لندن ــ العربي الجديد
احتلت الانتخابات المصرية الصدارة في الصحافة الدولية، وسط اعتقاد واسع، أن المرشح الرئاسي، عبد الفتاح السيسي، قد تلقى أولى الصفعات من المصريين قبيل دخوله القصر الرئاسي، بعدما اختارت فئات واسعة من الشعب مقاطعة الانتخابات ليتجرد السيسي، من الشرعية الشعبية التي كان يطمح لها.
كما تطرقت الصحافة الدولية إلى الدرس الذي تم تلقينه للسيسي، بعدما تجاهل المقاطعون كل وسائل الترهيب والترغيب التي مارستها الدولة، والجهاز الإعلامي المؤيد لها.
درس قاس للسيسي
ووجهت الصحافة الفرنسية نقدها صراحة إلى النظام في مصر، معتبرةً أن السيسي، سيكون رئيساً بلا شرعية. وجاء مقال مراسل جريدة "لوموند" في القاهرة، مريان جونارد، بمثابة عريضة اتهام.
وكتب تحت عنوان "النظام المصري يفقد شرعيته بعد مقاطعة الناخبين"، معتبراً أن النظام العسكري الحاكم في مصر أصر أن يُكمل المهزلة حتى النهاية، لكن لم يتصور أحد أن هذه النهاية ستكون بهذه المأساوية والاسفاف.
ورأى أن المصريين أعطوا "درساً قاسياً للقائد الذي يظن أنه محبوب الملايين، فجاءت الانتخابات لتكشف كذب مزاعمه، وأنه لا يعرف أي شيء عن طبيعة الشعب المصري".
واعتبر جونارد، أن كلمة السر كانت اللجان الخاوية طوال يومي 26 و27 مايو/أيار، لتشكل هذه الظاهرة لطمة على وجه قائد الانقلاب الذي طالما رأى في نفسه، أنه جمال عبد الناصر الجديد، صاحب الشعبية الجارفة التي خرجت الملايين في تشييع جنازته.
ورأى أن الشباب ما دون سن 30 عاماً امتنعوا تماماً عن التصويت، مشيراً إلى أن "هؤلاء الشباب يمثلون أكثر من ثلثي السكان، أي أن أكثر من ثلثي السكان يرفضون السيسي".
ونقل عن أحد القضاة المصريين الذين يشرفون على الانتخابات قوله: إن المقاطعة تجلت بشكل اوضح في صعيد مصر، ولا سيما في المنيا وبني سويف وقنا.
وفيما أوضح، أن هذه المناطق تمثل أفقر المناطق في مصر، اعتبر أن محدودية المشاركة تشير إلى أن الفقراء يرفضون السيسي، الذي جاء ليأخذ منهم لا ليعطيهم.
كما تطرق إلى تدخل الدولة المصرية لتنقذ مرشحها الذي فرض على الشعب. كما تطرق إلى الأسلوب الذي اعتمده الاعلاميون من كل حدب وصوب ليستخدموا كل أسلحتهم وأدواتهم في تشجيع وتحفيز وترهيب الشعب.
وخلص إلى القول، إنه بدا واضحاً أن هؤلاء أيضاً لا يعلمون شيئاً عن المصريين، فالضغط يولّد الانفجار، فلم يستجب المصريون لهذه النداءات اليائسة، ولا سيما مع ارتفاع نبرة الاعلاميين الذين استخدم بعضهم السباب والشتائم وأقذع الالفاظ في وصف المصريين. وهو ما اعتبر أنه جعل الشعب يرى أن مثل هذا الصلف والتكبر لا بد من كسره وإعطاء الاعلاميين درساً لا ينسوه في احترام العقليات والتواضع.
كما أشار إلى أن هذا المشهد كان نموذجاً جيداً على التخبط الذي تعيشه مصر منذ إطاحة الرئيس المنتخب، محمد مرسي، ودليلاً على ما ستكون عليه فترة حكم، السيسي.
واعتبر أن المصريين حسموا أمرهم وأعلنوا أنه إذا كان السيسي، يريد الرئاسة فليأخذها، ولكن ليس بأصواتنا، ولن يتم استغلالنا في تحسين صورته أمام العالم، وعليه أن يدخل قصر الرئاسة، وهو منكس الرأس، لأنه يعلم جيداً أنه غير منتخب وأنه ليس لديه شرعية وعليه أن يستجدي رضى قادة العالم مثلما كان يفعل سابقوه.
السيسي دفع ثمن صلفه وغطرسته
أما في الصحافة البريطانية، فكتب الصحافي روبرت فيسك، في "ذا اندبندنت" على مدار يومين، بما في ذلك مقاله اليوم الخميس، الذي قال فيه: إن السيسي دفع ثمن صلفه وغطرسته وثقته الزائدة في نفسه، واصفاً ما حدث في الانتخابات بأنه إهانة للسيسي.
وأضاف فيسك، فليعلن السيسي، تتويجه بأية طريقة كانت، لكن صناديق الانتخاب قالت رأي الشعب فيه بوضوح ومن دون مواربة.
وشكك فيسك، في نزاهة الانتخابات. وقال: إن السيسي، يمكنه أن يقول: إنه فاز بالنسبة التي يريدها، ولكن الكل يعرف الحقيقة مثلما كان يحدث أيام الرئيس السابق أنور السادات، إذ كان يتم إلقاء صناديق الاقتراع في النيل وإعلان النتيجة التي يريدها الرئيس.
وهو الأمر الذي سيحدث مع السيسي، ولكن مع فارق وحيد أن المصريين قد نضجوا سياسياً، ولن يتخاذلوا في طلب حقهم. كما اعتبر أن ما بدا منذ ثلاث سنوات على أنه الربيع العربي، والذي يرغب السيسي في أن يحوله الى ربيع الجنرالات، سينقلب عليه كما ينقلب السحر على الساحر.
وكان فيسك، قال يوم الثلاثاء الماضي: لو كان مصرياً لانتخب السيسي، وأن السيسي، مثل نابليون بونابرت، سيتوج على الرغم من المجازر والأهوال والفظائع التي ارتكبها الانقلاب في حق المصريين.
وأشار فيسك، إلى أن سبب تأييده للسيسي، يعود لأنه يضمن مستقبلاً لمصر خالياً من الديكتاتورية، التي عاشتها مصر ثلاث سنوات تحت حكم مرسي، وذلك على الرغم من أن مرسي تولى الرئاسة عاماً واحداً فقط.
كما أشار فيسك، إلى أن السيسي يحظى بتأييد دول الخليج ما عدا قطر. وبينما تحدث عن الدعم المادي الخليجي للسيسي، أشار إلى أن الولايات المتحدة تدعمه عسكرياً من أجل الحفاظ على أمن اسرائيل. واعتبر أنه صحيح أن الولايات المتحدة لديها تحفظات في ما يخص حقوق الانسان لكنها تحفظات صورية.
كما أشار إلى أن السيسي، يحظى بتأييد قوى الغرب لأنه سيحارب الارهاب في الشرق الأوسط، أي أنه ببساطة يعرض الاستقرار. وهي البضاعة الرائجة التي لا يمكن لأحد ان يرفضها مهما كان الثمن، فلا يهم إذا قتل الجيش 1500 من أعضاء الاخوان، وهو الأمر الذي لم يذكره أي من المرشحين للرئاسة، كما لو كان هذا لم يحدث.
كما يرى فيسك، أن مصر، بعدما حاربت مبارك، قد انتكست وفضلت الرجوع الى نظام الحكم الأبوي السلطوي.
وفي السياق، يعتبر أن السيسي، ليس سوى امتداد لدولة "يوليو العسكرية"، فقط مع اختلاف الوجوه؛ فهو ابن المؤسسة العسكرية التي لا تفهم سوى القمع الذي ظهر جلياً أن السيسي، يجيده بشدة.
كما اعتبر أن مراكز الاقتراع كانت خاوية ما جعل شرعيته على المحك، لتضاف مشكلة أخرى إلى مشاكله التي يتقدمها الاقتصاد.
نصف تمثال
أما الصحافة الأميركية، فقد كانت انتقاداتها أقل ما توصف بأنها صارخة وشديدة اللهجة. فصدّرت مجلة "فورين بوليسي" مقالها بعنوان "إن الانتخابات حولت السيسي الى نصف تمثال"، في إشارة واضحة إلى أن الجماهير استطاعت أن توجه ضربة قاصمة للسيسي، فقوضت حكمه قبل أن يبدأ من خلال عدم الذهاب الى الانتخابات.
ورأت أن "الحكومة المصرية حاولت عبثاً أن تشجّع المصريين على الذهاب إلى الانتخابات ولكن الترغيب بإعطاء العاملين في القطاع الحكومي إجازة أو بجعل المواصلات مجاناً لم يؤت ثماره، فلجأت إلى الترهيب فهددت بفرض عقوبات مالية".
وأضافت بل وصل الأمر إلى التهديد بالفصل من العمل، ولكن المصريين كانوا قد أدركوا أن هذه الحكومة من الضعف والترهل والانحلال إلى درجة أنها لا تملك من أمرهم شيئاً، فازدادوا إصراراً على موقفهم الرافض.
وأشارت إلى أن "الرفض كان ذا دلالة بالغة فقد أوصل رسالة إلى السيسي، مفادها أنهم لن يعطوه تفويضاً مطلقاً للحكم"، وأنه سيتعرض للمساءلة، وأن ما كان يظنه من أمر حكم المصريين أمراً سهلاً هو في الحقيقة أمر بالغ الصعوبة".
وأضافت "لقد تبخرت أحلامه العنترية بحصوله على أربعين مليون صوت، فهو لم يكلف نفسه عناء أن "يقدم برنامجاً انتخابياً محترماً"، وتعامل مع المصريين كما لو كانوا حفنة من الأطفال أو المخدوعين، الذين لا يتمتعون بأي إرادة وأنه هو البالغ الوحيد فكان هذا هو ردهم".
كما شددت على أن حيل السيسي، لم تنطل على المصريين، فعندما "تقدم باعتراض على تمديد فترة الانتخابات"، لم يأبه المصريون به. ولأن المصريين كانوا يعلمون أن التمديد الغرض منه محاولة إعطاء قبلة الحياة لخسارة السيسي، فازداد الموقف سوءاً.
كما أشارت إلى أن وعود السيسي، الفضفاضة لم يشترها المصريون، بل إن المصريين لن ينتخبوا من يتعالى عليهم ولا يستطيع فهم أحلامهم وتحقيق طموحاتهم. واعتبرت السيسي، أخطأ عندما جعل حملته تركز الاهتمام حول مزاياه الشخصية.
مطب سياسي حرج
من جهتها، كتبت صحيفة "واشنطن بوست" افتتاحية بعنوان "الانتخابات تحرج السيسي"، مشيرةً إلى أن الانتخابات التي كان من المفترض أن تؤجج الشعور القومي تحولت إلى مطب سياسي حرج، وثبت كذب وادعاء الاعلام الذي كان يؤيد السيسي، بشكل مطلق.
ووجهت الصحيفة انتقادات للادارة الأميركية، التي صدّقت أن تولي السيسي مقاليد الحكم سوف يؤدي الى استقرار مصر، وهو ما عكسه خطاب الرئيس الأميركي، باراك اوباما في "ويست بوينت"، عندما أوضح أن الولايات المتحدة لن تقطع التعاون مع النظام العسكري بسبب "مصالحها الأمنية"، مثل معاهدة السلام مع إسرائيل و"تقاسم الجهود ضد التطرف العنيف".
ووفقاً للصحيفة، جاءت الانتخابات كإحدى العلامات أن السيسي، يفتقر إلى الوسائل أو الدعم لتحقيق تلك المصالح.
وأشارت إلى أن السيسي، سيتولى الحكم على الرغم من فشله في الانتخابات، ولكن يبدو أن استراتيجيته للقضاء على "جماعة الإخوان المسلمين" بالأسلوب القمعي قد فشلت هي الأخرى. وشددت على أنه إذا أصر على تطبيقها، فإن ذلك سيؤدي إلى تفاقم الأمور.
واستخدمت الصحيفة وصف ديفيد كيركباتريك، من صحيفة "نيويورك تايمز"، الذي وصف خطط السيسي، بأنها خيالية وغير منطقية، وأنه يدفع مصر إلى المزيد من الفوضى إن لم يكن نحو ثورة أخرى.
واعتبرت أنه يجب على ادارة اوباما عدم التعامل مع السيسي، لأنه الشخص غير المناسب لحماية المصالح الأميركية في المنطقة.
وكتبت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، في افتتاحيتها، ما يمكن اعتباره رثاءً للثورة المصرية: إن البلد الذي ثار على الحكم العسكري، عاد وانتخب رجلاً عسكرياً ليكون رئيساً، بعد إجراء عملية انتخابية معيبة، اتسمت بعدم الجدية.
السيسي شخصية مغرورة
وأضافت الصحيفة، أن كل آمال الشعب، حينما ثار ضد نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، بما فيها الأمل في الديمقراطية نفسها، وبتوافر فرصة قيام الاتجاهات السياسية، الإسلامية والليبرالية والمحافظة، بالتوصل إلى حل توافقي يفضي إلى تفكيك الدولة الأمنية، قد أصبحت أثراً بعد عين.
وأشارت "ذا غارديان" إلى أن السيسي، الذي قاد الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي، مثله مثل الرؤساء جمال عبد الناصر، وأنور السادات، وحسني مبارك، يأتي من المؤسسة العسكرية، على الرغم من أنه يفتقد الى مكانة وهيبة عبد الناصر والسادات.
ورأت أن السيسي، يعتقد أنه يقوم بواجبه، أو أنه يتأكد من أنه يحكم قبضته القوية على مقاليد الحكم في مصر، كي يحميها من أن تنزلق إلى الهاوية. وأشارت إلى أنه بمساعدة وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة، أو التي يمكن التأثير بها، حاول السيسي، جاهداً أن يرسم صورة الرجل الذي أرسله القدر لينقذ الأمة من الضياع.
لكن وفقاً للصحيفة نفسها، فإن الانتخابات قوّضت ادعاءه أنه الرجل الذي يحظى بتأييد من أغلبية الشعب المصري؛ فهو لم يواجه منافسة جديّة فيها. كما أنه استغل موارد الدولة والموارد الخاصة لتمويل حملته الانتخابية، واعتمد على وسائل الإعلام الموالية له بشكل كبير، وقمع وأسكت جميع الأصوات المعارضة له. وعلى الرغم من كل هذا فإنه لم يستطع أن يحث الشعب على المشاركة في الانتخابات.
وأشارت إلى أن الشعب تم ترغيبه وترهيبه. كما تم تمديد التصويت ليوم إضافي لتأتي النتائج المشكوك فيها لتعلن فوزه بنسبة 93.3 في المئة من الأصوات، فيما بلغت نسبة التصويت 46 في المئة. وهذا يعني، وفقاً للصحيفة، أن أكثر من نصف عدد الناخبين في مصر لا يريدون السيسي، بغض النظر عن اختلاف مشاربهم السياسية.
ورأت الصحيفة أنه إذا كانت النسبة التي فاز من خلالها السيسي بالانتخابات، كافية لتشكيل العديد من الحكومات في كثير من البلدان، إلا أنها تساءلت، إن كانت هذه النسبة كافية لرجل يدعي أن القدر ساقه إلى مصر؟
وتضيف الصحيفة أنه بعد هذه النتيجة لا بد أن يقوم السيسي، بمراجعة فكرته عن نفسه. فقد أصبح جلياً أن السيسي، شخصية فيها كثير من الغرور؛ فهو منذ اللحظة التي قام فيها الرئيس المعزول، محمد مرسي، بتعينه كوزير للدفاع، قال: "يجب قطع أي يد تنوي أن تضر بأي مصري"، قبل أن يقرّ بأن مرسي، هو من يمتلك هذه اليد الشريرة، فيقرر إطاحته، مبرراً موقفه أن مرسي، قد قسّم البلاد وقد فشل في لمّ شمل المجتمع، وانه فاز بأغلبية ضئيلة لا تسمح له بتغيير كل شيء وهي التهم التي كان فيها بعض الحقيقة.
وفيما تلفت الصحيفة إلى أن السيسي، يواجه اليوم الاتهامات نفسها، اعتبرت أنه إذا أراد السيسي، البقاء في منصب الرئيس، فعليه أن يتخلى فوراً عن نزعات الاستبداد الموجودة لديه، والمتمثلة في الرجوع عن القرارات القمعية، وإنهاء عمل الدولة البوليسية القمعية، التي أدت إلى مقتل أكثر من ألف متظاهر خلال تظاهرات اتسمت إلى حد كبير بالسلمية، والتوافق مع الليبراليين العلمانيين.
كما تطرقت إلى ضرورة أن يتخلى السيسي، عن خطابه الترهيبي، والتوصل إلى نوع من الهدنة مع أنصار جماعة "الإخوان المسلمين"، وإنعاش الاقتصاد المصري من دون استغلال الطبقة العاملة، التي طالت معاناتها.
واعتبرت أنه فقط حينها سينظر له على أنه رجل ساقه القدر لإنقاذ مصر، التي رأت الصحيفة، أن هذا ليس نتيجة محتملة، ولكنه أحد الحلول الممكنة. كما أشارت الصحيفة إلى أنه على حلفاء مصر، ولا سيما الولايات المتحدة، أن يتحرّوا جيداً الأمر كي لا يقعوا في المحظور، وتكون ردود أفعالهم تغريد خارج السرب.
السيسي ضمن مكانه إلى جوار الطغاة
أما الصحافي البريطاني، روبرت فيسك، فواصل عبر جريدة "ذا اندبندينت"، هجومه وتندره مما آلت إليه الثورة المصرية.
وتحت عنوان "على الجميع أن ينحني احتراماً للإمبراطور المصري ولكن ماذا عن أن 7 في المئة مفقودة؟"، سخر فيسك، من نتائج الانتخابات، قائلاً: ثلاثة وتسعون في المئة! واسمحوا لي مرة أخرى بأن أكررها، كي تتأكدوا من صحة ما قرأتموه: 93 في المئة! أو نسبة 93.3 في المئة إذا كنت تريد أن تكون دقيقاً".
ورأى فيسك، أنه بهذه النتيجة المذهلة التي لا يستطيع طفل صغير أن يصدقها، "ضمن السيسي مكانه في التاريخ العربي الحديث إلى جوار باقي الطغاة مثل عبد الناصر و(أنور) السادات و(حسني) مبارك والرئس السوري حافظ الأسد".
ويقول فيسك: إن التاريخ العربي مليء بمثل هذه النتائج. واعتبر فيسك، أن نتائج الانتخابات بمثابة "إهانة لذكاء المصريين"، حسب وصف حمدين صباحي، الذي أثار اشتراكه في هذه المهزلة التساؤل والدهشة.
واعتبر فيسك، أن كل هذه الأحداث تجعلنا نتساءل عن مصير الرئيس الشرعي لمصر، محمد مرسي، الذي أطاحه السيسي، على الرغم من أنه حصل على نسبة 51 في المئة من الأصوات، وهو يواجه أحكاماً بالسجن لسنوات طويلة، بل إنه قد يتم إعدامه، طالما أن السيسي، سيقوم بتصفية كل أعدائه، مثلما كان يفعل عبد الناصر، مع الأخذ في الاعتبار أن السيسي، لا يحظى بالتأييد الشعبي نفسه الذي كان يتمتع به عبد الناصر. كما أشار إلى أنه على الدول الغربية إعلان مسؤوليتها عن هذه الجريمة.
واعتبر فيسك، أن السيسي، سيكون شغله الشاغل هو معرفة الذين لم يذهبوا إلى الاقتراع، "وهم غالبا سيكونون شباب ثورة 2011 الذين أيدوا السيسي، في الانقلاب الذي قام به عام 2013، ولكنهم لم يدركوا بعدم حكمتهم أن السيسي، استخدمهم لتحقيق غرض في نفسه. وخلص فيسك، إلى القول: السيسي جاء بانقلاب ويدعو الى التقشف بدعوى حب الوطن، وهي الحجة التي استخدمها الطغاة دائماً، فهل يلقى المصير نفسه مثلهم؟
هزيمة نكراء
أما الصحافة الفرنسية، فقد وجهت انتقادات صريحة للعملية الانتخابية. وكتبت مراسلة صحيفة "لوموند"، مريان جونارد، مقالاً بعنوان "انتخاب السيسي من دون منافسة حقيقية". ورأت فيه أن الانتخابات كشفت عن الحقيقة، وهي أن السيسي، هو مرشح الدولة، الذي لا يحظى بأي شعبية، وأن فوزه محل شك بعدما واجه خطر اكتمال النصاب القانوني للناخبين بسبب امتناعهم عن الادلاء بأصواتهم.
وحسب ما قالت الصحيفة، فإن نسب المشاركة كانت متدنية للغاية، وكان هذا هو عامل الإثارة الوحيد.
كما أشارت إلى البعثة الأميركية المكلفة مراقبة الانتخابات، فقد شككت في استقلال ونزاهة الحكومة في ما يتعلق بالعملية الانتخابية، وهو ما أكدته المصادر القضائية بأن اللجنة التنفيذية حشدت جهودها للخروج من أزمة انخفاض الإقبال، وهو الأمر الذي كان من الواجب عدم التدخل فيه.
وتحدثت الصحيفة عن غياب الشباب عن الانتخابات، أما النساء فقد تقدمن الصفوف، إذ وفقاً لهارفي مينون، أستاذ العلوم السياسية، لعب السيسي، على كاريزميته من أجل التأثير على النساء اللاتي عادة ما يكن أكثر الفئات تضرراً نتيجة عدم التعليم ونقص الخدمات.
وأوضح مينون أن "الوضع اليوم لا علاقة له بانتخابات عام 2012، حيث كان يوجد إثنى عشر مرشحاً، أما اليوم، فكل شيء ممهد للسيسي، من انعدام الأمن والإرهاب والحرب على الإخوان".
ويري مينون، أن السيسي، كان ضحية الإعلام الذي عبأ الجماهير ضده، بأسلوبه المتطرف في الدعاية له، مما تسبب في حالة من النفور، "فالناس ليسوا حمقى. معظم المواطنين لا يعبأون بالديمقراطية أو بالإخوان، ولكنهم يرون أن حالتهم قد ساءت عمّا كانت عليه قبل ثلاث سنوات، فاستسلموا لأنهم يعرفون أن أصواتهم لن تغير أي شيء".
وترى الصحيفة، أن الخاسر الوحيد هو المرشح، حمدين صباحي، الذي أنهى حياته السياسية بهذه الانتخابات، التي تغلب فيها السيسي، عليه حتى في مسقط رأسه. كما أشارت إلى أن الانتخابات كانت مليئة بالانتهاكات، إذ قبض على صحافيين ومصورين.
كذلك تصدرت الانتخابات المصرية افتتاحية "لوموند" تحت عنوان: "مصر: الاختيار الانتخابي وحده لا يكفي". وقالت الصحيفة: إن السيسي أراد أن يأتي إلى الحكم من خلال اكتساح، فنال هزيمة نكراء، وتحولت الانتخابات إلى مهزلة، ما جعل شرعية السيسي، مشكوكاً فيها بشدة، فنتائج الانتخابات أعادت إلى الأذهان أجواء عصر مبارك، وتجلى هذا في أن كل أجهزة الدولة كانت في خدمة السيسي.
وتضيف الصحيفة، أن التحدي الأول هو الاقتصاد، الذي يعتمد بشكل رئيسي على المساعدات من السعودية والكويت والإمارات، ولكن تلك الدول أعلنت أنها لا تنوي الاستمرار في إرسال المساعدات. أما الولايات المتحدة فقد استأنفت إرسال المعونة، ومن ناحية أخرى قام الاتحاد الأوروبي بإرسال بعثته لمراقبة الانتخابات، وقد نال من النقد الكثير كونه تصرف وكأنه يجهل حقيقة الأمور في مصر.
أما التحدي الثاني فهو سياسي، مشيرة إلى أن السيسي لا بد أن يعقد هدنة مع "الإخوان"، وأن يتوصل إلى اتفاق مرضي، وإلا أدى تعنته إلى ظهور حركات إسلامية متطرفة. والتحدي الثالث استراتيجي، ويتمثل في سيناء، حيث تختلط العصابات الإجرامية بالحركات الإسلامية المتشددة.
في المحصلة، يتضح، وفقاً للصحيفة، أن السيسي يحكم بناء على كذبة، فهو يقول إنه معادي للولايات المتحدة والقوى الأوروبية، والحقيقة أنه موال لها، ولا ينوي تغيير ذلك. وأضافت إنه ببساطة يعاني من انفصام في الشخصية، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من الاضطرابات أثناء فترة حكمه.