رأي القدس
أقام الصحافي البريطاني روبرت فيسك مقارنات فاضحة بين مواقف السلطات السياسية البريطانية من البريطانيين المسلمين الذين يقاتلون او يشتبه برغبتهم في القتال ضد النظام السوري (والتي كان آخرها قرار وزارة الداخلية البريطانية حرمان من يسافر الى سورياللقتال من جوازات سفرهم) ومواقف هذه السلطات من داعمياسرائيل في بريطانيا الذين قاتلوا نيابة عن الدولة العبرية ولبسوا زي جيشها في الحروب التي خاضتها ضد العرب والمسلمين.
الصحافي المعروف اتهم السلطات البريطانية بالنفاق ووجه للحكومة الحالية أسئلة تكشف هذا النفاق وتعرّيه من قبيل قوله ‘ماذا لو قاتل (مناصرو اسرائيل) في وحدات قامت بارتكاب جرائم حرب في لبنانوغزة او خدموا في سلاح الجو الاسرائيلي الذي يقوم باستباحة دم المدنيين في الحرب؟’؛ ‘هل سيتم سحب جوازات سفرهم ان لم يكونوا ولدوا في بريطانيا’ والاجابة الواضحة لدى فيسك كانت أن جوازاتهم لن تسحب ‘لأن هناك قانونا للمسلمين وآخر لغير المسلمين’.
ونحن نضيف أسئلة أخرى مثل: ماذا لو انضم مناصرو اسرائيل من حملة الجوازات البريطانية الى قطعان المستوطنين الموتورين والى منظمات اسرائيلية ارهابية حديثة مثل ‘تدفيع الثمن’؟
تعيد هذه المقارنات الحارقة التذكير بالعلاقة الجذرية التي تربط ‘المؤسسة البريطانية’ The Establishment لا الحكومة الحالية فحسب باسرائيل، ولعلّ أحد الأمثلة البارزة على ذلك ماركوس جوزيف سيف، المدير التنفيذي لماركس أند سبنسر (1972-1982)، والذي كان عضوا بارزا في الحركة الصهيونية وضابطاً حارب في الجيش البريطاني ونال لقب ‘النبالة’ (بارون اوف بريمبتون) ثم انضم الى الجيش الاسرائيلي بناء على دعوة من ديفيد بن غوريون وشارك في حرب 1948.
والمعروف تاريخياً أن قتال الصهاينة في فلسطين لم يكن قتال جيوش تقليدية ضد الفلسطينيين والجيوش العربية فحسب بل شمل أيضاً عمليات ارهابية واسعة ضد البريطانيين وموظفي الأمم المتحدة أنفسهم، وكان أشهرها تفجير فندق الملك داود الذي قتل فيه 28 بريطانياً، وأن عملياتهم الارهابية لم تقتصر على فلسطين ومن ذلك تدمير سفارة بريطانيا في روما ومحاولة الهجوم بقنبلة على المكتب الكولونيالي في لندن.
واذا تذكرنا انه كانت لليهود فرقة خاصة في الجيش البريطاني قاتلت خلال الحرب العالمية الثانية وانضم الكثيرون من عناصرها لاحقاً الى جيش اسرائيل، تناظرها مساهمات وتضحيات عسكرية للجنود الجزائريين في الجيش الفرنسي، والمغاربة في جيش الجنرال فرانكو الاسباني، نعلم أن جذور هذا التمييز السلبي ضد المسلمين قديمة جداً، فجزائريو الجيش الفرنسي عانوا الاضطهاد ومنعت الحكومات الفرنسية المتعاقبة تعويضاتهم ورواتب تقاعدهم بينما كرّم البريطانيون حملة جواز سفرهم اليهود وتناسوا لاحقاً عمليات الارهاب التي جرت ضدهم وتقبلوا وصول ارهابيين شهيرين، مثل مناحيم بيغن واسحاق شامير، اللذين كان مطلوباً القبض عليهما بتهم الارهاب، لأعلى مناصب الحكم في اسرائيل.
تفسير هذا التمييز العنصري هو أن مشروع الصهيونية هو مشروع غربيّ أساساً وليس يهودياً إلا بالشكل والوظيفة، فهو جماع تصوّر اوروبا الكولونيالية (ثم استثمار الولايات المتحدة الأمريكية المتسيّدة بعد الحرب الكونية) للعالم كمجال للتحكم والسيطرة، حيث اسرائيل عقدة مركزية ضمن المجال هذا، من جهة، ومن جهة أخرى هو حلّ أوروبا العنصري للمسألة اليهودية من خلال إفراغ القارة من يهود شرق أوروبا كحلّ ‘حضاري’ بديل للابادة الجماعية (الهولوكوست) واستثمارهم في دولة وظيفية تؤمن السيطرة على العالم العربي بعيداً عن أوروبا في صراع وقوده المسلمون واليهود.
باجتماع التمييز العنصري القديم ضد المسلمين، والتعسّفية المريضة في النظر لكفاح السوريين ضد نظام مجرم كقضية ارهاب، مع المعاملة التفضيلية الدائمة لإسرائيل، والتعامي عن إرهابها ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين، تعاود بريطانيا واوروبا سيرتهما التليدة التي تحلّ الأزمات على حساب الشعوب الاسلامية، وللأسف نقول ان ذلك يجري بالتواطؤ مع الأنظمة المستبدة التي تحكم المسلمين وتدوّر هي أيضاً طاحونة ‘الإرهاب’ التي لا تطحن غير المظلومين.
أسرة التحرير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق