استفزّتني كثيرًا تصريحات الدكتور نبيل فهمي، وزير الخارجية، التي أدلى بها خلال الأسابيع الماضية والتي كرر خلالها التشدّق بكرامة الشعب المصري، سواء في تعليقه على قرار إبلاغ السفير التركي في القاهرة بأنه شخصية غير مرغوب بها أو في تعليقه على العديد من القرارات التي اتخذتها الخارجية المصرية، خلال الشهور الماضية والتي كان الوزير حريصًا على ربطها جميعًا بثورة 25 يناير.
وربما يكون عدم تقبّلي لتصريحات السيد الوزير ناتجة عن قناعة، تكوّنت لديّ بأن الوزير لا يحافظ على الكرامة إلا في أقواله وتصريحاته فقط، بينما تتناقض أفعاله مع ذلك تمامًا، خاصة أنني كنت شاهد عيان على إهدار كرامة صحفي مصري في إحدى الدول العربية على مرأى ومسمع من الوزير الذي اكتفى بالفرجة وكأنه لا يرى لا يسمع لا يتكلم.
لم أكن أنتوي الحديث عن هذه الواقعة، خاصة بعد أن طلب مني عدد من الزملاء عدم الكتابة عن هذه الواقعة، خوفًا من أن يقع ضرر إضافي على بعض الزملاء الصحفيين الذين كانوا طرفًا في هذه الواقعة، والذين تلقوا تهديدات بأنهم سيتعرّضون لتلفيق تهم في حال كتبنا عن الواقعة في الصحف المصرية إلا أن إصرار الوزير على هذه التصريحات يدفعني دفعًا إلى أن أكتب عما رأيت وسمعت، فربما يتمكّن معالي الوزير من تصحيح الصورة المشوهة التي حدثت أمام أعيننا، ولعل وعسى أن يكون لدى الوزير ما يبرر موقفه وتخاذله.
الواقعة حدثت حينما دعانا السيد الوزير إلى الغرفة المخصصة له في أحد فنادق الكويت، كي يدلي ببعض التصريحات للصحفيين المصريين المشاركين في تغطية فعاليات القمة العربية الأفريقية الثالثة التي عقدت بالكويت، الشهر الماضي، حيث توجّهت بصحبة 10 صحفيين مصريين إلى غرفة الوزير الذي كان بانتظارنا بصحبة السفير عبدالكريم سليمان، سفير مصر في الكويت، والسفير ناصر كامل، مساعد وزير الخارجية، وعقب انتهاء اللقاء الذي استمرّ لما يقرب من الساعة، حرص عدد من الزملاء على التقاط الصور التذكارية مع الوزير الذي كان بصحبته أيضًا داخل الغرفة حارس أمن كويتي خصصه الإخوة الكويتيون لحراسته.
وأثناء هذا الجو الودي وقبل أن ينتهي الزملاء من التقاط الصور، فوجئنا بحارس الأمن الكويتي يشير لأحد الزملاء، يطلب منه الخروج بشكل فيه استعلاء واضح، وقال له بالنص: «امشي يا كابتن».. فرد الزميل الذي كان يتجاذب أطراف الحديث في هذه اللحظة مع السفير ناصر كامل: «أنا مش كابتن»، ولم يزد على ذلك حرفًا واحدًا.. ويبدو أن هذا الرد لم يعجب الحارس الكويتي، بالرغم من أنه ليس من حقه أن يطلب من أحد الخروج، خاصة أن ذلك يمثل تطاولًا على صاحب الدعوة والمضيف وصاحب الغرفة، وهو بالطبع السيد الوزير، فاندفع الحارس بعدوانية تجاه الزميل وأمسك به وكأنه يلقي القبض على مجرم خطير، وقام بجذبه بقوة من ملابسه وجرجره إلى خارج الغرفة على مرأى ومسمع من الوزير ومساعده والسفير المصري في الكويت، الذين وقفوا جميعًا وكأن على رؤوسهم الطير، لم يتحرك منهم أحد أو حتى يلفظ حرفًا واحدًا ليوقف هذه المهزلة، بالرغم من صياح الزميل الذي ملأ أركان المكان.
هذا المنظر المهين أثار غضبنا جميعًا، فاندفع عدد من الزملاء إلى خارج الغرفة مهرولين خلف الحارس، الذي تمادى في تطاوله واستدعى بعض زملائه من الحرس، وحدثت مناوشات وتدافع بين الصحفيين والحراس خارج غرفة الوزير مباشرة، ومع ذلك لم يخرج الوزير أو سفيرنا في الكويت كي يوقف المهزلة أو يمنع الحراس من التنكيل بالصحفيين، بالرغم من أن أحد موظفي السفارة المصرية والذي شاهد ما يحدث خارج غرفة الوزير دخل مهرولًا وقال له: «يا معالي الوزير الناس بتتبهدل برة»، فرد عليه الوزير: «أنا هشوف الموضوع»، إلا أنه تجاهل الأمر وبدأ في تسجيل لقاء تليفزيوني لإحدى القنوات المصرية الخاصة، متجاهلًا ما يجري خارج غرفته.
وحتى حينما خرج مساعد الوزير بعدها بدقائق وأقنعنا بالتهدئة ووعدنا بحل المشكلة وأنه سيقوم بإحضار بطاقات ثلاثة من الزملاء، كان الحراس قد استولوا عليها لاتخاذ إجراءات عقابية ضد أصحابها، ذهب هو الآخر ولم يعد مرة أخرى، وفوجئنا بعدها بحوالي نصف ساعة بثلاثة من الحراس الكويتيين ومعهم البطاقات وبدلاً من أن يعطوها لزملائنا ويرحلوا قاموا باقتيادهم إلى قائد الحرس الكويتي الذي اشترط على الزملاء تقديم اعتذار للحارس الكويتي أولًا قبل أن يُنهي المشكلة، وهو ما رفضه الزملاء، خاصة أن الحارس هو من أذنب بحقنا، دون سبب، فاستوقفهم لأكثر من ساعة، ثم تركهم بعد أن قال إنه سيقدم الاعتذار بنفسه للحارس، لأن قيمته كبيرة جدًا، وكأنه يريد أن يقول إن قيمة الحارس المذنب أكبر وأهم من قيمة الصحفيين المصريين الذين لم يعيرهم وزيرهم ومضيفهم أي اهتمام.
لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد وإنما همس أحد المسؤولين المصريين لبعضهم ناصحًا بألا ينشروا شيئًا عن هذا الأمر، لأن الحراس سجّلوا بيانات بطاقاتهم وقد يقومون بتصعيد الموضوع أو يلفقون لهم تهمًا تتسبّب في احتجازهم أو اعتقالهم داخل الكويت، مؤكدًا لهم أنه لا أحد سيتمكّن من مساعدتهم إذا حدث ذلك، وبالتالي اضطررنا لعدم نشر الواقعة نزولًا على رغبة بعض هؤلاء الزملاء، خاصة أن موقف الوزير والسفير لم يكن ينبئ بخير.
أنا في هذه القصة، لا ألوم الحارس الكويتي أو الأمن الكويتي، فربما يكون تجاوز الحارس حدث نتيجة عدم خبرة لديه أو بسبب الشد العصبي أو أي أسباب أخرى، وإنما أتعجّب من موقف الوزير الذي لم يتدخل ليوقف هذه المهزلة، وكذلك سفير مصر في الكويت الذي لم يخرج خلفنا ليعلم أين ذهبنا ولا ماذا حلّ بنا، بالرغم من أننا ضيوفه وضيوف وزيره، فضلًا عن ذلك أننا مصريون وهو المسؤول عن حماية والدفاع عن المصريين في الكويت، فإذا كان الوزير والسفير لم يتحركا لحماية صحفي تم الاعتداء عليه أمام أعينهم رغم أنه في ضيافتهم، فما بالنا بالمصريين البسطاء الغلابة الذين يعملون في الكويت أو في باقي دول العالم والذين يذوقون الويلات وتهدر حقوقهم وكرامتهم دون أن يجدوا من يحنو عليهم أو يأخذ بأيديهم؟
عن أي كرامة تتحدّث يا سيادة الوزير، بعد أن أهدرت كرامة المصريين التي تتشدّق بها «عمّال على بطّال» أمام عينيك ولم تجرؤ حتى على الاعتراض أو التدخل أو إبداء الاستياء، رغم أن كلمة واحدة منك كانت كفيلة بوقف هذه المهزلة؟ وما هي الأسباب التي منعتك من التدخل الحاسم بمجرد وقوع الحادثة لتوقفها في مهدها قبل أن تتفاقم؟ هل خشيت من وقف المساعدات التي تقدمها حكومة الكويت لدعم خارطة الطريق؟ أم خشيت أن يتطاول الحارس عليك شخصيًا فتصبح أزمة دبلوماسية توقف الدعم والتأييد لخارطة الطريق المزعومة؟ أم أن كرامة صحفي كان في ضيافتك لا تستحق عناء التدخل من مقامكم الرفيع؟ معالي الوزير المبجّل، لا أتصوّر أنك والحكومة التي تنتمي إليها مؤهلون للدفاع عن كرامة الشعب المصري وثورته، فشعار ثورة 25 يناير المجيدة هو «عيش.. حرية..عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية»، وبما أن حكومتك قد أهدرت «العيش» في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد على كل المستويات، ثم أهدرت «الحرية» في ظل حملات القمع الأمني والقتل والاعتقال التي طالت أبناء الشعب، ثم أهدرت «العدالة الاجتماعية» في ظل ازدياد وتيرة تشريد آلاف العمال، ثم ها أنتم تهدرون «كرامة الشعب»، وبالتالي لم يتبقَّ شيء من أهداف هذه الثورة المجيدة، وأجد من الأمانة ألا تتشدق بكرامة المصريين أو بثورة 25 يناير، لأنك حينما وُضعت على المحك تخليت عن كل ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق