د. مطلق سعود المطيري
*كاتب سعودي
شاهد البعض في إحدى القنوات الفضائية عرضاً كوميدياً للرؤساء المخلوعين، وكان عملًا ساخراً مثل ما كانت حياة هؤلاء الحكام في السلطة، وقد تجمعوا في مكان سمي في هذا العمل الكوميدي بمزبلة التاريخ،وتوقفت كثيرا عند صورة رئيس سبق زملاءه التعساء الى ذاك المكان، وكان توقفا كله حيرة وتردد، هل هذا الزعيم السابق يستحق هذا المكان؟ أم أن هذا العمل الكوميدي جنى عليه وعلى تاريخه ؟، فالزبالة كلمة مهينة يستحقها كل رئيس لوث حياة شعبه وقطع كل عرق فيهم ينبض بالكرامة والشرف .
التردد بالحكم على تاريخ صدام حسين، حالة تصيب كل من أراد أن يكتب للتاريخ شيئاً عن هذه الشخصية المحيرة، فإن قلت "دكتاتور" فهناك شواهد تدعم هذا القول، وإن قلت إنه مستبد يحكم بفردانية مطلقة، فقد كان اسلوبه بالحكم كذلك. هذا جانب أما الجانب الآخر فقد كان طوال فترة حكمة واقفا بوجه التمدد الفارسي بالمنطقة، ومواقفه من القضية الفلسطينية ترتفع فوق مواقف الفلسطينيين أنفسهم، وكلما شاهدنا اليوم التوغل الفارسي في المنطقة، لا نملك إلا الترحم على روح صدام، ولو رأينا كيف اليوم تباع القضية الفلسطينية بأبخس الأثمان، عرفنا كم كانت هذه القضية غالية جدا في فترة حكم صدام حسين.
مصدر الاعتراض الرئيسي على أن يكون صدام في مزبلة التاريخ، كما جاء في تلك التمثيلية، هو مساواته بحكام خلعتهم شعوبهم بكل شجاعة ووطنية، اما صدام فقد أزالته من الحكم قوة الاحتلال الأمريكية، وحكمت عليه بالإعدام الدولة الفارسية، بعد مشاهد محاكمة هزلية كان المراد منها استعراض قوة طائفة معينة في الحكم على بقية الطوائف، وإعلان موت العراق الموحد، فلم تكن مصادفة أن تكون القضيتان الرئيسيتان لمحاكمته ذات طابع طائفي وعنصري، فقضية الدجيل وحلبجة، فهنا شيعة وهناك كرد، لتسير الحياة السياسية والاجتماعية بعد موته في هذين الطريقين شيعي كردي، والبقية، الطوائف وخاصة السنة تم توقيع هوية العراق الجديد على رقابهم .
فهل هذه التمثيلية الكوميدية التي أظهرت صدام حسين في مزبلة التاريخ، تعد وثيقة محايدة للحكم على صدام حسين، أم أن الأمر فيه شيء من التجني والتجاوز على التاريخ ؟
فقد كان كل ما جاء بعد صدام حسين في العراق من توغل ايراني، وعربدة احتلال اجنبي بالشرف والكرامة، اعمالًا جعلت الزبالة مكاناً لا يليق بصدام حسين.
فهل من قدم على حبل المشنقة بشجاعة شاهدها العالم جميعه، دون أن ترصد له ارتجافة واحدة، أو صرخات خوف، من هذا المصير المخيف والقاسي، في أول يوم من عيد الأضحى، في ذاك اليوم المشهود الذي ختم فيه حياته بكلمة "أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله " يستحق مزبلة التاريخ أم ننتظر لوقت قصير حتى يحدد لنا التاريخ موقع هذا الزعيم فيه؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق