ليبيا اليوم على موعد مع الانتخابات لتشكيل برلمان جديد، وفي هذا السياق من الواجب ان نتذكر انه قبيل عام واحد فقط كانت البلاد لا تزال تحت قبضة واحد من أكثر الطغاة غرابة في العالم في الحقبة المعاصرة، ورغم تمزيق صور القذافي إلا انه ما زال طيفه يلقى بثقله على أنحاء البلاد، وفق ما قاله موقع فورين بوليسي.
واليوم يوضح الموقع ان الشعب الليبي سيتوجه الى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء المؤتمر الوطني العام، الذي سيحل محل المجلس الوطني الانتقالي الذي يحكم البلاد منذ الإطاحة بالزعيم معمر القذافي، ويوضح الموقع ان مهمة المؤتمر لا تقتصر فقط على حكم البلاد إنما تشكيل هيئة لصياغة دستور جديد لليبيا، غير ان هذه الانتخابات ستجري تحت ظل القذافي: ففي المرحلة التي تلت الإطاحة بالزعيم الليبي، تعززت الانقسامات الداخلية، وبرزت ميليشيات خارجة عن السيطرة، وظهر قادة يفتقدون الى الخبرة السياسية، وهذا يعني ان الحكومة الجديدة سوف تكون خليطا من زعماء القبائل، الأحزاب السياسية الحديثة النشأة، فضلا عن قادة الميليشيات، الإسلاميين والجهاديين السابقين، وبالتالي من الصعب ان نتصور كيف يمكن لهؤلاء ان يتوصلوا الى توافق في الآراء، ناهيك عن إدارة شؤون البلاد.
وأوضح الموقع ان ليبيا تفتقر الى الحس الوطني والخبرة السياسية، فبعد وصوله الى السلطة سعى القذافي الى صحوة سياسية وثقافية، ومن خلال التعبئة الجماهيرية أراد ان يحصل على تأييد واسع لجهة رؤيته الغريبة التي فندها في كتابه الأخضر، وعندما رفض الليبيون الانخراط في "الجماهيرية" أعلن العقيد في العام 1971 انه سوف يقتاد الناس الى الجنة بالسلاسل.
ووفق الموقع فان التعبئة أصبحت مرادفا للقمع الشامل: اذ تم حظر جميع فرص التقدم السياسي والاقتصادي خارج إطار حكمه، وحظرت الأحزاب السياسية وكانت عقوبة إنشاء أو الانضمام الى إي منظمة هي الإعدام، فضلا عن ان القذافي كان عدو المجتمع المدني المستقل والمنظمات المهنية.
ويمكن بوضوح ملاحظة الآثار المترتبة على حكم القذافي: فليبيا في مرحلة ما بعد القذافي أصبحت تعج بالشكوك في العملية الانتخابية، في ظل تلكؤ الأحزاب السياسية، وبالرغم من ان بعض الليبيين سارعوا الى تشكيل الأحزاب إلا ان المواطنين ينظرون الى هذه المؤسسات بريبة، وبالتالي من المرجح ان يصوتوا لأشخاص معينين بغض النظر عن الأحزاب السياسية، وفي هذا السياق قال ناشط ليبي ان "هناك قسم كبير من المواطنين لا يزال تحت تأثير ارث القذافي الإيديولوجي ويكن العداء لكل ما له علاقة بالتنظيم السياسي".
ويشير الموقع الى ان النتيجة الأكثر احتمالا من انتخابات ليبيا هي التجزئة السياسية، غير ان حكم القذافي الذي دام لفترة طويلة، ولد مخاوف من ان يتمكن حزب واحد من السيطرة على الساحة السياسية الجديدة، وبالتالي فلن يكن بوسع الإسلاميين الهيمنة على البلاد كما فعلوا في تونس ومصر.
ويتابع الموقع بالقول انه في حال حاول الحكام الجدد في ليبيا بذل كل جهد ممكن منعا من بروز "قذافي جديد"، فان المفارقة المحزنة هي ان ارث القذافي يصب المهمة أكثر من أي وقت مضى، فالزعيم الليبي السابق الذي قام بتهميش الأحزاب والشخصيات السياسية، جعل الأحزاب الجديدة في ليبيا تتحلق حول شخصية أو شخصيتين فقط، علاوة على ذلك فان العديد من الأحزاب السياسية راسخة في منطقة محددة، مع بعض الحاجة الى تشكيل تحالفات من اجل توسيع نطاق نفوذها، وفي هذا السياق أوضح الموقع ان ليبيا الجديدة قد انقسمت الى مجموعة من مراكز القوى المحلية، التي تتصارع جميعها لتأمين مصالح المنطقة وهو رد فعل عنيف ضد المركزية المفرطة والرقابة الصارمة في عهد القذافي.
وأشار الموقع الى ان القذافي كان نقطة الارتكاز، وعندما تمت الإطاحة به في حرب مفتوحة استمرت 7 أشهر بعد تدخل الناتو والغرب بالإضافة لبعض الدول العربية انهار هذا المركز، فضلا عن ذلك فقد فشل العقيد في إنشاء أي مؤسسة ذات مغزى يمكن ان تعمر له، حتى ان الجيش الذي أبقاه العقيد ضعيفا في عهده، لم يتمكن من مواجهة الميليشيات والتي تستمد شرعيتها من انجازاتها الثورية، ونتيجة النظام السياسي المعقد كانت ليبيا بمثابة ستار لتمرير مصالح القذافي والمقربين منه.
وتؤكد الفورين بوليسي انه حتى المدن والبلدات التي عانت في ظل نظام القذافي، باتت اليوم تطالب بحقوقها، والمدن التي عبرت في السابق عن ولائها للزعيم الليبي أصبحت مهمشة من قبل الحكام الجدد وجرى تنفيذ عمليات "تطهير رجال القذافي" في عدة أجزاء من البلاد على سبيل المثال سرت وبني وليد.
وقد وجدت هذه المناطق نفسها على هامش الحياة السياسية في ليبيا الجديدة، وقانون الانتخابات ينص على ضرورة ان يستوفي جميع المرشحين للانتخابات شروط معينة لعل أهمها إلا يكون للمرشح روابط مع النظام السابق، إذ يمنع ان يتقدم للانتخابات من كان يمجد القذافي في وسائل الإعلام أو في الأماكن العامة، أو أي شخص لديه شراكة تجارية مع أبناء القذافي أو شخصيات بارزة في نظام حكمه، أو أي شخصية معارضة في المنفى وقعت اتفاق سلام مع القذافي. وهذا ما لقي استنكاراً واسعاً من المنظمات الدولية وفي الشارع الليبي نفسه ووصفوه بشديد التعسف علماً بان غالبية أعضاء المجلس الانتقالي الحاليين والسابقين كانوا وزراء في عهد معمر القذافي؟!
وفي الختام يشير الموقع الى ان الجهود المبذولة في البلاد لتجاوز طيف القذافي لن تكتمل في دورة انتخابية واحدة، فالزعيم الليبي الذي حكم البلاد طيلة 4 عقود والطبيعة الجذرية للتحديات التي تواجه البلاد اليوم ما هي إلا انعكاس لحكمته الوخيمة، صحيح ان القذافي رحل إلا ان ارثه سيظل هاجسا يطارد ليبيا لسنوات عديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق