لم يكن هذا تصريحا اسرائيليا او امريكيا او أوروبيا، وإنما كان تصريحا لرئيس مصر العربية، السيد عبد الفتاح السيسى، فى معرض حواره مع جريدة الواشنطن بوست فى 12 مارس 2015؛
فحين سألته الصحفية "لالى ويمث" كيف يرى التهديد من جانب إيران؟ وهل يتفق على أنه لا يجب أن تمتلك سلاحًا نوويًا ؟
رد السيسى بقوله (( نفهم أن الرئيس أوباما منخرط في إجراءات عديدة لمعالجة هذا الأمر. يجب أن نعطيه وقتا … وفي هذه الأثناء، يجب أن نتفَّهم مخاوف إسرائيل))
***
· لم يتحدث السيسى عن المخاوف المصرية والعربية من السلاح النووى الاسرائيلى،
· لم يكرر ذات الموقف الرسمى المصرى الثابت والمعلن منذ عقود، وهو المطالبة باخلاء "كل" الشرق الاوسط من السلاح النووى،
· لم يهاجم ازدواج المعايير الامريكية والدولية فى اباحة النووى الاسرائيلى وتحريمه على باقى دول المنطقة،
· لم يذكر أن اسرائيل هى دولة احتلال،
· لم يتطرق الى المخاوف الوحيدة الحقيقية والمشروعة ، وهى مخاوف الشعب الفلسطينى الذى يُقتل ويُباد ويُغتصب مزيد من ارضه كل يوم،
· لم ينتقد المخاوف الاسرائيلية التى لا تنتهى من الجميع؛ وعلى رأسهم الجيش المصرى الذى حرموه، بموجب اتفاقيات كامب ديفيد، من التواجد فى ثلثى سيناء الا بإذنها،
· لم يعرب عن الغضب العربى العميق من هيستريا "الأمن الاسرائيلى" التى اكرهت دول الجوار العربى على تجريد حدودها من السلاح والقوات، لمساحات تفوق مساحة "اسرائيل" بضعة مرات،
· لم يعرب عن استيائه من الاصرار الامريكى على التفوق العسكرى الاسرائيلى على كافة الدول العربية مجتمعة،
· لم يهاجم العربدة الصهيونية بحروبها و اعتدءاتها وغاراتها الاجرامية على الاقطار العربية على امتداد ما يقرب من سبعين عاما، وآخرها حرب الابادة التى شنتها على غزة فى صيف 2014.
· لم يلمح ولو من بعيد بان لا أحد من دول المنطقة سبق ان اعتدى على الآخرين وهدد أراضيهم، سوى اسرائيل.
لم يفعل اى من هذا، بل انحاز الى ذات موقف رئيس الوزراء الاسرائيلى "نتنياهو" الذى طرحه فى الكونجرس مؤخرا. فى سابقة، خطيرة ومسيئة، لأى رئيس أو مسئول مصرى أو عربى على مر التاريخ.
ولم يكتف بذلك، بل حرص على الربط فى ذات الحديث بين الأمن المصرى وأمن اسرائيل مؤكدا على أنه ((إذا سقطت مصر فستنحدر المنطقة إلى دائرة الفوضى التي ستكون مقبرةً لكافة دول هذه المنطقة، ومعها إسرائيل؛ وسيمتد هذا إلى أوروبا أيضًا)) فى اشارة ضمنية الى الدور المصرى الحالى فى حماية أمن اسرائيل ووجودها.
ثم تأكيده على حجم الثقة التى توليها له اسرائيل بتأكيده على التواصل الدائم والمستمر بينه وبين نتنياهو، وبقوله أيضا ((نحن نحترم معاهدة السلام مع إسرائيل منذ يوم توقيعها. مثالٌ واحد يعكس ضخامة الثقة والطمأنينة بين الجانبين هو أن المعاهدة لا تسمح للقوات المصرية بالتواجد في المناطق الحدودية بين البلدين في وسط وشرق سيناء. لكن الإسرائيليين رحَّبوا بوجود القوات المصرية في هذه المناطق. يعني هذا أن الجو العدائي والتشكُّك قد تقلَّصا بوجود سلام بين مصر وإسرائيل))
ولم يكتف السيسى فى الحديث المذكور بتحدى الثوابت الوطنية المصرية والعربية فيما يتعلق باسرائيل، بل تجاوزه الى مناشدة الولايات المتحدة الى استيعاب ما اسماه بالفراغ الاستراتيجى فى المنطقة، فى استدعاء لمبدأ ايزنهاور الاستعمارى الكريه الذى طرحه عام 1957 طارحا فيه ضرورة التدخل العسكرى الامريكى لملئ الفراغ التى نشأ بتراجع النفوذ البريطانى والفرنسى فى الشرق الاوسط. وهو المبدأ الذى رفضته مصر حينذاك بقوة ووضوح واعتبرته نوعا جديدا من الهيمنة والاستعمار، وليتحول موقفها هذا الى احد اهم الثوابت الوطنية المصرية .
***
وما قاله السيسى للواشنطن بوست ليس جديدا أو "عجيبا"عليه فهو لم يكف منذ تولى الحكم عن ارسال الرسالة تلو الاخرى بمناسبة وبدون مناسبة، للترويج لنفسه ونظامه الجديد لدى الولايات المتحدة وأوروبا من بوابة اخلاصه للسلام مع اسرائيل وحرصه على أمنها.
ولكن كل العجب، من صمت الحركة الوطنية المصرية بكل مفكريها وقياداتها وتياراتها واحزابها، التى ناضلت منذ نعومة اظافرها ضد كامب ديفيد واسرائيل والاعتراف بها والتقارب والتطبيع معها.
وسبحان مغير الاحوال.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق