أ. د. حلمى محمد القاعود
كانت نكبة الصحافة المصرية يوم سيطر عليها الطغاة وامتلكوها بلا مقابل، لتروج لأباطيلهم، وتنشر أكاذيبهم، وتحارب معتقدات الشعب والأمة، وتشهر بالشرفاء والأحرار الذين يرفضون الاستبداد والديكتاتورية.
تحولت الصحافة إلى مجرد بوق يردد ما يقوله الطغاة وأذنابهم، ومع سيطرة اللصوص الكبار من أعوان الطغاة على الاقتصاد المصرى فى عهد المخلوع الفاسد؛ أتيح لهم إنشاء صحف وفضائيات وإذاعات ومواقع إلكترونية قوية، ومن خلال هذه الوسائط الإعلامية، تحولت الصحافة من موقع المجاهد من أجل الشعب إلى موقع المنافح عن الطاغية وأذنابه، فضلا عن غسل سمعة اللصوص الكبار الذين يسرقون بالقانون، وتشويه سمعة الشرفاء وخاصة من ينتمون إلى الإسلام الذين يعدون عقبة فى سبيل استشراء الفساد والظلم والطغيان.
لقد ظهرت فى الفترة الأخيرة من حكم النظام الفاسد، صحف وفضائيات وإذاعات ومواقع، تخلت عن واجبها المهنى والخلقى، وتفرغت للابتزاز والتشهير، ونشر الأكاذيب والترهات، والاهتمام بالقضايا الهامشية على حساب القضايا المهمة للوطن، والأخطر من ذلك تدنى لغة التعبير الصحفى إلى مستوى من الانحطاط غير مسبوق، بلغ الحضيض مع انتخاب رئيس مدنى مسلم لرئاسة مصر لأول مرة فى العصر الحديث.. وما بالك بصحيفة يفترض فيها التعبير المحترم عما تؤمن به تصف الرئيس المنتخب بالبلطجى؟ وما بالك بصحيفة يفترض أنها تعمل على ترقية الذوق العام ولغة التعبير فتصف هذا الرئيس بأنه رئيس تحت الصفر؟ أو تشبهه بالولد العبيط فى مسرحية مدرسة المشاغبين؟ أو تكتب مقالا عنوانه "ورينا غضبك يا مرسى" تصف فيه الرئيس بأن تصرفه مشين لأن شابا انتحر فى الصعيد، وتنعته بعدم الخجل لأن مصريين قتلوا فى عمارة منهارة، وتعبر عن القرف والغثيان من الرئيس لأن فتيات تم سحلهن فى مكان ما؟ ما علاقة الرئيس المنتخب بهذه الأحداث وقد جرده الحكام المستبدون من لابسى البيادة من سلطاته الحقيقية، وسلطوا عليه من يلعقون البيادة وهو فى أول أيامه لم يتعرف بعد على من حوله لينعتوه بالفاشى والعاجز؟
إن لاعقى البيادة العسكرية وخدام الاستبداد يسبون الرجل منذ إعلانه رئيسا، لم يوفروا له كرامته بوصفه مواطنا عاديا، بل شربوا جرعة الشهامة المزيفة ليتطاولوا عليه ويمسحوا بكرامته الأرض لحساب الجلادين الأشرار واللصوص الكبار الذين سرقوا الوطن وأذلوه وصادروا حريته وكرامته ووجوده.. لقد وصل فن السفالة الصحفية لوصف الرئيس بـ"شرارة" رمز النحس كما صورته بعض المسلسلات! وراح بعضهم يستشهد بصحف أجنبية تسب رؤساء دولهم! ولم يذكروا المناسبات التى طرح فيها السب، ولم يذكروا أن الرئيس وهو ينبه خدام البيادة فى خطابه "لا يغرنكم حلم الحليم" أنه أخبرهم أن المحبة هى التى ستحكم سلوكه معهم مع كل ما يقترفونه من سفالات وانحطاط دون مسوغ أو مبرر، وكان الأجدر بهم أن يشاركوه فى كيفية التغلب على المشكلات القائمة، ومساعدته ضد المجرمين الذين يلقون بالزبالة وسط القاهرة وعلى الطريق الدائرى، ويقومون بتنغيص حياة الناس وتكديرها بدءا من رغيف الخبز الذى لا يؤكل وانقطاع المياه والكهرباء فضلا عن أزمات البنزين والسولار والبوتاجاز!
إن التفرغ لإهانة الرئيس ومن ينتمى إلى الإسلام، والتشهير بالدعاة وترديد القصص المفبركة حول بعضهم – ومعروف مصدرها – عمل مشين ومخجل ولا يليق بالصحافة المحترمة.. وهناك ملفات حقيقية وليست مفبركة حول بعض الصحفيين المنحرفين معروفة ولا تحتاج إلى ترديد، يعرفها كثير من المنسوبين إلى الوسط الصحفى، ولكن الأقلام الحرة تتعفف عن ذكرها، أو استخدامها ضد لاعقى البيادة وخدام لاظوغلى، ومن ينشرون تقارير الأمن المزيفة على أنها تحقيقات صحفية بذل فيها الصحفى جهده وعبقريته، ولكنها ليست كذلك!
لو أن الرئيس المنتخب يمارس أدنى حد من التسلط الذى يمارسه ضابط صغير فى لاظوغلى، لالتزم لاعقو البيادة حدود الأدب، ولسكتوا إلى الأبد لأن جبنهم متأصل فى نفوسهم ويؤكده انحرافهم وشذوذهم.
إن الصحافة الحقيقية هى التى تقدم الحقيقة، ولا تدلس ولا تضلل، لأن التدليس والتضليل يقودان إلى مأساة كبرى وخاصة لدى القراء العاديين، وإن كانت الحقيقة ستنكشف فى وقت ما، إن الاعتماد على الأكاذيب لن يقدم صحافة محترمة، ولن يكسب ثقة القراء على المدى البعيد.
خذ مثلا موقفهم من زيارة هيلارى كلينتون، وظهور وطنيتهم فجأة، وكان بعضهم يزور أمريكا طوال العام فى زيارات غامضة، أكثر مما يذهب إلى الإسكندرية أو أسيوط مثلا، وكانوا يركبون مع مبارك الطائرة الرئاسية فى الحج السنوى للبيت الأبيض، فجأة أصبحت هيلارى رسول الغرام بين الرئيس ونتنياهو!
المفارقة أن السيدة كلينتون قابلت رئيس المجلس العسكرى، ومع ذلك لم يستنكروا هذا اللقاء، ولم يصفوه بالخيانة كما فعلوا مع لقائها مع الرئيس المنتخب!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق