القدس العربي
يحتار المرء كيف يفسر حب الشعب المصري للمشير (الفريق سابقا) عبد الفتاح السيسي، بل لنكن اكثر دقة ولنقل انه وله وهيام’ودرجات عليا من العشق لم يصل اليها مجانين الحب العذري من قبل. يقول احد رجال الدين انه يذوب عشقا فيه، ويقول اخر، من دين اخر، ان’ ان الله ابتعثهما (السيسي ووزير الداخلية) مرسلين، كموسى وهارون. انه التفاني في الحب الصوفي الذي يندمج مع المحبوب في علاقة يصعب لغير المؤمن ان يتصور كنهها. قد تكون للرجل جاذبية خاصة، هبة من الله، لا يعطيها الا لمن اصطفى، فلاقى القبول، وقد يكون له سحر من نوع خاص، لا نفهمه، القى بغمامة جميلة على وجوههم فاصبحوا لا يرون وجها اجمل منه، وقد تكون معجزة لا تحتمل التأويل المنطقي او العلمي، مع ان زمان المعجزات يفترض انه انتهى منذ قرون، وقد تكون اسباب اخرى، وهذا لا يهم، ما يهم هو ان الشعب مبسوط وتناسى همومه ومشاكله من مواصلات وسكن وفقر وبطالة، وكذلك السيسي مبسوط. ادام الله الافراح والليالي الملاح.
لندع الهزل جانبا، قد يقول البعض ان الملتزمين دينيا (من غير الاخوان) ليسوا مناصرين للسيسي، وهذا الزعم غير دقيق، فمنهم من لا يغادر المساجد متعبدا، ونساء محجبات قانتات، لا يجدن حرجا من ابداء اعجابهم او اعجابهن بالسيسي، بدون ان يتعرضوا لاكراه، وللعلم ايضا ليسوا من حزب النور السلفي. مناصرو السيسي مزيج من مختلف التيارات السياسية، الدينية، اليمين واليسار والوسط، والليبراليين والعلمانيين وشباب الثورة، كما تختلف مشاربهم الثقافية بين الاميين والمفكرين والمثقفين، ومستوياتهم المادية بين المعدم الى واسع الثراء،
الان الى الجد، لقد صنع الاعلام المصري الرسمي والخاص من السيسي اسطورة، وضُخت اموال طائلة من دولتين خليجيتين معروفتين للقاصي والداني، ورواتب ومكافآت وحوافز لاعلاميين معروفين فغدوا يسبحون بحمد السيسي اناء الليل واطراف النهار. كانت المهمة واضحة، التضخيم، والتنزيه، ولا بأس من التأليه. اما من الناحية الاخرى فقد كانت المهمة شيطنة الاخر وتحميله كل المآسي التي حلت بمصر، الى درجة تحميلهم المسؤولية عن ضياع الاندلس، الفردوس السليب. بقيت فئات ليست بالقليلة، ولكنها بالتأكيد ليست بالغالبية تناضل من اجل كشف الحقيقة مدافعة عن الحقوق الضائعة، هنا انبرى الاعلام يصفهم بالارهابيين ويحرض ‘الاهالي الشرفاء ‘ ضدهم، محللا ايذاءهم وحتى قتلهم، اما من نجى منهم وحوكم امام القضاء الهزيل’وحكم بالغرامات الباهظة والسنين الطويلة بالسجن او بالاعدام، فقد بارك الاعلام والشعب هذه الاحكام القاسية الجائرة، بل غير المسبوقة.
قال فولتير احد الفلاسفة والمفكرين: ‘قد اختلف معك في الرأي، ولكنني مستعد لان ادفع حياتي ثمنا لحريتك في التعبير’. في مصر الان الحال يقول: ‘قد اختلف معك في الرأي، ولكن يجب عليك ان تدفع حياتك ثمنا لذلك’، وانا لا يسعني الا ان ابارك قاتلك.
المشير السيسي هو اول حاكم يتوسل اليه الشعب حتى يترشح للرئاسة! يقولون له، نريدك رئيسا من غير برنامج انتخابي، اعادوها مرارا وتكرارا بوجوه مختلفة، ثم ها هو يستجيب لهم ثانية ويقول انه لن يكون له أي برنامج انتخابي، بورك ايضا من الاعلام اياه لانه رضخ لارادة الشعب وحقق مطالبهم، انه الاسطورة، ببساطة كن رئيسنا حتى لو جاء بعدك الطوفان. احبّه الناس عسكريا، واحبوه ايضا عندما خلع بزته العسكرية، وسيحبونه اكثر اذا ارتداها مرة اخرى. هو الرئيس المطلوب ولا احد سواه، اعان الله مصر الكنانة على نصف شعبها الذي باعها من اجل شخص. كانت مصر هي ام الدنيا، اما الان فمصر هي الدنيا بعد ان اصبحت فرجة للعالم بقضاء لا يعرف من القانون الا شريعة الغاب، واعلام لا يعرف من فن الصحافة الا انها اداة لتزييف الواقع والتهليل والتكبير للحاكم وممارساته القمعية، ولكتّاب ‘ومفكرين ومثقفين’ لم تعد مهمتهم في الحياة سوى تضليل الغلابى والسذّج بدلا من حمايتهم.
مبروك على المصريين’ السيسي، سي السيد الجديد، وهم يستمتعون بقمعه للاخرين، وهو يفعل ذلك بكل برود وهدوء وابتسامة يحسبها الظمآن ماء. سيفيق المصريون يوما ليكتشفوا ان الرجل الذي احبوه، هو فعلا اسطورة، لا حقيقة، بعدها سيصدمون ويكفرون بكل الاساطير، ولكن.. ربما بعد فوات الأوان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق