دعا نائب رئيس الدعوة السلفية في مصر الشيخ الدكتور ياسر برهامي جماعة ‘الاخوان’ الى ‘اجراء مراجعة فكرية، والكف عن اصدار المبادرات، اذا كانت تريد العودة الى صفوف الشعب’، فيما يواصل حزب النور السلفي عقد المؤتمرات لحشد التأييد للمرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي، مؤكدا ان السبب الرئيسي لدعمه هو ‘تفادي الاخطار التي تواجه البلاد’.
لعل االحالةب تكون التعبير الادق لتوصيف هذا التاريخ المستمر من الفتاوى والتصريحات والمواقف السياسية- الدينية المتباينة بل والمتناقضة احيانا، ناهيك عن التقافز بين مقاعد التأييد والمعارضة لكافة العهود والحكومات المتعاقبة التي عرفتها مصر خلال السنوات القليلة الماضية.
ولعله من النادر ان يصادف المراقب ‘حالة’ اقرب الى ‘التلاعب’ باسم الدين في السياسة، وباسم السياسة في الدين من هذه ‘الحالة’.
فمن المخلوع حسني مبارك، الذي كفروا من يخرج عليه، وحرموا المشاركة في الانتخابات في عهده، الى القفز الى سفينة الاخوان بعد الثورة في 2011، ليخوضوا معها معركة الاستفتاء الاول على تعديل الدستور، ثم ليجنوا (مع حزب البناء والعدالة الممثل للجماعة الاسلامية) اربعة وعشرين بالمئة من مقاعد البرلمان، ثم الانقلاب على الاخوان واتهامهم بـ (اخونة الدولة) بعد ان غابوا عن حكومة هشام قنديل، ثم اتصالهم بالادارة الامريكية مع اقتراب الثلاثين من يونيو بحثا عن دور زاعمين ان الاخوان ‘ كانوا يصورون للإدارة الأمريكية أنهم يملكون مفاتيح التيارات الإسلامية فى مصر، وأنهم الوحيدون الذين يملكون السيطرة على السلفيين، ويملكون تحريكهم في أي وقت شاءوا’، واخيرا الزعم بأنهم ساهموا في تحريك الجماهير في ‘ثورة الثلاثين من يونيو’ حسب تعبير الدكتور شعبان عبد العليم، الأمين المساعد لحزب النور.
واذا قام اي شخص بالبحث في محرك ‘غوغل’ على الانترنت مستخدما عبارة (حزب النور السلفي يؤيد) سيجد نتيجة مبهرة من المتناقضات لا تكاد تجتمع لاحد غيرهم، فلقد ايدوا مبارك وخيرت الشاطر والمجلس العسكري ومحمد مرسي والسيسي وابوالفتوح.. الى اخره.
فما الذي يحدث حقا داخل هذه (الحالة السلفية)، وما سر هذه الانقسامات والانشقاقات داخل صفوفها؟
الاجابة الوافية عن هذا السؤال غير ممكنة في هذه العجالة، لكن نكتفي بهذه الملاحظات السريعة على الهامش لعلها تساعد في حل طلاسم هذه الحالة المثيرة للجدل.
- السلفيون ليسوا حزبا او حركة بل (دعوة) غير منظمة تقوم على سلطة الشيخ على اتباعه، والتمويل الخارجي من الجمعيات السلفية في بعض دول الخليج اساسا، والتي تجعلهم الاقدر على تقديم الخدمات والانتشار في المناطق العشوائية والبدوية بشكل خاص.
- اختلاف مصادر التمويل واجنداتها السياسية، ادى الى انشقاقات وخلافات اساسية ضربت احزاب الدعوة السلفية واهم رموزها، فخرج حزب ‘الوطن’ من عباءة ‘النور’ الذي بقي مقربا منالسعودية بشكل خاص، وانضم الاول الى ‘تحالف دعم الشرعية’، وسط اتهامات حادة بين من كانوا حتى وقت قريب في ‘قارب سلفي واحد’.
- بالرغم من قرار لوزارة الاوقاف صدر مؤخرا يمنع كل من لم يتخرج من الازهر من الخطابة في المساجد، الا ان الشيخ ياسر برهامي مازال يخطب في المسجد، وقال حزب النور ان ‘الحظر لن ينطبق عليه’. وبالرغم من ان الدستور الجديد ينص صراحة على ‘حظر الاحزاب الدينية’، الا ان حزب النور يستعد للمشاركة في الانتخابات التشريعية، ما يعزز الاعتقاد بأن النظام استخدم بعض السلفيين على الاقل لاضفاء الشرعية على المرحلة الانتقالية، ومن المتوقع ان يستمر هذا ليصبح حزب النور ممثلا للاسلام السياسي في العملية السياسية بدلا عن الاخوان، املا في ان يقتنع الغرب بـ ‘عدم وجود اقصاء سياسي’.
- يسعى السلفيون الى مخادعة الرأي العام باخفاء آرائهم الحقيقية تجاه الاقباط والمرأة بشكل خاص. فهؤلاء بالنسبة اليهم مواطنون درجة ثانية لا يحق لهم لا رئاسة الدولة ولا حتى تولي اي مناصب سياسية او سيادية. وهو ما يظهر جليا في مؤلفات برهامي الذي يحتفي بفتاوى الشيخ السعودي بن باز في هذا الشأن، ومع هذا لم يتورع حزب النور عن المشاركة في الترويج لدستور ينص على ‘المساواة الكاملة بين النساء والرجال’.
- اظهر الاستفتاء الاخير على الدستور ضعف سيطرة القيادات السلفية على قواعدها، وهو ما سيكون مهما مراقبته في الانتخابات الرئاسية. ولا يستبعد كثيرون ان ‘يجيء الدور على السلفيين’ بمجرد تأكد النظام من وجود هذه الفجوة داخل البنية السلفية. الا ان مايريده السلفيون حقا قد لا يكون السلطة او حتى المشاركة في البرلمان، بل حرية العمل الدعوي والاعلامي خاصة تعزيز القواعد الشعبية، وما يعنيه ذلك من استمرار للنفوذ وتلقي المساعدات.
فيا له من ‘دين’ ويا لها من ‘سياسة’.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق