العالم كله فزع وهب لإدانة الجريمة التي ارتكبها تنظيم "داعش" بتدمير قطع اثرية في متحف الموصل.
وبالطبع، جريمة تدمير القطع التي يعود بعضها الى آلاف السنين هي جريمة بشعة، وتستحق اوسع ادانة من كل دول العالم ومن كل المنظمات والجهات الدولية المعنية بآثار وتاريخ وحضارة وثقافة الشعوب.
لكن الغريب انه في غمرة هذه الإدانات لجريمة "داعش"، ينسى العالم او يتناسى، ما ارتكبته امريكا وقوات احتلالها للعراق من جرائم شبيهة عبر سنوات الاحتلال.
اليوم، اصبحت توجد مئات التقارير التي وثقت تفصيلا، وبالأرقام والحقائق والوقائع، سلسلة الجرائم التي ارتكبتها امريكا وقوات احتلالها، والتي طالت آثار العراق وتراثها الحضاري والثقافي.
هذه الجرائم التي ارتكبتها امريكا هي أشنع وأفظع ما تم ارتكابه بحق ثقافة وحضارة وارث العراق منذ غزو المغول.
ويكفي ان نتأمل فقط بعض حقائق هذه الجرائم، وهي كلها باتت معروفة وموثقة على نطاق واسع.
منذ اليوم الأول لدخول قوات الاحتلال الأمريكي بغداد، تعرض المتحف العراقي لأكبر عملية تدمير ونهب وسرقة في التاريخ. لعدة أيام، ظل المتحف يتعرض لهذا التدمير والسرقة تحت بصر وسمع قوات الاحتلال.
الاحصاءات تقول ان اكثر من 15 ألف قطعة اثرية تمت سرقتها من المتحف وتم تهريبها للخارج، غير القطع التي تم تدميرها.
هذا التدمير والنهب تم بشكل منظم على أيدي عصابات دولية منظمة بمعرفة الاحتلال.
وحتى اليوم، لم يتمكن العراق من استعادة سوى عدد محدود من كل هذه القطع الأثرية التي فقدها لا يتجاوز في احسن التقديرات 4 آلاف قطعة فقط.
ما تعرض له المتحف العراقي من تدمير ونهب على هذا النحو كان عملاً منظماً ومقصوداً من أمريكا وقوات احتلالها. فلم يكن الغزو والاحتلال مقصوداً به فقط إسقاط النظام، وإنما تدمير العراق تماماً كبلد وكحضارة وإذلال أهله. ألم يقل مسئولون أمريكيون قبل الغزو "أننا سنعيد العراق إلى العصر الحجري"؟
حين كان متحف العراق يتعرض لكل هذه التدمير والنهب، كانت دبابات الاحتلال الأمريكي موجودة حوله. وحين طلب من القوات الأمريكية التدخل لوقف هذه الجريمة كانت اجابتهم: ليس لدينا تعليمات من القادة.
وفي نفس الوقت الذي كان يجري فيه تدمير ونهب المتحف، كانت العديد من مكتبات العراق الكبرى في مختلف المدن تتعرض للحرق، وتم نهب المئات من المخطوطات والوثائق التاريخية النادرة وتهريبها الى الخارج.
في تلك الأيام، حين سئل وزير الدفاع الأمريكي آنئذ رامسفيلد عن هذه الجرائم بحق المتحف وبحق ارث العراق الحضاري، برر بمنتهى البرود هذ الجرائم، وأدلى بتصريحه الهمجي الشهير الذي قال فيه "الحرية عادة ما تتسم بالفوضى"، أي ان كل هذه الجرائم عادية وطبيعية تماما وينبغي الا تثير القلق او الانتقاد.
لم تقتصر جرائم الاحتلال الأمريكي على ما جرى للمتحف ومكتبات العراق، بل تواصلت هذه الجرائم في كل انحاء العراق طوال سنوات وجود قوات الاحتلال.
تقول الإحصاءات انه في سنوات الاحتلال، تعرض نحو 15 الف موقع اثري في مختلف انحاء العراق للتدمير والسرقة والنهب.
ليس هذا فحسب، بل ان مدينة أور السومرية الأثرية في جنوب العراق، والتي ولد فيها الخليل ابراهيم ابو الانبياء وكان يوجد بها 16 مقبرة ملكية اثرية.. هذه المنطقة الاثرية تحولت الى ثكنة عسكرية لقوات الاحتلال الأمريكي مما جعلها هدفا للتدمير والقصف طال مثلا متحف الناصرية.
نفس الشيء حدث في موقع بابل التاريخي الشهير، الذي يضم احدى عجائب الدنيا السبع هو حدائق بابل المعلقة، فقد استخدمته قوات الاحتلال كموقع عسكري.
هذا الذي ذكرت هو مجرد لمحة عامة عن الجرائم البشعة التي ارتكبتها امريكا وطالت آثار العراق وتراثه الحضاري والثقافي.
السؤال الآن: ما هو الفرق اذن بين الجريمة التي ارتكبها "داعش" بتدمير آثار في متحف الموصل، وبين هذه الجرائم الأمريكية؟
الجواب بالطبع هو: ما فعله "داعش" همجية، وما فعلته أمريكا همجية.
لكن أمريكا أكثر همجية من "داعش" بكثير جداً. فما فعله "داعش" على بشاعته ليس إلا نقطة في بحر آلاف الجرائم التي ارتكبتها أمريكا بتدمير تراث العراق الحضاري. وكما ذكرت، أمريكا فعلت هذا عن عمد وتخطيط مسبق.
لكن الغريب أنه في الوقت الذي تتبارى فيه دول العالم لإدانة جريمة "داعش"، لا أحد يتذكر ما فعلته أمريكا ولا أحد يتحدث عن همجيتها.
كل مجرمي الحرب الأمريكيين الذين ارتكبوا هذه الجرائم أحرار طلقاء، ولا أحد في العالم يطالب بمحاكمتهم كمجرمي حرب وإبادة.!
*كاتب وصحافي مصري مقيم في البحرين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق