كلما إقتربنا من العقلية الألمانية يتضح لنا الصورة الحقيقية للشخصية الأوروبية التي تتفاعل مع المجتمع الإنساني ولاسيما في القرن الحادي والعشرين ولقد سنحت لي الفرصة كي أتعرف على الكاتبة الألمانية ( سيجريد هونكه ) قبل وفاتها عن عمر يناهز الثمانين ومن هنا نؤكد للجميع بأن الإنسان الغربي منصف إلى حد كبير ما إذا تعرف وإطلع وبحث في جوهر الدين الإسلامي وعندما نتأمل مع الباحثة ( هونكه ) التى أنصفت حينما كتبت فلنقرأ ما بين سطور مقالاتها و كيف كانت تشير إلى أوجه التلاقي العربي الألماني وبكل موضوعية حيث نجد الإنسان في الشارع الأوروبي وعلى وجه الخصوص الشخصية الألمانية وردود أفعالهم في حالات إستطلاع الرأى فعندما يُسأل مثلا ماذا يربطه بكلمة عربي ؟ يقع فورا في خاطره لأول وهلة ، النفط والأصولية حيث إن أزمة البترول في السبعينات أثرت تأثيرا مباشراً على حيوية الإقتصاد العالمي وأصبح واضحا خطورة وقسوة الأزمة التي أحدثتها الزيادات في أسعار النفط وإن كانت أميركا هى الأكبر مستهلك والأكثر إستفادة من الزيادة وبعدها أضحى جلياً إن العرب و الأوروبيين معتمدين على بعضهم البعض ومتعلقين كذلك مصيرياً . أما بصدد مشكلة ما يسمى بالأصولية الإسلامية فلا يستطيع الإنسان بوضوح كاف أن ينسبها إلى العرب فقط, حيث انه ليس كل المسلمين عربا فعلى سبيل المثال الأصولية الإيرانية والبوسناوية والأفريقية أو مسلمي روسيا والصين كلهم ليسوا عرب وليس كل العرب مسلمين مثل مسيحي مصر وموارنة لبنان وطوائف المسيحية في سورية والأردن . أما الشخصية العربية القومية نجد إنها قررت التدخل مرتين بشكل غير نهائي وغير متعادل ولكنه مؤثر , فكانت المرة الأولى في القرن السابع عبر العالم الإسلامي لتأسيس امبروطورية إسلامية وبها تم السيطرة واحتواء معظم دول حوض البحر المتوسط وأسسوا بذلك رؤى سياسية جديدة بها تحطمت القوى الفكرية لتلك الدول ( حوض البحر المتوسط ) ، ولقد تزحزح مركز القوى السياسية والإستراتيجية لأوروبا القديمة من روما وبكل ما فيها من سيطرة للكنيسة حيث التجاوزات الكاثوليكية ضد الإنسانية وبذلك أصبحت الأجواء متهيئة لظهور البروتستانتية في أوآخر القرن الخامس عشر التي تغلب عليها الجنس الألماني فانتقلت السلطة لوسط أوروبا وكل تلك التغيرات سببها الفكر الإسلامي المتحرر الذي أعطى مساحة كبرى للإبداع الفكري والتسامح مع أصحاب العقائد الأخرى . والمرة الثانية نجد أن المد العربي الحضاري في الفنون والتقنية وشتى العلوم من جغرافيا وتاريخ وفلسفة بدء يأخذ طريقه إلى العقل الأوروبي ولم يكن مقصورا على بعض مناطق أوروبا بل على العكس من ذلك زاد الرواج الحضاري العربي بسبب حركة التجارة الدؤبة وتنقل الرحالة والدارسين الأوروبيين للإستكشاف في مناطق نفوذ العرب وكذلك لتلقي علوم الطب والهندسة التي أشتهر بها العرب و المسلمين وإزدهرت حركة الترجمة من المؤلفات العربية إلى مختلف ( الألسن ) أى اللغات الأوروبية وقالت السيدة هونكه إن أغلب تلك التراجم تمت في قصر القيصر الألماني فريدرك الثاني في صقلية و إنه تعلم من العرب فنون الإدارة حيث كان للعرب موهبة إدارية جبارة فقد شيدوا جهازاً إدارياً نموذجياً في إمبراطوريتهم و أصبح مثالاً إحتذته إمبراطورية الشتاوفر وباقى الدولة الأوروبية المتطلعة لمستقبل أفضل و حتى فيما يتعلق بنظام الجمارك الذي تعلمه القيصر فريدريك وبكل نظمه و بأدق تفاصيله . ومن بعدها أصبح الميراث العربي في أوروبا محارباً من قبل الكنيسة لما أحدثه من يقظة في الشارع الأوروبي وكانت هناك محاولات عدة لطمس روحه الحضارية وتعالت صرخات الكنيسة لتخويف الناس من ضياع الهوية الرومية ونجد في خضم هذا الصراع نمى الوعى في الوجدان و التوجه الألماني حيال العرب كحضارة إنسانية عريقة و الذي كان واضحاً في تعاملهم مع التراث العربي والإسلامي و إلى حد كبير كانت كتاباتهم منصفة تجاه التراث العربي الإسلامي ، وفي المقابل من ذلك أثرت أوروبا ثلاث مرات عميقة في تاريخ العرب ولكنه بالسلب عبر التاريخ في على سبيل المثال تلك العداوة التى برزت من خلال نداء البابا لحرب المسلمين ( أعداء الصليب ) كما كانوا يصفونهم وإستمرت حملات التحريض لكراهية العرب لعدة قرون و به بدأت الحملات الصليبية التي خلفت من وراءها الكثير من الدمار و الآم عظيمة والتى يعاني منها العرب حتى الآن ومع ذلك نجد الكاتبة الألمانية سيجرد هونكة تدعو الشعوب الأوروبية بالإعتراف بفضل العرب على الحضارة الإنسانية وأنا كذلك أدعم هذا الموقف الإنساني وأقدره و لا أجد مخرج لذلك الصراع المحتدم بين العرب وبلاد الغرب سوى المصالحة والمسامحة و لذلك أذكركم بهذه الكاتبة المحترمة سيجرد هونكة و البعض من مؤلفاتها والتى كان من أهمها كتابها (شمس الله تستطع على الغرب و ليس الله كما يزعمون) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق