26 يوليو 2014

مقابلة الموت في غزة بالتشفي والنكاية والصمت وقلب الحقيقة رأساً على عقب

 
بقلم نواف ابو الهيجاء
ما يجري من ردود أفعال يرقى الى مستوى الفضيحة على الأصعدة كافة، عربياً وإسلامياً وإنسانياً. ولذا، فالمعايير تنقلب،
وعلى الفلسطينيين التصرف وفق المعطيات التالية: لهم ان يقاتلوا وان يموتوا دفاعا عن النفس في مواجهة حرب الإبادة، وألا ينتظر أي منهم موقفا قوميا جدياً من أي جهة، فمن كان يستطيع مشغول بمشكلاته الداخلية. ومن كان لا يريد تحمل المسؤولية، وجد عذرا أقبح من ذنب ليتنصل منها.
بعد نحو أسبوعين من «عرس الدم» الفلسطيني في قطاع غزة، يظل عنوان ردود الفعل العربية محصورا بالتشفي والصمت أو حتى بقلب الحقيقة رأساً على عقب. فمنهم من تصرف على أساس ان أهلنا في القطاع كلهم «حماس» وبالتالي كلهم «إخوان مسلمون»، ولا بأس من درس دموي جديد يتلقاه الفلسطينيون بأولادهم وأطفالهم ونسـائهم وشيبهم وشبانهم، ومنهم من اكتفى بقمع أي ردة فعل ممكنة في عواصم عربية عرفـت تاريخـيا بكونها مناصرة للحق العربي في فلسطين.
لم تكن ردود الأفعال «العربية» الرسمية في السابق (وقبل ما يسمى «الربيع العربي») لتصل الى ما وصلت اليه اليوم في ظل نتائج هذا «الربيع العجيب» الذي استل من العروبة عربها ومن الإنسانية إنسانها واكتفى إما بكلمات تافهة وباردة تدين الطرفين القاتل والمقتول، وإما بالصمت الدال على التشفي. ولم ترف جفون أي من الحكام وهم يرون صور القتل والمجزرة وتحول أهل القطاع الى أشلاء ممزقة وبيوتهم الى أكداس من رماد.
حتى الحس الإنساني فقد لدى الكثير من الأدعياء. وارتقى موقف بعض الأوروبيين والأميركيين الى أعلى من مواقف بعض العواصم «العربية»، كما أن تغطية الحدث إعلاميا كانت في حالات كثيرة أكثر موضوعية من الإعلام المحسوب علينا كعرب.
واذا توقفنا عند مصر، لرأينا العجب في الإعلام وفي المواقف، من إحكام الحصار على المليون وثمانمئة الف فلسطيني من أهلنا في القطاع، والسلطة هناك تحسبهم كلهم ليس على حركة «حماس» فحسب، بل على جماعة «الإخوان المسلمين» ايضا. وهذا أمر ينسحب على مواقف عرب الخليج والمحيط كذلك.
الدم الغزي رخيص جدا هذه المرة. ورائحة الشماتة والنكاية تفوح وتزكم الأنوف. أما «الجامعة العربية»، فهي بحركتها اليوم تمنّي النفس المريضة بمزيد من الدمار والموت لأهل القطاع، ولا مانع لديها من رفع السقف المتهاوي لتساوي بين الفلسطيني المذبوح والصهيوني الغازي.
والمؤلم أن الفلسطيني وجد نفسه اليوم في موقف لم يتصوره حتى في أحلك الظروف، انه وحيد مثل مركز دائرة. وعليه أن ينافح ويتلقى سهام الموت من هنا وسهام الغدر من هناك وسهام الصمت من كل صوب. حتى السلطة الفلسطينية تتصرف وفق حسابات الربح والخسارة: السلطة والكرسي والمنفعة في جانب، وكسب أصوات الشارع في جانب، وعدم التفريط بما تمنحة الدول الاجنبية من مساعدات في جانب ثالث، وعدم التخلي عن اشتراطات «اوسلو» والتعاون الأمني في المقدمة من جانب رابع.
ما يجري من ردود أفعال يرقى الى مستوى الفضيحة على الأصعدة كافة، عربياً وإسلامياً وإنسانياً. ولذا، فالمعايير تنقلب، وعلى الفلسطينيين التصرف وفق المعطيات التالية: لهم ان يقاتلوا وان يموتوا دفاعا عن النفس في مواجهة حرب الإبادة، وألا ينتظر أي منهم موقفا قوميا جدياً من أي جهة، فمن كان يستطيع مشغول بمشكلاته الداخلية. ومن كان لا يريد تحمل المسؤولية، وجد عذرا أقبح من ذنب ليتنصل منها.

ليست هناك تعليقات: