القدس العربي
لو قلت لأحد المصريين ان السيسي قام بانقلاب فيمصر، فخذ احتياطاتك الكاملة، إبعد قليلا، وتأكد أنه لا يحمل أداة حادة، كي لا ينالك مكروه، لأنه قد يحتد ويعتبرك من الاخوان، ويحلل دمك. أما اذا لجأت الى القضاء المصري في حال أن نالك الاذى منه، فحظا سعيدا!
فقد تُغّرم وتُسجن بتهمة الانتماء الى تنظيم غير مشروع، ارهابي، وقد يحكم عليك بتقديم تعويض مالي كبير له لأنك تسببت بجرح مشاعره المرهفة بوصفك الثورة الثانية بالانقلاب. في أحسن الاحوال، ستضطر مرغما الى سماع محاضرة طويلة عن تفويض الشعب للسيسي لتخليصه من حكم مرسي والاخوان، وانه أصلا زاهد في الرئاسة لولا الحاح الجماهير، والدليل انه ليس له برنامج انتخابي، فالرئاسة أتت على غفلة وهو غير مستعد لها، بتاتا.
لا أدري لماذا تصر الفضائيات والمذيعات اللواتي يعتقدن انهن حسناوات على استضافته والتحدث اليه. لقد اصبحت هذه الاحاديث، والصمت الطويل (على رأي عبد الحليم حافظ) مادة خصبة للتندر بين المصريين. فاقتراحاته لحل المشاكل عبقرية، من باب قسم الرغيف الى اربعة، مع ان قسمته الى ثمان قطع مثلا كالبيتزا سيجعله اكثر شهية، واللمبات الموفرة والفلاتر، واربعة ركاب بالسيارة، وهو يعتقد ان العائلة المصرية المتوسطة عندها اربع او خمس سيارات مثلا، والكل يخرج منفردا بسيارته ليتفسح نكاية بالعسكر ليتسببوا بازمة وقود لمصر. هل من معاونين ومستشارين له لينصحوه بالاكثار من الصمت، حتى يبدو اكثر وقارا وهيبة عنه من كلامه الذي يضعه في مواقف لا يحمد عقباها؟
يوهمك أنه يتكلم كالحكيم، ولكن ما ان تسمع ما يقول حتى تسأل نفسك بمرارة، أهذا فعلا من سيختاره المصريون ليقود مصر؟ ولا تملك إلا ان تحزن على مصر وعلى «اللي جرالها». يتساءل بحرقة، تتظاهرون علشان نرسل لكم عشر سيارات و200 فرد ومصر مش قادرة تاكل، ولسه حتتظاهروا؟ في بلاد العالم المتمدن تخرج المظاهرات، فيؤتى بالشرطة لحماية المتظاهرين حتى يعبروا عن رأيهم وحتى لا يتعرض لهم أحد بمكروه. في مصر تهرع الشرطة والجيش والأمن المركزي ( سيئ الصيت) لقتلهم وتسليط البلطجية عليهم، الذين يسميهم الاعلام المصري بالمواطنين «الشرفاء». يقول الجاحظ ان العرب تسمي الاشياء بأضدادها من باب التهكم والتندر، من باب ان يسمى البخيل بأبي كريم والجاهل بابي فصيح والقبيحة بأم الحُسن.. وهكذا. لماذا يرسل حضرته الجنود لقمع المتظاهرين ومنعهم من التعبير بحرية عما يعتقدون به، ثم أليس الجوع نفسه سببا وجيها للتظاهر بدلا من منعه. قديما قال الخليفة عمر بن الخطاب «لو كان الفقر رجلا لقتلته»، وقال صحابي آخر: «عجبت للجائع كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه؟» هذه ليست دعوة للعنف ولكن للاحتجاج على الفساد وغياب العدالة الاجتماعية، لأن مصر لا تجد ما تأكل فيجب على الناس الا يتظاهروا في رأي السيسي، وهذا يناقض المنطق، فليته صمت.
انتخابات المصريين في الخارج جعلها الاعلام المصري عرسا مع ان المشاركين في الانتخابات ممن يحق لهم ذلك لم يتجاوز اربعة بالمئة فقط، وفي أحسن تقدير ستة بالمئة.
ستبدأ الانتخابات بالداخل، وهي بالحقيقة استفتاء بنعم للسيسي، لأن حمدين صباحي يشارك فقط لإكمال صورة رسمت واكتملت بدونه، والمقاطعون اعلنوا في الساحات ان هذه الانتخابات مهزلة ودفع الكثيرون حياتهم ثمنا لارائهم، وآخرهم الشهداء الثلاثة في الثالث والعشرين من أيار/مايو، الجمعة الاخيرة قبل الانتخابات. اناس يقتلون وآخرون يرقصون طربا في الشوارع ، تحقيقا لمقولة انتم شعب واحنا شعب، شعب يفرح بالسيسي «وانجازاته» وشعب لا يستحق الحياة، يقتله العسكر ومن والاهم ولا يحاسبهم أحد.
عدوى السيسي انتشرت كالانفلونزا اوجنون البقر او فيروس كورونا من بعير الحجاز. انتشر الوباء من مصر غربا ليحل في ارض ليبيا، واذا بخليفة حفتر يقود محاولة انقلابية ويجد مؤيدين له في بنغازي بحجة محاربة التطرف والارهاب وحفظ النظام، وها هي ليبيا تدخل الجدل الفلسفي اليوناني القديم كمصر، هل هو انقلاب أم ليس انقلابا؟ ربما بعد اشهر من الان سنرى صور حفتر هذا في الساحات، وتضيع ثورة السابع عشر من فبراير/شباط الليبية وتحل محلها ثورة السادس عشر من مايو. نصّلي الا يسافر الوباء غربا الى تونس. حفتر هذا، للعلم فقط، عاش ما يزيد عن عشرين سنة في أمريكا قبل ان يلتحق بالثورة. السيسي تلقى علومه العسكرية في أمريكا أيضا، محض صدفة، قد يقول المؤمنون بنظرية المؤامرة ان الرجلين جاءا لمحاربة الارهاب الذي تنازله امريكاايضا! وقد يقول آخر ان امريكا تراقب المنطقة بحذر من دون ان تتدخل، وأنه لا يصح ان تبنى التكهنات في الاحداث التي تعصف بالمنطقة على صدف، مجرد صدف، لا دليل على ارتباطاتها أصلا. مصطلحات وتعريفات جديدة ستدخل قواميسنا السياسية العربية الآن من باب:
انقلاب = ثورة ثانية
مظاهرة = ارهاب
بلطجي = مواطن شريف
عسكري = مشروع رئيس
تفويض شعبي = قتل من دون حساب
محاكم = مسارح تهريج
اعلاميون = جوقة من المشجعين
لقد أصبح الوضع العربي مزريا مضحكا الى درجة البكاء بحرقة. قمة المأساة أن يضحك الناس ويرقصوا بدلا من ان يبكوا، كإشارة لفقدان البوصلة، كالتائه الظمآن في الصحراء، يرى السراب فيحسبه ماء.
أليس حريا بنا ان نعّلم اولادنا الآن، ونستبدل الكتب القديمة ومن القائل، بـ…من القاتل؟
٭ كاتب فلسطيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق