فى ذكرى يوم الارض، وفى شرم الشيخ، مدينة "السلام"، مدينة كامب ديفيد، وعلى بعد امتار من فلسطين المحتلة منذ 1948، من اخطر عدو واجهته الامة منذ قرون، اجتمع الحكام العرب ليقرروا شن حملة عسكرية على الحوثيين فى اليمن. بعد ان كانوا قد قاموا قبلها ببضعة شهور بالانضمام والمشاركة فى الحملة الامريكية الاستعمارية الثالثة ضد العراق المسماة بالتحالف الدولى.
وبعد بضعة شهور من مشاركتهم، صمتا او تواطؤً، فى العدوان الاخير على غزة، الذى اسقط ما يزيد عن 2000 شهيد فى اكبر مذبحة ضد الفلسطينيين منذ صابرا و شاتيلا .
وبعد بضعة شهور أيضا من اجتماعهم فى القاهرة مع آخرين، فيما سمى بمؤتمر اعمار غزة، للاتفاق على انه لا اعمار قبل نزع سلاح المقاومة، وقبل تسليمها الى سلطة اوسلو "الشرعية".
وبعد سنوات قليلة من مشروعهم لادارة واحتواء واجهاض الثورة اليمنية، بما سمى بالمبادرة الخليجية، التى أدت الى ما فيه اليوم.
وبالتزامن مع اتفاقهم على اجهاض الحلم العربى و الاطاحة بالثورات العربية، ومطاردة ثوارها بكافة الطرق والوسائل، بما فيها القتل والقنص والاعتقال وتكميم الافواه. الأمر الذى لم يستطيعوا اخفاؤه فى قمتهم الأخيرة، فكان التجاهل التام لذكر كلمة واحدة عن الربيع العربى او الثورات العربية، مما كشف مدى كره وعداء حكام العرب لثورات العرب، ربما فيما عدا أمير الكويت الذى لم يكتف بالصمت، بل هاجم الربيع العربى صراحة!
***
فى قمتهم هذه غابت فلسطين تقريبا، من كلمات حكام الدول الرئيسية مثل مصر و السعودية، الا من بضع كلمات معدودة مستهلكة عن الدولة الفلسطينية فى حدود 1967 وفقا لمبادرة السلام العربية.
ليظهر بوضوح لكل من يهمه الأمر أن فلسطين لم تعد قضية العرب المركزية، بل اصبحت على العكس هى قضية العرب "الهامشية" بامتياز
وربما كان بان كى مون الامين العام للأمم المتحدة هو الوحيد الذى انتقد اسرائيل، وذكر عدوانها على غزة، وضرورة اعمارها وفك الحصار عنها. ربما تصور انه بذلك يجامل العرب وقادتهم وجامعتهم فى يوم قمتهم، فاذا به يكتشف ان لا احداً سواه معنى بالِشأن الفلسطينى.
فيما عدا ابو مازن بطبيعة الحال، ممثل السلطة الفلسطينية، الذى تحدث عن سعيه لنيل الحماية الدولية للفلسطينيين فى مواجهة اسرائيل، ولم يتجرأ على مطالبة أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، بحماية عربية، لانه يعلم ان أياديهم والقبر فى كل ما يخص فلسطين.
ولكنه حين اراد الاستنجاد بالدعم العسكرى العربى، طلبه فى مواجهة المقاومة الفلسطينية، حين طالب "بعاصفة حزم" لفلسطين فى مواجهة الانقسام، مسجلا رقما قياسيا فى التماهى مع المطالب والاحلام الاسرائيلية.
***
ليس فيما سبق اى دفاع عن داعش العراق، او عن حوثيي اليمن؛ فالاولى حركة طائفية ارهابية وحشية ومشبوهة. والثانية حركة طائفية قبلية اقصائية، تابعة ومخترَقة، تخدم مشروعا أجنبيا ايرانيا يبنى نفسه على انقاض المشروع العربى التحررى.
ولكن من ناحية أخرى هذه الانظمة العربية التابعة للأمريكان والمتحالفة معهم، والمتصالحة مع العدو الصهيونى، والمستأثرة بثروات البلاد والعباد، والمستبدة بكل خلق الله من شعوبها، لا تعبر عنا.
انهم يتقاتلون ويقتلون بعضهم البعض باسمنا ونحن براء منهم جميعا، ليس فيهم من يمثلنا، لا فى اليمن ولا خارجها.
***
وربما كانت هذه هى المرة الاولى التى يسمع فيها الرأى العام العربى ان دولا مثل السعودية والخليج لها انياب عسكرية، وانهم قادرون على الحرب والقتال مثل باقى دول العالم. فالمتعارف عليه انها تعيش تحت حماية الغرب منذ نِشأتها على ايدى الامبراطورية البريطانية. ولقد ظهر هذا جليا فى عديد من الاحداث والازمات، أبرزها كان ما سمى بحرب تحرير الكويت، التى استدعى مشايخها الخواجة الامريكانى لكى يخلصهم من صدام، ومن يومها لم تغادر القوات الامريكية المنطقة. وآخرها ما صرحت به الادارة الأمريكية مؤخرا على لسان بريت ماجيرك، مبعوث اوباما الخاص لقوات "التحالف السعودى"، بأن ((واشنطن تؤكد أنها ستحارب بكل قوتها من يعتدي على السعودية)) .
وبالتالى ان كانت لديكم مثل هذه القدرات القتالية، فلماذا تخاذلتم امام اسرائيل وسمحتم لها بالبقاء والسيطرة والتمدد والتغلغل والسيادة والتفوق العسكرى فى المنطقة.
ولقد انتفضت السعودية فورا لمواجهة الخطر الايرانى/الحوثى على حدودها الجنوبية قبل مرور اسابيع عن وقوعه. وماذا عن الخطر الصهيونى القابع فى قلب الامة على حدود مصر وسوريا والاردن ولبنان، منذ ما يزيد عن ستة عقود
ثم ان اى حرب تسمح بها الولايات المتحدة وتدعمها، وتباركها اسرائيل، ويؤيدها الاتحاد الاوروبى، هى حرب مشكوك فى غاياتها ونواياها الحقيقية.
هكذا فكر الرأى العام العربى
***
ان كل ادعاءات الوطنية والقومية و الاسلام أو ادعاءات الدفاع عن الامن القومى العربى او الوطنى، التى لا تبدأ وتمر عبر بوابة تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيونى وتحرير الوطن العربى من الهيمنة الامريكية، عبر استراتيجيات وانحيازات وتحالفات وسياسات ومواقف واضحة وجلية و" حازمة"، هى دعوات زائفة، صادرة من حكام وأنظمة تابعين لا يمثلون الامة ولا الشعوب ولا يعبرون عن مصالحها.
كذبوا علينا فى السبعينات، وقالوا أن حرب اكتوبر هى آخر الحروب، واذا بنا نكتشف انها لم تكن سوى آخر الحروب الشريفة. لأننا منذ توقفنا عن مقاتلة عدونا الصهيونى، ضربت الأمة سلاسل قذرة، لم تتوقف ابدا، من الحروب العربية/العربية والصراعات الطائفية، والحروب الامريكية بالوكالة، بدءا بحروب الخليج الأربعة 1980، 1991، 2003، 2014. وانتهاءً بحروب اسرائيل واعتداءاتها المتكررة على لبنان وفلسطين فى غياب كامل لاى موقف عربى رسمى.
وفى كل ذلك لم نسمع أبدا عن أى عواصف عربية او نشم رائحة أى حزم عربى.
***
لو كان المنصب هو المعيار، فهى قمة عربية بلا شك. اما لو كان المعيار هو استقلال الامة ووحدتها وطموحات شعوبها فهو مؤتمر القاع العربى بامتياز.
*****
موضوعات مرتبطة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق