بقلم - عمر صقر
لا أستطيع أن أصدق أن كل شيئ جميل يغادر عالمنا يمر هكذا كخبر مسائي حزين دون مبالاة، لقد باتت الرؤية سوداوية جدافكل يوم نفجع في حبيب أو قريب او مثل نحب أن نراه بيننا دائما لنعتصم به في ظل دوامات الجهل والخرافة والقسوة!
لم أصدق عيني التي قرأت له كثيرا وكانت تتراقص مع حروفه التي كتبت بحبر الشعوب المهزومة دائما لتعبر عن مآسيها وآلمها التي لا تنتهي بمنتهى الإخلاص، حرفه الذي كان اقوى من الرصاص والطائرات وجيوش الأعداء ، حروفه التي حفظناها ورددناها في وجوه كل المستبدين واصحاب القبضة الحديدية التي خنقتنا بغاز الكبت والقهر والإستعلاء الهمجي الذي كان فيه أحمد مطر وقاء التنفس الذي نستلهم منه عبق الأكسجين لنستطيع أن نعيش، لا أعلم هل أعزي نفسي أم أعزي القارىء العربي الذي كان يجد متنفسا حقيقيا في كل ما يكتبه وكل ما يخطّه على الورق الأبيض الذي سيشتاق له أم أعزي الحرية التي نحلم بها في أحلام اليقظة فقط.
هل معقول أن الشاعر الكبير رحل عن عالمنا الذي ضاق بكل محب للحرية أوعاشق للسماء الرحبة والأفق الأزرق المفتوح ناحية القمر والتي تنتظر دائما بجوار الشمس لتقتنص لحظة الغروب لتكتب أحلى القصائد، كم كنا نتعزى بقصائده الغزلية التي لم تكن تتغزل في عيني المعشوق ولا في قوامه ولا خطوة قدماه الرشيقة ولا في صفاته العنيدة الأبية بل كانت ترى العشق الأبدي والديمومه المستمرة في فضاءات الوطن الذي رحل عنه مبكرا وقسرا كضريبة لمواقفه ضد كل مختلس للوطن وسارقا لرغيف البسطاء الذين احبوه بصدق فأصبح كالطائر الذي يحلق في السماء بعيدا عن عين كل صيّاد ماهر وعن كل بندقية حمقاء ترغب في صمته الدائم أو في كسر قارورة حبره القاتل لهم.
لقد كسر شاعرنا الفقيد كل قواعد البروتوكول الشعري الطقسي و اسطورة الشاعر المغرد والمادح على ابواب الحكام وفي حضرة موائدهم العامرة والممّجد دوما للحظات النصر الوهمي الذي ضحكوا به علينا طويلا وبقي عزيزا بقلمه وعقله وصوره البلاغية المضحكة المبكية على واقع وحال لم يتغير ابدا في حياة الشاعر للأسف طيلة فترة جهاده السابقة منذ كان في بلاد النخل وجداول المياة العذبة في العراق مرورا بالكويت واستمرار لرحلة الغربة الطويلة وصفحته الثقافية المشرقة في جريدة القبس التي أصبحت نموذجا لكل راغب في أيقاظ الوعي الثقافي الجمعي ثم اخيرا في مغادرته إلى بلاد الضباب "لندن" ليبقى فيها إلى أن رحل حيث استطاع هناك أن يجد مرفأ يقيه شر كل من يرغب في صمت الطيور الصادحة بأغاني واهازيج الحرية التي تبحث عن الخلاص.
بادرني صديق وانا أكتب هذا الرثاء الموجع بأن الشاعر الحقيقي لا يموت بل من يموت هو كل من يصدق هذا إذن ستبقى يا أحمد مطر سحابة غائمة بالمعاني والتعبيرات الثورية وملمهمة لنا على الدوام وسنظل نقتبس من قصائدك ما نصد به محاولات الإختراق المستمرة التي يستميتون فيها لنكون عبيدا لهم ولدولتهم المترهلة ولكن بالتأكيد ستفشل لأننا سنكمل المعركة بوعي وإيمان أكبر ولكن كل ما يحزنني أن أرى ستون عمام ترحل أمامي بقراءاتها ودفقها الشعوري دون أن يأتي موسم الحصاد ولكن هذا حظك وحظ كل من سبقك أن لا يروا نتيجة كدّهم وزناد عقلهمالفكري في إستنهاض حثة وطن أعلن جميع الأطباء موته ولكن كعادة كل اصحاب الاقلام الصادقة أن لا يرو أثر ما يقوله إلا بعد رحيلهم إلى دار الخلود، رحمك الله يا مطر الحرية ، ويا حبرا لم يتغير ومدادا ألهم جميع الشهداء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق