د. محمود روزن
الجائزة الكبرى أمنحها عن طيب خاطرٍ لـِمَنْ يذكر فيلمًا واحدًا للزعيم عادل إمام يخلو من (فعل فاضح).. تُرسل الإجابات على دار القضاء العالى، وآخر موعد لتسلُّم الإجابات مثل هذا اليوم من العام القادم، وننصح السادة المتسابقين بعدم البدء فى الحلّ و(الفُرجة) إلا بعد شهر رمضان المبارك حفاظًا على صيامهم من (الرفث).
ليست تلك مُقدِّمة هزليَّة لمقالٍ ساخرٍ، ولكنى أتحدَّث بمنتهى الجدية، وأتحدَّى أن تجدوا فيلمًا واحدًا تنطبق عليه المواصفات.. وقد اخترتُ (عادل إمام) من بين آخرين ربَّما كانت أفلامهم وسائر أعمالهم الفنِّية أكثر امتلاءً بالأفعال الفاضحة والمشينة، واختيارى له بالذات حتى تتضح بعض المآسى التى نعيشها من خلال مقارنةٍ بسيطةٍ بقضية النائب السابق الشيخ ونيس.
عادل إمام يُحاكَمُ بتهمة ازدراء الأديان، وتستغرق قضيته ردحًا من الزمان حتَّى يحصل فى النهاية على حُكمٍ هزيلٍ بالحبس ثلاثة شهورٍ، فى حين يُحاكم النائب الشيخ ونيس ليحصل بعد نَظَر القضية فى مُدَّة زمنية وجيزةٍ على الحكم بالحبس لمدة عامٍ، ونحن الذين اعتدنا من قضائنا الشامخ أنَّ أكثر القضايا وُضوحًا وسهولة يستغرقُ فتراتٍ رُبَّما وصلت إلى أعوام!
أيُّهما أكثر إضرارًا بالأخلاقِ وإفسادًا للذَّوق العام: ازدراء الأديان والاستهزاء بقطاعٍ كبيرٍ من المصريين الملتزمين يُمارَس على أوسع نطاقٍ إعلامىٍ، أم فعل فاضح - على فرض ثبوته - لم يتجاوز به صاحبه حدود سيَّارته؟!
وإن كان القضاء قد أدانَ الزعيم المزعوم، فلماذا لم يحكمْ بوقف عرض أفلامه، التى صارت تُعرض على قنوات الدعارة الـمُقنَّعة أكثر من ذى قبل، فى تحدٍّ سافرٍ لمشاعر الـمحترمين المغلوبين على أمرهم؟!
الجريمةُ التى حُوكِم بها النائب ونيس غلَّظ الشرعُ الحنيفُ وسائل إثباتها حتَّى يبقى الأصل فى الناس البراءة منها، وحتَّى لا يتجرَّأ أحدٌ على تلفيق هذه التهمة المشينة بأحد؛ اللَّهم من جاهر بها عيانًا بيانًا، ورغم هذا كلّه تحكم المحكمة بالإدانة بأدلَّةٍ أوهى من بيت العنكبوتِ لا تكفى حتَّى لمجرَّد توجيه التهمة إليه.. أمَّا الأفعال الفاضحة التى يمتلئُ بها إسفاف (عادل إمام) الـمُسمَّى فنًّا، فهى ثابتة ومُسجَّلة وموثَّقة، يكفى أن تُدير أى شريطٍ يحتوى عملا من أعماله لتشاهدَها، ورغم ذلك؛ فهى تُصنَّف فى عُرفِ القضاء كأعمال فنيَّة، لمـُجرَّد أنَّها تُمارَس أمام الكاميرا، وتُعرض على الناس قسرًا فى الفضائحيات.
إذًا؛ فالخطأ الذى ارتكبه ونيس – على فرض ثبوته - ليس ممارسة (الفعل الفاضح)، وإنَّما خطؤه الجسيم أنَّه لم يمارس هذا الفعل الفاضح أمام الكاميرات السينمائية ويعرضه على المشاهدين فى البيوت ودور السينما ويختار له اسمًا داعرًا جذَّابًا.. وهذا– كما ترون معى وكما يرى القضاء الشامخ – خطأٌ لا يُغتفر إذ كيف يحرمنا النائب من هذا الفنِّ الراقى؟!
عندما حُكِم على الزعيم الأونطة، أقام الإعلام الفلولى الدنيا ولم يقعدها وهدَّد وتوعَّد وحذَّر من (أسلمة) القضاءِ، بل وهدَّدوا القضاة بأنهم لن يتركوا زعيمهم يذهب إلى السجن، ولو اضطروا لدخول السجن معه! ولم نسمع اعتراضًا ولا امتعاضًا من قاضٍ واحدٍ، ولما تظاهر مواطنون شُرفاءُ أثناء نَظَر القضاء (الـمُسيَّس) قضايا حلّ مجلس الشعب والإعلان المكمِّل أقام الإعلام الفلولى – أيضًا – الدنيا ولم يقعدها، مُتأسِّفًا على التهديدات والضغوط (غير الشريفة) التى يتعرض لها القضاء، والجديد هذه المرَّة أنَّ بعض القضاة خرج يقول: لم يُخلق بعد الشخص الذى يُفكِّر مجرَّد تفكير أن يؤثِّر على القضاة! وعجبى!!
ليس هذا المقال دفاعًا عن الشيخ ونيسٍ ولكنَّه صرخة أسىً ونداء لوعة للشُّرفاء من رجال القضاء: أدركوا القضاءَ قبل أن يَقضى على كلِّ فضيلة، وقبل أن يغتال كلَّ حُلم جميل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق