذي سيعقد في طهران يومي 30ـ 31 أوت/أغسطس 2012...
(رجيش/المهدية 26/08/2012)
d.smiri@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق