01 يوليو 2012

«تسليم المحمودي».. خطوة غير موفقة



د. فايز رشيد:
جريد العرب اللندنية 
قامت الحكومة التونسية برئاسة حمادي الجبالي من حزب النهضة، بتسليم آخر رئيس وزراء في عهد القذافي، البغدادي المحمودي، إلى الحكومة الليبية. جرى ترحيل المذكور في طائرة خاصة في الخامسة فجراً من صباح الأحد "24 يونيو الماضي"، ودون علم الرئيس التونسي المنصف المرزوقي ودون توقيعه على قرار التسليم، وأيضاً دون التنسيق مع المجلس الوطني التأسيسي.

ووفقاً للدستور التونسي، فإن توقيع رئيس الجمهورية على قرار التسليم كان لا بد منه، مع العلم أن المنصف المرزوقي كان قد صرّح سابقاً: بأنه لن يوافق على تسليم المحمودي إلى ليبيا، حيث انعدام الأمن وفي ظل الاشتباكات اليومية بين الفصائل المتعددة، ووسط سيادة "قانون الغاب"، والخطف والاعتقالات، وهو ما لا يؤهل ليبيا لإجراء محاكمة عادلة لرئيس الوزراء السابق. 

رئيس الحكومة التونسية وفي تبريره لقرار التسليم صّرح قائلاً: بأن توقيع الرئيس ليس ضرورياً للتسليم، وذلك وفقاً لدستور ليبيا الذي تم وقفه، كما أفاد بأن وفداً من الحكومة التونسية زار ليبيا وجاء بتقرير مفاده أن المحمودي سيلقى محاكمة عادلة هناك!.

وبعيداً عن القوانين والدستور، فإن تسليم المحمودي لليبيا كان خطأً فادحاً، فهو ليس من الأخلاق والشيم العربية التي ومنذ آلاف السنين أمّنت الملهوف وبجواز استجارة من يستجير بك، فلو أن المحمودي كان يعلم بأن مصيره التسليم إلى ليبيا، لما جاء إلى تونس ولانتقى بلداً آخر "أفريقيا" مثلاً للجوء إليه.

من ناحية ثانية، أمر رئيس الوزراء التونسي بتسليم المحمودي في الفجر حتى تتم العملية بسرية بالغة، ودون أن يكشفها الرئيس التونسي أو المجلس الوطني التأسيسي! فهل كان رئيس الحكومة التونسية مقتنعا بأنه يضمن محاكمة عادلة للمحمودي في ليبيا؟ نشك في ذلك، لأن الأوضاع في البلد الجار لتونس، معروفة ومُدركة تماماً ولا تسر الخاطر، فملثما قلنا في سطور سابقة فإن انعدام الأمن هو الحالة السائدة في ليبيا.

نقول وباختصار شديد إن الحكومة التونسية الإسلامية التوجه، استجابت لطلب المجلس الحاكم الليبي الإسلامي التوجه، بتسليم رئيس الوزراء الليبي إلى بلده. إنها أولاً وأخيراً صفقة تمت بين الطرفين. ما نود قوله أيضاً إن تسليم المستجير ليس من أخلاق الإسلام لا من قريب أو بعيد، فالدين الإسلامي الحنيف يجير المستجير، ورسول الله صلوات الله وسلامه عليه، بعث أصحابه بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت في مكة، إلى ملك الحبشة، وبالرغم من كونه ليس مسلماً، إلا أنه أجار المستجيرين به!.

لقد استنكرت هيئة الدفاع التونسية عن البغدادي المحمودي، عملية التسليم، ولقد تبين أن الهيئة لم يجر إعلامها أيضا بقرار التسليم. أدانت القرار كافة المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ومن بينها منظمة العفو الدولية، والمنظمة الليبية للدفاع عن حقوق الإنسان، فالتسليم أتى مخالفاً للقرارات والمواثيق الدولية واتفاقية جينيف لحقوق الإنسان.

التسليم أثار ضجة كبيرة في تونس، فالرئيس التونسي من حقه التوقيع على القرار، ومن حقوقه أن يعرف، قبل القيام بعملية التسليم، كذلك المجلس الوطني التأسيسي الذي سيقوم بحل الإشكالية القانونية والدستورية التي تسببت بها خطوة الحكومة المتخذة خارج أوقات الدوام الرسمي وعند انبلاج الصبح بعد الليل المظلم. الخطوة قد تتسبب في إيجاد إشكاليات كبيرة بين الأطياف السياسية الحاكمة والمؤتلفة في الحكم من حزب المؤتمر "حزب الرئيس التونسي" وحركة النهضة "حزب رئيس الوزراء"، والتكتل "يساري وسطي".

قد تبدو خطوة التسليم صغيرة من حيث الحجم، لكنها كبيرة في معانيها وفي دلالاتها، وتنطلق من شعور حزب النهضة بالقوة والهيمنة والسيطرة كونه حاز على أكبر نسبة مئوية في الانتخابات التشريعية التونسية. الخطوة أيضاً هي انتقاص من مهمات وصلاحيات وهيبة الرئيس منصف المرزوقي.

كنا نتمنى لو أن خطوة التسليم لم تتم، لأنها في تقديرنا غير موفقة في ظرفيتها، وهي خطوة مدانة قانونياً وإنسانياً وأفقدت الحكومة التونسية ماء وجهها!.


ليست هناك تعليقات: