بقلم ميل فرايكبيرغ /وكالة إنتر بريس سيرفس
طرابلس, يوليو (آي بي إس) - "حالة حقوق الإنسان في ليبيا هي أسوأ بكثير الآن مما كانت عليه في ظل "الديكتاتور" معمر القذافي".
هذا ما قاله ناصر الهواري، الباحث في المرصد الليبي لحقوق الإنسان، لوكالة إنتر بريس سيرفس. وأطلع الوكالة على شهادات لعائلات تعرض أفرادها للضرب حتى الموت على يد الكثير من الميليشيات التي تستمر في السيطرة على مساحات شاسعة من ليبيا.
ويقول الهواري، مشيراً إلى صور للجثث الملطخة بالدماء والمصاحبة للشهادات، "لقد تعرض ما لا يقل عن 20 شخصاً للضرب حتى الموت وهم محتجزون من قبل الميليشيات منذ قيام الثورة، وهذا رقم متحفظ، فالرقم الحقيقي ربما يكون أعلى من ذلك بكثير".
الهواري لا يوالي نظام القذافي. وهو معروف بأنه، كسلفي، كان معارضاً سياسياً للقذافي وسجنته الشرطة السرية في السابق مرات عديدة. لكنه لم ينكسر. وحدث ما هو أسوأ من السجن لأصدقائه الاسلاميين في ظل نظام القذافي الذي كان يعارض بشدة الأصولية الإسلامية.
وفي النهاية هرب الهواري إلى مصر حيث بقي حتى ثورة 17 فبراير في ليبيا عام 2011، وهي التي مكنته وغيره من الإسلاميين من العودة لبلادهم.
وحتى بعد "تحرير" البلاد، تستمر الهجمات الإنتقامية وعمليات القتل والخطف ضد أنصار القذافي السابقين وضد الرجال السود، الذين يرى الثوار أنهم عملوا كمرتزقة للقذافي خلال الحرب.
وقبل عدة أشهر أختطف محمد دوسه، 28 عاماً، من قبل رجال من الميليشيات المسلحة في نقطة تفتيش بمدينة مصراتة الشمالية بينما كان يقود سيارة رب عمله، وهي شركة فوررستر للنفط، من مدينة راس العامود إلى العاصمة طرابلس.
ويقول شقيقه حسام، 25 عاماً، لوكالة إنتر بريس سيرفس، "لا نعرف ما إذا كان حياً أو ميتاً. فلم نسمع عنه شيئاً منذ إختفائه من حاجز الميليشيا والشرطة التي تحقق في إختفائه تقول أنه لا توجد أدلة كافية".
وكانت الشرطة قد تمكنت من تعقب السيارة عبر العديد من المدن في الجانب الشرقي من ليبيا لكنها توقفت عند ذلك. ولم تتم رؤية محمد منذ ذلك الحين، وعائلته ليست لديها أي فكرة عما حدث له.
ويضيف حسام، "يقال أنه أختطف لأنه أسود أو لأن المسلحين كانوا يريدون السيارة التي كان يقودها. نحن ليبيين ولكن والدي من تشاد".
قصة محمد هي واحدة من العديد من عمليات الإختطاف، والقتل العشوائي، والتعذيب، والسرقة التي يواصل رجال الميليشيات من خلالها تطبيق القانون بأيديهم.
وعلى الرغم من تعهد المجلس الوطني الانتقالي المؤقت بوضع أكثر من 6000 شخصاً رهن الاعتقال امام المحاكم أو إطلاق سراحهم، فقد أطلق سراح مجرد البعض منهم في حين تم التغاضي عن الفظائع التي أرتكبت من قبل المتمردين الموالين للثورة.
فالميليشيات المسلحة تسيطر على الشوارع وتفرض مفهومها للقانون، والأمن يمثل مشكلة حتى في المدن الكبرى حيث من المفترض أن يكون المجلس الوطني الانتقالي المؤقت قد إستعاد السيطرة.
وتسمع أصوات العيارات النارية ليلاً بانتظام في طرابلس، وأحيانا خلال النهار.
وقال المقاتل الثوري السابق، سهيل بن لاجي، لوكالة إنتر بريس سيرفس، "كل الشباب لديهم أسلحة ... أو يسرقون الناس الذين يستخدمون الأسلحة... وقد إعتادوا على حل الخلافات السياسية والنزاعات التافهة على هذا النحو. ويؤدي إرتفاع معدلات البطالة والمصاعب المالية إلى تفاقم الوضع".
وحذر اللاجي، "هذه ليست هي ليبيا الجديدة التي قاتلنا من أجلها، وقد نضطر إلى حمل السلاح مرة أخرى إذا إستمر الفساد والجشع. لكننا سنحمل السلاح هذه المرة ضد الحكومة الجديدة".
وفي حين يمثل الأمن مشكلة في طرابلس، إلا أن الوضع في المحافظات هو أسوأ. فهناك ترى الميليشيات المتشرذمة، حيث يرتدي الرجال أزياء عسكرية غير متطابقة، ويقومون بإبتزاز الأموال من المسافرين من خلال نقاط التفتيش التابعة لهم، ولا سيما إذا كانوا من الأجانب أو السود.
وينطوي السفر من حدود السلوم والعبور من مصر الى طرابلس على عبور عشرات من نقاط التفتيش التي تحرسها الميليشيات المتعددة، والتي تتألف من العشائر المحلية ذات الولاءات المنقسمة.
وعند نقطة تفتيش مصراتة التي عبرها مراسل وكالة إنتر بريس سيرفس، قرر رجل ميليشيا ملتحي أنه يتوجب على الأجانب الخضوع لفحص الإيدز قبل أن يتمكنوا من إسترجاع وثائق السفر الخاصة بهم. ومنع تدخل الآخرين من حدوث ذلك.
وفي عدد من نقاط التفتيش في منطقة طبرق، إضطر العمال المهاجرين المصريين لدفع رشاوى للميليشيات تصل الى 30 دولاراً لكل منهم قبل أن يتمكنوا من إسترجاع جوازات سفرهم.
ويقول حسن عيسى، وهو عضو بالمجلس الوطني الإنتقالي المؤقت في أجدابيا، "نحن على بينة بالمشاكل التي تواجه بلادنا، ونحاول حل القضايا"، في حين يقول عضو المجلس الوطني الإنتقالي المؤقت، عبد الكريم الصبيحي، لوكالة إنتر بريس سيرفس، "ليس من السهل بالنسبة لنا وضع كل المليشيات تحت السيطرة في هذه المرحلة".(آي بي إس / 2012)
لا ثمن للحرية في ليبيا
صحف عبرية
لى جانب المشهد الذي تقشعر له الابدان وتكرر هذا الاسبوع المرة تلو الاخرى، مسلحون من كل الانواع جنود، شرطة، لابسو بزات غير معروفة ومجرد مواطنين يرفعون أسلحتهم باستعراض استفزازي كان هناك مؤشر آخر عكس الحرية المتجددة للشعب في ليبيا. الاف المنشورات واليافطات للمرشحين المختلفين في الانتخابات للجمعية الوطنية التأسيسية. بعضها علقت على الجدران والعواميد، الامر الذي تطلب تخطيطا معينا، ولكن معظمها نصبت في مواقع اعدت على عجل على طول الارصفة وهوامش الطرقات والميادين. وبلغت الامور لدرجة أنه في شوارع معينة في وسط طرابلس كان من الصعب السير على الرصيف دون ان يسقط المرء بالخطأ يافطة مرشح أو مرشحة.
الحرية والتحرر لم يساعدا المنتخب، الذي هزم اخيرا وبالفعل الثورة لم تحل كل المشاكل في الدولة. فضلا عن ذلك فان الانتقال من سلطة مركزية وذات نزعة قوة الى مجتمع حر يبعث مشاكل جديدة. غازي فلبوم، صحفي ليبي كبير ومؤسس الاتحاد لحرية الاعلام، يجسد ذلك من خلال غابة اليافطات والبوسترات. وهو يقف عند الفارق بين مرشحين اصدروا يافطاتهم بمالهم الخاص او بتمويل الصندوق العام، اذا كانوا عاملين لدى القيادة المؤقتة، 'المجلس الانتقالي' وبين اولئك الصغار الذين دحروا الى الهوامش. لرجال الحكم والاغنياء كما يضيف توجد أيضا قدرة وصول الى وسائل الاعلام في اثناء الحملة الانتخابية. اما المرشحون الصغار، عديموا الوسائل، فقد اضطروا للاكتفاء باعلانات الشارع. هذا هو الدرس الاول الذي تتعلمه ليبيا رغم أنفها عن السوق الحرة: فالمال، وما العمل، يتكلم.
اين القذافي واين ساركوزي؟
أتجول بين جزر الخرائب وأكوام القمامة النتنة في منطقة واسعة كانت ذات مرة رمز الحكم القديم: نطاق السيطرة المدنية والعسكرية في باب العزيزية. قبل خمس سنوات بالضبط كنت وليس لطيفا الاعتراف هنا تماما، بصفتي ضيفا على معمر القذافي في وليمة عشاء احتفالية، حين رافقت مع مراسلين آخرين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لدى زيارته الرسمية الى ليبيا. وقد اهتم الاخير عندها في الامكانيات المالية الكامنة في التعاون مع القذافي، ومعقول الافتراض بانه لم يحلم بامكانية ان يقود ذات يوم هجوم الناتو الذي سيؤدي الى وضع حد لحكم محادثه.
هنا كانت ساحة الطوابير العسكرية وفي وسطها تمثال مذهب، غريب بعض الشيء، لقبضة تحمل نموذجا لطائرة قتالية امريكية تلك الطائرة التي قصفت في الماضي
المستوطنون في باب العزيزية مسلحون بالطبع حتى الرأس، مثل كل ليبي ما بعد الثورة يحترم نفسه. وهم لا يسعدون بالزوار، وتستأنف سيارات الاجهزة السرية نشاطها ومنها لرجال قدامى عرفوا كيف يغيرون جلدتهم في اللحظة المناسبة وتسير قرب الاسوار المدمرة. التصوير ممنوع. شبان وشابات جريئون، كما يقال، يتسللون ويتنزهون هنا في الليل، استمتاعا على ما يبدو برائحة الخطر. احد هؤلاء القدامى هو محمود جبريل، الذي كان ذات مرة شريك ابن القذافي، سيف الاسلام، في ادارة السياسية الاقتصادية للدولة. جبريل بالتأكيد عرف كيف يترك في الوقت المناسب والوقوف على رأس الحكومة الانتقالية للثوار، حيث ادار بنجاح الاتصالات مع ساركوزي ورجاله على تجنيد قوات الناتو بمساعدة قوات الثورة في الحرب الاهلية الضروس والطويلة. اما اليوم فانه يقف على رأس الحزب الليبرالي، 'اتحاد القوى الوطنية'، المنتصر الاكبر في الانتخابات هذا الاسبوع. وبالمناسبة، فان مقر الحزب يقع في احد المنازل التي وضعت تحت تصرف القذافي في حي غلغامش الفاخر في الايام التي سعى فيها الى الانخراط بالسكان كي يفر من محاولة اغتيال متوقعة أو من قصف الناتو. نتائج الانتخابات تبين أن جبريل فاز باغلبية متماسكة من المقاعد الثمانين المخصصة للاحزاب المنظمة. اما مصير المقاعد الـ 120 التي خصصت للمرشحين 'المستقلين'، اولئك ذوي اليافطات والبوسترات، فلم يكن واضحا على الاطلاق عند كتابة هذه السطور.
والسبب في ذلك هو أن حزب 'العدل والبناء' الفرع الليبي للاخوان المسلمين هدد جبريل بمناورة على نمط مصر: ادخال مرشحين متماثلين مع الاخوان في الاطار المخصص للمرشحين المستقلين. في ضوء هذا الخطر ومن أجل ازالة صفة 'العلمانية' التي التصقت به بسبب الفتوى التي أصدرها عليه مفتي طرابلس، للاشتباه به بالتعاون مع العلمانيين سارع جبريل الى الاعلان عن أنه سيوافق على تشكيل حكومة وحدة مع الاخوان ومع احزاب اخرى. كما وعد بان يستمد الدستور الجديد لليبيا مصادره من الشريعة. 'هذا سيكون فقط احد المصادر'، يهدئني حمودي سياله، الناطق بلسان 'اتحاد القوى الوطنية' بقيادة جبريل. 'نحن امة ودولة اسلامية، ولكن بين مبادىء الدستور سيكون احترام كل الاديان'.
احد ضيوف الشرف في يوم الانتخابات، السناتور الجمهوري جون ماكين، المرشح السابق للرئاسة، قال هنا انه لا حاجة للخوف من الاسلام 'المعتدل' وشرح دون أن يدقق تماما بان دولة اسرائيل ايضا تقوم على الدين اليهودي، ومع ذلك فانها ديمقراطية. ويعتقد سياله بان دمج تعدد الاديان في نسيج الحياة الليبية، في هذه المرحلة 'ليس عمليا' ولكن احترامها يجب أن ينص عليه الدستور. ليس هذا هو رأي الصحفي المتفائل غازي فلبوم، الذي يرى كامكانية أكثر معقولية عودة اليهود الى ليبيا والتطبيع في العلاقات مع اسرائيل. تطبيع من هذا النوع، يدعي سياله، هو 'قصة اخرى'، لا يندرج في برنامج حزبه. وبالنسبة للدعم المفهوم من تلقاء ذاته 'في الموضوع المقدس لكل العرب، حق الفلسطينيين في الدولة'، يقول ان 'ليبيا الجديدة تقبل بكل حل يقبلونه هم أنفسهم'. يمكن لمؤيدي الدولة ثنائية القومية في اسرائيل من اليمين ومن اليسار ان يتذكروا بسخرية الحل الابداعي للقذافي دولة واحدة تسمى 'اسراطين'، تكون عضوا في الجامعة العربية.
يعترف ايضا بان 'عدد الاسلحة التي تتجول في ليبيا يفوق عدد مواطنيها'. مكانة المرأة في الدولة الجديدة هي ايضا مسألة اخرى لا تبدو واعدة، صحيح حتى اليوم. ويوافق سياله على أنه يتعين معالجة هذا الامر ايضا، ولكنه يوجه الانتباه الى حقيقة رئاسة النساء للمنظمات المدنية التي تشكلت في عهد الثورة. 'لا طريق للعودة'، يحاول ان يهدىء المخاوف بالنسبة للتراجع الى الوراء عن الحداثة، 'دفعنا ثمنا باهظا جدا كي نصل الى ما وصلنا اليه'. وينعكس الثمن في كل زاوية شارع. في طرابلس بقي غير قليل من جدران المنازل المفحمة التي يخترقها الرصاص، الى جانب هياكل مباني مدمرة جراء اصابات دقيقة من طائرات الناتو. معظمها لاهداف عسكرية ولكن ليس فقط عسكرية، كما يعترف السكان بحذر. الحي القديم الذي كان يسكنه في الماضي مسيحيون ايطاليون، يهود وعرب بتفاهم وباخوة على حد قول كمال سائقي العجوز، يبدو هو أيضا كمن خرج من القصف، ولكن هذه المرة لم يكن هذا قصف بل ببساطة اهمال. فبعد هرب اليهود، اسكن القذافي فيه المرتزقة الافارقة لديه. واليوم يسكن هناك مهاجرون سودانيون يتعامل سكان طرابلس معهم بشك ومقت.
في ساعات الليل يأخذني كمال الى مطعم السمك 'شط المنشير' على الطريق الساحلي. وكانت هنا ذات يوم سلسلة من المطاعم ، أما اليوم فلم يتبقَ سوى واحد. تناولت سمكتين على النار هي ألذ ما أكلت في عمري. العائلات والناس يأكلون في غرفة مجاورة. 'المطاعم والاعمال التجارية الاخرى ستبدأ بالعودة الى هنا وسيكون عندنا الكثير من السياح'، يحلم الصياد منشير، وكمال يرى فجأة في المواجهة، خلف البحر المظلم، ايطاليا.
جدعون كوتس
معاريف 15/7/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق