نتأكد يوما بعد يوم وباليقين أن العرب سيكونون قريبا الضحايا الأفضل للعبة الأمم ويكفي أن تفتح أمامك يا قارئي العزيز خارطة الكرة الأرضية ونحن في نهايات صيف 2014 لتدرك بيسر أن أمم الدنيا كلها تتكتل وتتجمع بينما تتهافت هذه الأمم الموحدة وتتداعى إلى قصعة الأمة الإسلامية وإلى قلبها التاريخي العربي وصاحب لغة القرآن الكريم لتلهف فيها ما تبقى من وعي وقوة وإيمان (تذكروا نصيحة الرسول صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع).
وهكذا في لحظات غياب العقل وحضور الغفلة يكمل الغرب المنتصر في بداية القرن الحادي والعشرين ما بدأه في بداية القرن العشرين وتحديدا يوم 16 آذار/ مارس 1916 يوم توقيع السيدين (سايكس) وزير خارجية التاج البريطاني و(بيكو) وزير خارجية الجمهورية الفرنسية على معاهدة مفصلية تحمل اسمي الرجلين وهما مزهوان بانتصار الغرب على الغرب أي أنهما يمثلان امبراطوريتين غربيتين مسيحيتين هزمتا امبراطورية أوروبية مسيحية هي الألمانية (الجرمانية البروسية) وكانت الولايات المتحدة في ذلك العهد ما تزال تغفو على فراش المبدأ الولسوني نسبة للرئيس (وودوورد ويلسن) القائل بأن الولايات المتحدة جزيرة موصدة لا يعنيها ما يجري خارجها فهي قارة مغلقة و بعيدة عن القارات الأخرى وكان وزيره للخارجية (وليام برايان) يسعى لإعطاء ذلك المبدأ أبعادا أخلاقية ترفض على سبيل المثال المغامرات الاستعمارية الأوروبية ضد الشعوب المستضعفة وهو ما شكل في الواقع ضربة قاصمة للفكر الاستعماري و اغتنمه بورقيبة التونسي ونكروما الغاني و سيكوتوري الغيني وسنغور السنغالي وهوشي منه الفيتنامي أما اليوم فتقسيم العالم العربي الذي وقع عليه الوزيران سايكس و بيكو انتهت صلوحيته و بات قابلا للمراجعة الأمريكية لأن الحرب الكونية الأولى (1914-1918) أعقبتها حرب كونية ثانية (1939-1945) لنفس الأسباب الداخلية الأوروبية تقريبا لكن هذه المرة لم يكن الحسم مع النازية ممكنا لولا دخول أمريكا في الحرب بقوتها العذراء وغير المستعملة لإنقاذ بريطانيا وفرنسا من الهزيمة والاحتلال فتم القضاء على (المحور) المشكل من ألمانيا الهتلرية وإيطاليا الموسولينية واليابان الامبراطورية بالقنابل الذرية في آخر المطاف (مدينتان يابانيتان هما هيروشيما وناجازاكي مسحتا من سطح الأرض ب200 ألف ضحية في دقائق في أغسطس 1945) وصعدت واشنطن إلى قمة الغرب الظافر لكنها استوعبت الدرس واستخلصت العبرة فالولايات المتحدة هي الحامية للقارة الأوروبية العجوز من أخطار العملاق السوفييتي بفضل المظلة النووية الأمريكية المنشورة على الأوروبيين خاصة قأدركت أن كل الدول الأوروبية الديمقراطية سمحت بإنشاء أحزاب شيوعية فيها بعضها متطرف ومرتبط إيديولوجيا بموسكو مثل الحزب الشيوعي الأسباني أو الفرنسي أو الإيطالي في حين شد الغرب وثاق العملاق الألماني واستعمرت الجيوش الأمريكية و الفرنسية و البريطانية أرض وشعب ألمانيا في عمل مشين ومذل و قسمتهما نصفين نصف للمنتصر السوفييتي كحقه في الغنيمة بعد مشاركة ستالين وموسكو في الحرب والنصر ونصف للحلفاء الغربيين كما قسمت برلين و تم بناء جدار العار يفصل الشعب الألماني إلى جمهورية فيدرالية ليبرالية تتبع الغرب المنتصر وإلى ألمانيا شيوعية تنتسب للمعسكر الماركسي بالقوة و تحول هذا التفوق الأمريكي إلى تغول بعد إنهيار القطب الشيوعي مع إنهيار جدار برلين في تشرين الثاني/ نوفمبر 1989 ثم ابتعد شبح الحرب الباردة إلى حين فتشكل واقع جديد في لعبة الأمم يسمى ما بعد الحرب الباردة أو مرحلة القطب الأوحد (الأمريكي طبعا) استمر ربع قرن إلى أن ظهرت في العالم جيوستراتيجيا جديدة.
اليوم و نحن في 2014 إنتقلت لعبة الأمم من أوروبا (موقع الحربين العالميتين) إلى الشرق الأوسط والقوقاز وأوكرانيا وإفريقيا بعد أن بسطت الصين الشعبية بقوة إنتاجها واستقرار مؤسساتها ومخزونها العالي من الدولار نفوذها على كامل القارة الأسيوية تقريبا وبعد أن خرجت أمريكا اللاتينية من أزمات الإستبداد العسكري واختارت شعوبها إما الإلتحاق بالليبرالية الأمريكية أو مناهضتها بأنظمة شعبية مثل نظام (هيجو شافيز) في فينيزويلا. و تحول صراع الأمم إلى حرب باردة جديدة بأشكال مختلفة تنتقل تدريجيا وفي مناطق عديدة من العالم إلى حروب ساخنة بالوكالة ولا أدل لدينا نحن العرب من إشتعال حرائق سوريا والعراق وليبيا وبدرجة أقل اليمن ومصر ولكن مأساتنا المستمرة هي في قلب الصراع المرير والجائر و الطويل في فلسطين وهو آخر قلعة من قلاع الاستعمار والاستيطان التي انهدمت تحت أقدام المحررين العرب و المسلمين خلال القرن العشرين. ظل الإحتلال الصهيوني آخر موقع إستعماري يدينه ميثاق الأمم المتحدة ويبيح قتاله والتصدي له بكل الوسائل لأنه بكل بساطة مريعة يشكل منذ 1948 إحلال شعب دخيل مكان شعب أصيل ولا أدل على هذه الحقيقة المغيبة في زمن استشهاد 2500 غزاوي من أن أربعة ملايين مستوطن يهودي قدموا من جميع أنحاء الدنيا عوضوا أربعة ملايين فلسطيني هم اليوم إما تحت الخيام أو في شبه محتشدات أو هاجروا إلى بلاد الله الواسعة ونالوا جنسياتها وكبر فيها أولادهم وظلت أرض الوطن بالنسبة إليهم جرحا نازفا مع تعاقب الأجيال ومع مفاتيح بيت الأجداد المحفوظ في الدولاب.
كيف نقرأ مصير لعبة الأمم و نحن في موقع الضحايا؟ لا حول لنا نحن العرب ولا قوة لمواجهة أمم تخطط و تتكاتف و تتشاور وتنسق فيما بينها مثلما كانت خلال قرون الحروب الصليبية التي بدأت من خطاب البابا (يوربان الثاني) في كاتدرائية (كليرمون) في جنوب فرنسا والحروب الصليبية دامت قرنين من خطاب البابا سنة 1095 إلى مصرع ملك فرنسا لويس التاسع في قرطاج بإفريقية (تونس) سنة 1270 و نفس الحملات الصليبية عادت مع ظاهرة الإستخراب (المسماة ظلما بالإستعمار) بإحتلال الجزائر ثم العالم الإسلامي على فترات متعاقبة والعمل على تنصيره والقضاء على العدو الموحد وهو الإسلام لأنه مشروع أخلاقي وإقتصادي وثقافي تحريري يتصدى للطاغوت ويحرر العباد من عبودية العباد ليعبدوا رب العباد. فماذا تغير اليوم ونحن نرى الآلاف من الفلسطينيين يسقطون شهداء تحت القصف الأعمى ونرى آلاف الضحايا العرب يسقطون تحت رصاص الجماعات العنيفة أو الضالة و قنابل وبراميل الأنظمة المستبدة منتهية الصلاحية ثم نجد أن لعبة الأمم الصليبية الجديدة تناور حتى يطلب بعض العرب تدخلها العسكري وقد طلبوا ليستقر الإستيطان الصليبي المعاد إنتاجه مطمئنا هذه المرة بأن المسلمين في قبضته وتحت سيطرته بخيراته وطاقاته وعقوله وهو ما سمته الإدارة الأمريكية في عهد بوش الإبن والمحافظين الجدد بالشرق الأوسط الجديد أي مغارة الكنز المطلوب من النفط والغاز و المعبر الأوحد بين كل القارات وطريق الغرب للشرق الأقصى والسد المنيع ضد توسع الصين والتطعيم الناجع ضد عودة روسيا لسالف قوتها. ونقول للعرب و نخبهم ما قاله الله تعالى (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون"الأنفال22و23") و البشر أولى بهذه الحكمة الربانية لأن الطبري يفسر الدواب بكل خلق دب على وجه الأرض
الشرق القطرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق