شيء مؤسف أن تكون زَلَّة لسان، وشيء مقلق أن تكون متعمدة ومقصودة، تلك العبارة التي نقلت عن الرئيس محمد مرسي في ختام زيارته لجدة، التي قال فيها إن «مصر والسعودية حاميتان للإسلام الوسطي السني».
وكانت جريدة الأهرام الوحيدة التي أبرزتها في عدد الجمعة الماضي (13/7). استوقفتني العبارة من عدة أوجه.
فمن ناحية وجدتها نشازا على ما ألفناه في البيانات والتصريحات التي تخص علاقات البلدين، حيث لم يسبق لهما الحديث عن دورهما المشترك في حماية الإسلام السني.
ومن ناحية ثانية، فإن الإشارة تعطي انطباعا بأن مصر بصدد الدخول في استقطاب مذهبي تتجمع فيه دول أهل السنة في مواجهة الشيعة.
وإذا كنا قد سمعنا قبل سنوات قليلة عن هلال شيعي يضم إيران والعراق وسوريا وحزب الله في لبنان، فإن ما ذكره الدكتور مرسي قد يحمل باعتباره تمهيدا لتأسيس تحالف سني مقابل.
من ناحية ثالثة، فإنني أخشى أن يكون كلام الرئيس المصري مقدمة للانخراط في مخططات مواجهة إيران وحصارها،
وأرجو ألا يكون للضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلد دور في إغواء الرجل للانضمام إلى ذلك المسار.
وإذ أتمنى ألا يكون ذلك الانطباع صحيحا، إلا أن ثمة سابقة وقعت بعد الثورة لا تستبعده
. وحسب معلوماتي فإن المسؤولين الأمريكيين قدموا إلى مصر طلبات معينة بعد الثورة، وأبلغوا المسؤولين فيها بأن الاستجابة لتلك الطلبات سيترتب عليها أن تفتح خزائن دول الخليج لإخراج مصر من أزمتها الاقتصادية.
الأمر الرابع الذي شغلني يتعلق بموقف الشيعة العرب في هذه الحالة،
أعني بعد أن تنصب السعودية ومصر نفسيهما ضمن حماة الإسلام الوسطي السني. ذلك أننا نعلم أن في المملكة العربية السعودية نحو 50 ألفا من الشيعة يعيشون في المنطقة الشرقية.
كما نعلم أن نسبة الشيعة في العراق نحو 45٪ من السكان،
ونسبتهم في البحرين مماثلة تقريبا،
وهم يمثلون 30٪ من سكان الكويت،
وهم في لبنان قوة كبرى يعمل لها ألف حساب.
ناهيك عن أن العالم العربي يضم إخوة لنا ليسوا من الشيعة، مثل الإباضية في سلطنة عمان والزيود في اليمن والعلويين في سوريا والدروز في لبنان، ذلك بخلاف المسيحيين باختلاف طوائفهم.
أفهم أن للسعودية معركة مزدوجة مع الشيعة ومع إيران.
فالمذهب الوهابي المهيمن هناك له خصومته الشديدة والمريرة مع الشيعة منذ القرن التاسع عشر.
كما أن الرياض لها موقفها المشتبك مع طهران منذ قامت الثورة الإسلامية في عام 1979.
وهذا الاشتباك وثيق الصلة بالسياسات الأمريكية في المنطقة، التي استهدفت حصار إيران وتطويقها.
أما الموقف في مصر فقد كان مختلفا خصوصا في علاقة الأزهر بالمذهب الشيعي الاثني عشري. عند الحد الأدنى، فلم تكن هناك خصومة معه من أي نوع.
نعم ظل الاختلاف قائما، لكنه لم يتطور إلى عراك أو خصام.
فالمذهب ظل يدرس في الأزهر ضمن منهج الفقه المقارن. وشيخه الإمام الأكبر محمود شلتوت اعتبره من المذاهب التي يجوز التعبد بها شرعا.
وفي مصر ظهرت الدعوة إلى التقريب بين المذاهب، وعبرت عنها مجلة رسالة الإسلام التي اشترك في تحريرها علماء الجانبين.
وحين أصدرت وزارة الأوقاف دائرة المعارف الإسلامية، فإنها لم تستثن الشيعة. وإنما عرضت أصول المذهب بكل موضوعية واحترام.
إذا كان ذلك رصيد مصر في المسألة، التي ظلت وسطيتها فيه منفتحة على كل المذاهب، فإن حديث الدكتور محمد مرسي عن حماية مصر للوسطية السنية دون غيرها يعد نكوصا عن الموقف التقليدي للأزهر. وتفريطا في تاريخه الثري في ذلك المضمار. الأمر الذي يعني أن ما قاله الرئيس بذلك الخصوص يعد خطوة إلى الوراء وليس خطوة إلى الأمام.
ذلك على مستوى المذهب. أما فيما خص العلاقات السياسية بين القاهرة وطهران، فهي لا تزال أسيرة نظرة النظام السابق الذي أدار تلك العلاقة من منظور المصالح الأمريكية، الأمر الذي يفترض أن يتغير بعد سعي مصر الثورة إلى تحرير الإرادة المصرية من آثار الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.
إن إيران الشيعية تعد أكبر داعم لحركة حماس السنية التي لا توصف بالتطرف إلا في الإعلام الإسرائيلي والأمريكي، الأمر الذي يعد ضمن قرائن فساد فكرة استخدام الطرح المذهبي في الخطاب السياسي.
وللعلم فإن الوسطية ليست مقصورة على أهل السنة وحدهم، لأن بين الشيعة الاثني عشرية وسطيين معتدلين، كما أن بينهم غلاة ومتطرفين.
إن القراءة البريئة تخطِّئ إقحام المسألة المذهبية في الحديث عن نتائج زيارة الرئيس المصري للسعودية،
ومن جانبي تمنيت أن يتوافق البلدان الكبيران على ضرورة حماية حقوق الشعب الفلسطيني، لأن للوسطية الإسلامية ربا يحميها.
ولست أخفي أنني أشم رائحة عدم البراءة في الزج بالمسألة المذهبية في السياق بغير مبرر، وهو ما يخيفني، لأنه يفتح الباب لاستدراج مصر إلى مواجهة أبعد وأخطر من التي تورط فيها النظام السابق، الذي اشتبك مع السياسة الإيرانية وليس مع المذهب الشيعي.
وإذا صح ذلك فإنني أضيف إلى ما عبَّرت عنه في البداية السؤال التالي:
هل وقع الرئيس مرسي في الفخ برضاه أم رغما عنه؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق