وقفت بثبات حاملة كاميرتها في اليوم الأول للاستفتاء على الدستور، بميدان الخلفاوي توثق بعدستها اشتباكات قوات الأمن مع مواطنين متجمهرين اعتراضًا على الدستور.. وفجأة ودون سابق إنذار قام أحدهم بسحب كاميرتها، ومع رفضها قام العسكري باقتيادها كالمجرمين إلى البوكس الأزرق.. بعد لطمها على وجهها وسبها بأبشع الألفاظ، لتتعرض بعدها لسلسلة من الانتهاكات، فضلاً عن صدور حكم ضدها بالحبس سنة.
هذا الأمر سجل نقطة سوداء في تاريخ الصحافة المصرية، خصوصًا أن سماح إبراهيم أول صحفية يصدر حكم حبس ضدها بعد إقرار الدستور الذي ينص على ضمان الحريات للصحفيين، ليتقلص بعدها إلى ٦ أشهر بعد الاستئناف وتغريمها ٥٠ ألف جنيه.
التقت "مصر العربية" بالصحفية سماح إبراهيم، عقب الإفراج عنها بعد قضائها مدة حبسها، لتروي لنا في أول حوار صحفي كواليس ما تعرضت له خلال الـ٦ أشهر الماضية من انتهاكات، مؤكدة أنه رغم ذلك، فإنها تصر على استكمال مشوارها الذي بدأته وعدم تنازلها للحظة عن نقل الحقيقة، مهما كلفها هذا من تضحيات.
بدأت سماح في سرد وقائع وملابسات اعتقالها قائلة: فوجئت أثناء تغطيتي وتصويري لاعتداءات الأمن على مواطنين مناهضين للاستفتاء على الدستور بقيام أحد أفراد الأمن بزي مدني بأخذ التاب الذي كنت أصور به، وقاموا بلطمي على وجهي وتوجيه أبشع الشتائم لي، وتم ترحيلنا إلى قسم الساحل، وهناك لم تتوقف المعاملة المهينة لنا، بل امتد الأمر إلى حد تجريد المعتقلين الرجال من ملابسهم أمامنا وتفتيشهم بشكل مهين أمام المعتقلات، إلى أن تم عرضنا على الأمن الوطني، وهناك تم توجيه عدة أسئلة سياسية لي من بينها، من الرئيس الذي أؤيده، وما موقفي من الدستور.
امتنعت عن الرد والإجابة وأخبرتهم أنني في البداية والنهاية صحفية أنقل الحدث فقط".
وتابعت سماح: "بعدها تم اقتيادنا مجددًا إلى بئر السلم بقسم الساحل الذي قضينا به ليلتنا بعد كلبشة يدينا بالمقعد الخشبي، إلى أن جاء الصباح، وتوجهنا إلى نيابة الجلاء للتحقيق معنا، إلا أننا حين وصلنا إلى هناك فوجئنا بأحدهم يطلب منا أن ندخل إحدى دور الحضانة، لأن المحكمة بها قنابل، أبديت رفضي أن يتم حبسنا بدار حضانة، وطالبته بأن نعود إلى القسم، فتم نهرى وقال في وجهى إنه باستطاعتهم إبادتنا إن أرادوا ذلك، وحين عدنا إلى قسم الساحل أخبرهم: "البت الصحفية دى هي اللى بوظت المأمورية".. وهنا فوجئت بلطمي على وجهي، وقيل لي: "احنا هنعاملك معاملة رجالة".
وبعدها حضر وكيل النيابة وقام بالتحقيق معنا، وأخبرته بكل الانتهاكات التي تعرضنا لها، وفوجئت بتوجيه عدة تهم لنا، وتم ترحيلنا إلى قسم شرطة الأميرية.
واستكملت حديثها: "بعد ٥ أيام من إيداعي بقسم شرطة الأميرية، اعترضت على حبسي، وهو الأمر الذي أثار استياء المتواجدين بالقسم، وفوجئت بهم يقومون بضربي في أنحاء متفرقة من جسدي بالخرزان، وكلبشة يدي من خلف ظهري في باب الزنزانو، بعدها انهرت من كثرة الضرب، فقاموا بصعقي بالكهرباء".
وتتابع: بعدها تم ترحيلنا إلى سجن القناطر، وكانت المعاملة معنا شبه مستقرة، وحكم علىّ أنا ومن معى بالحبس سنة، وتم الاستئناف على الحكم، فقرر القاضي أن تكون مدة الحبس 6 أشهر مع تغريمي 50 ألف جنيه غرامة، وفي سجن القناطر بدأت الأوضاع تتوتر حين وقعت أحداث مجزرة القناطر، كما أطلق عليها البعض أو فض العسكري كما نسميها نحن".
وعن هذا اليوم تقول سماح: "بدأت تلك الحادثة بقيام سجانة تدعى سيدة، تتعمد استفزاز معتقلات الرأي من خلال سبهم بأبشع الشتائم، بسب د.سماح المعتقلة في عنبر العسكري، وهو ما رفضته د.سماح، فما كان من سيدة السجانة، إلا أن أحضرت الجنائيات، لضرب المعتقلات، وبالفعل قاموا بشد شعورهن ولكمهن وأكملت عليهن السجانات بالضرب بالعصي، فما كان أمام المعتقلات أسلحة للدفاع عن أنفسهن سوى البيض والشطة، حيث قمن بإلقائها على الجنائيات والسجانات، وقامت إحدى المعتقلات بإعادة إلقاء خشبة سقطت عليها، فأصابت مأمور السجن عبد الغفار فوق عينه بإصابة بسيطة".
وتابعت: "في صباح اليوم التالى، فوجئنا بقوات الأمن تقتحم عنبر "العسكري"، وسمعنا صراخ البنات وهناك جذبوا الفتيات من شعورهن وركلوهن بأرجلهم من الخلف، وهو ما تسبب بإصابة بعضهن بالنزيف الحاد، بينهن فتاة تدعى ياسمين، وقاموا بكسر يد د.سماح ورحلوها لسجن دمنهور بعد نزع حجابها، وبعدها بساعتين فوجئنا بقوات الأمن تقتحم العنبر، وأوقفونا صفا ووجهنا في الحائط وضربنا على ظهورنا لدرجة أنهم لم يرحموا سيدة عجوزًا معنا تبلغ من العمر ٦٥ عامًا، وأخذت تقول لهم: (أنا ست كبيرة)، وقاموا بتفتيش الفتيات بشكل مؤذ بالدرجة التي جعلتهن يصرخن، وهو ما جعلني أسأل مدير مصلحة السجون الذي كان يتولى تلك الحملة التي شنت علينا، لماذا يتم سحلنا وضربنا بتلك الطريقة وأخبرته أن المشكلة حدثت في عنبر "العسكري" وليس عندنا، فكان الرد "السيئة تعم"، فأبديت استيائي فأمر بإيداعي عنبر التأديب.
حجرة مظلمة لا تتجاوز المتر في متر.. زجاجة فارغة لقضاء الحاجة.. لا طعام ولا حتى شراب، هذا هو المكان الذي قضت به الزميلة الصحفية سماح إبراهيم ليلتها بعد نزع حجابها، لدرجة أنها حين سألت السجانة: "أصلي إزاى كان الرد: صلى بشعرك".
وتابعت: في اليوم جاء مأمور السجن واعتذر لي، وحاولت وقتها وضع شيء فوق رأسي لتغطية شعري، وأخبرني أن هناك زيارات لأهلنا، الغريب أن منظمات حقوق الإنسان انتظرت شهرًا كاملاً حتى جاءت، ولم تسمع سوى فتاتين، ورفضت طلبهما بأن يسجل كلامهما بالفيديو.
وأضافت: "رغم إنهائي مدة حبسي، إلا أنه كان هناك تعنتًا كبيرًا في الإفراج عني واستمرت مماطلات طيلة ٦ أيام، تم ترحيلنا من قسم للآخر إلى أن تم الإفراج عني من قسم الزاوية بعد دفع الـ٥٠ ألف غرامة، ومن لم يتمكن من دفعها طالبوه بأن يأتي ليمسح أرضية القسم يوميًا، وهو ما عرضوه علىّ، ولكنى رفضت بشدة".
وعن وضع البنات المعتقلات داخل سجن القناطر، تقول سماح إنه برغم الانتهاكات التي تعرض لها سجينات الرأي خلال عملية اعتقالهن من تحرش لفظي وبدني داخل الأقسام والسجن، إلا أنهن على أتم الاستعداد لفضح تلك التجاوزات، شريطة توافر الضمانات الكافية التي تتيح لهن التحدث دون التعرض للإيذاء الأمني".
وتوضح أن "المعتقلات بسجن القناطر يطالبن بتدشين مؤتمر حقوقي من الداخل، لرفع تلك التجاوزات وتقديمه للنائب العام والتحقيق فيها، لمحاسبة كل من تعرض إليهن بالإساءة مهما كانت صفتهم، ولعل أبرز روايات التحرش التي ذكرتها ما حدث من اعتداءات على إحدى الطالبات بالصف الثالث الثانوي، وصلت لحد نزع حجابها وجيبتها داخل قسم مصر الجديدة، وقول جملة بشعة تخدش حياءها، وضربها على ساقيها حتى تورمت".
وأشارت إلى "أن الفتيات يمتلكن من الثبات ما لا طاقة لرجال به"، مشيرة إلى أن "الفتيات كن يقمن بتنظيم وقفات احتجاجية أمام المكتبة ويعلنّ عن مسيرات بشكل فكاهي تجوب أرجاء السجن خلال فترة (التريض)، والتي يسمح لهن بالخروج من الزنزانة نصف ساعة يوميًا".
واختتمت حديثها: "سأكمل طريقي الذي بدأت ولن أنكسر إلى أن ينكسر معي قلمي"، مؤكدة أنها رغم كل هذه الاعتداءات، فلن يثنيها ذلك عن استكمال مهمتها في نقل الحقيقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق