17 يناير 2014

جمال سلطان يكتب : لهذه الأسباب لن يحل الدستور الجديد أزمة مصر

يبدو أن المزاد الانتخابي بدأ يميل إلى التهدئة والتواضع بعد يومين من التشنج والعصبية الشديدة وضرب الأرقام الاعتباطية ،
ويبدو أن هناك "عقلاء" نصحوا البعض بأن يلاحظوا عواقب نشر أرقام غير قابلة للتصديق ، فبعد أن كنا نسمع بيانات حكومية أمس عن نسبة حضور وصلت إلى تسعين في المائة 90%، انخفضت بعدها عبر رئيس نادي القضاة المستشار الزند إلى ثمانين في المائة80% ثم انخفضت عبر رئيس مركز ابن خلدون الدكتور سعد الدين إبراهيم إلى خمسة وخمسين في المائة55% ، ثم وصلنا في صباح اليوم إلى نسبة أربعة وثلاثين في المائة تقريبا ، حسب ما قال
مركز ابن خلدون 
ولا أدري ما الذي جعله يتراجع عن الأرقام التي سبق وأعلنها ،
المهم أن الداخلية هي الوحيدة التي تتمسك حتى الآن بأن نسبة الحضور تجاوزت الخمسين في المائة 50%،
والمشكلة تبقى دائما في خيال الإخوان ودستور محمد مرسي الضاغط على أعصاب الحكم الحالي وصراع الشرعيات ،
القضية لم تكن أن تفوز "نعم" في التصويت الحالي ، فهي مفروغ منها لأن الصوت الآخر لم يذهب أصلا للجان وقرر مقاطعة الحكاية كلها ، ولكن كانت المعضلة في نسبة الحضور ، والهاجس الذي أقض مضاجع كل خصوم الإخوان وأنصار الفريق السيسي هو أن تأتي نسبة الحضور أعلى من نسبة حضور التصويت في استفتاء الدكتور مرسي 
، لأن أي نتيجة غير ذلك ستطعن في مشروعية 30 يونيو من جذرها ، فقد خرج لاستفتاء مرسي الأخير حوالي سبعة عشر مليونا من المواطنين ،
وسواء من قبل أو رفض إلا أن المشاركة كانت تعني الثقة والمصداقية والمشروعية أيضا ، وبالتالي فلو جاءت نسبة المشاركة في استفتاء الفريق السيسي أقل من 17 مليون سيكون ذلك هزيمة ،
حتى لو حصلت "نعم" فيها على المائة في المائة وليس التسعتين كما يحتفل البعض الآن ،
أيضا هناك معضلة في أن أنصار الفريق السيسي ضخموا كثيرا من حشود 30 يونيو التي كانت مبررا لإطاحة العسكريين لمرسي ونظامه وشرعيته ،
وقد وصلت أرقامها التي أذيعت حسب ما يشبه الإجماع بين مؤيديها إلى ثلاثين مليون متظاهر ، البعض وصلها إلى ثلاثة وثلاثين مليون متظاهر ، والبديهة السياسية توجب أن يكون المصوتون أكثر من المتظاهرين ، أو على الأقل هم نفس العدد ، فلا يعقل أن تقول أن ثلاثين مليونا تظاهروا لي ثم لا يخرج لك سوى نصفهم في الاستفتاء الدستوري ، 
. التقارير الغربية حتى الآن لم تكن إيجابية أبدا ، ومنظمة الشفافية الدولية ، على سبيل المثال ، ومقرها برلين ، قالت في تقرير أولي أن الظروف والأجواء المحيطة بالاستفتاء لا يمكن أن تفرز استفتاءا حرا ونزيها وذا مصداقية 
وقالت أن مصر تعاني من معوقات خطيرة للانتقال الديمقراطي ، وذكرت في الحيثيات تفاصيل يصعب تجاهلها مثل اعتقال من يرفع شعار لا ،
ومنع أي دعاية ضد ورقة مشروع الدستور ، وتوحد الإعلام الرسمي وحلفائه وجميع المسؤولين الرسميين حول رأي واحد فقط ورفض إعطاء أي مساحة للرأي الآخر ،
وهي ملاحظات في الشكل العام ، والمؤكد أن ما جرى في التصويت نفسه في كثير من اللجان بشهادات شهود سيكشف عن أبعاد أخرى لن تختلف كثيرا عما سبق . مشكلة الدستور الحالي ، ليس فقط تحدي النزاهة والشفافية ،
ولكن مشكلته الأخطر أنه مصبوغ بالدم والصراع السياسي العنيف والانقسام المجتمعي والأهلي الخطير ،
وهو ما يضعف من قيمته ومن رسالته ، الدساتير تصنع لتأسيس عقد اجتماعي جديد يطمئن له أبناء الوطن بكل تياراتهم وأعراقهم وطوائفهم ،
ويمثل أوتادا للدولة الجديدة يبنون حوله مؤسساتها وقوانينها ،
لكن الدستور الحالي لم يكن معنيا بذلك قدر عنايته بنسخ شرعية النظام الذي سبقه ، وإذا كنا نلوم دستور مرسي بأنه لم يكون توافقيا وهذا ما أضعف شأنه وهيج المعارضين ضده ، 
فإن الدستور الحالي هو أسوأ بكثير من دستور مرسي إذا قيمناه وفق هذه الرؤية ،
لأنه ليس فقط غير معبر عن توافق وطني ،
بل ولد في أجواء إقصائية وفاشية لا تسمح أبدا ببناء أي مؤسسات ديمقراطية أو حتى حياة اجتماعية هادئة وآمنة وسليمة ، ..
ما زالت مصر في حاجة إلى جهد كبير ومكثف من العقلاء والأمناء لإعادة بناء التوافق الوطني والبحث عن مخرج من الأفق المسدود والمهدد لمستقبل البلد .

ليست هناك تعليقات: