من الغريب حقاً ما نصت عليه المادة 171 بالمسودة الأولى للدستور من أن وزير الدفاع يعين من بين ضباطها. فسيطرة المدنيين على الجيش أمر مستقر منذ عقود طويلة بالديمقراطيات العريقة حيث تقع المسؤولية النهائية لحكم أي بلد على قادتها السياسيين المدنيين. وربما كانت مقولة جورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا إبان الحرب العالمية الأولى والملقب بأبي النصر "إن الحرب مسألة خطيرة للغاية كي تترك للجنرالات" أول تعبير عن ذلك المبدأ، وقد أكد طيلة فترة حكمه على أولوية المدنيين على العسكريين في قضايا الحرب والسلم. ولصمويل هنتجتون أستاذ العلوم السياسية الشهير مؤلف كتاب "صراع الحضارات" كتاب آخر مهم عنوانه "الجندي والدولة" أوجز فيه هذه السياسة الفُضلى بأنها "التبعية والطاعة الحقيقية للعسكريين المهنيين لأغراض وأهداف السياسة العامة للدولة على النحو الذي تحدده السلطة المدنية".
هل تعرفون ميشال آليو- ماري؟ هي محامية حاصلة على الدكتوراه في كل من الحقوق والعلوم السياسية، عينت وزيرة للدفاع (أول امرأة تتولى هذا المنصب بفرنسا) تحت حكم شيراك لمدة خمس سنوات من مايو 2002 إلى مايو 2007، وقد تولت أيضاً مسؤلية وزارات الداخلية والخارجية والعدالة والشباب والرياضة. وكانت قبل دخولها الوزارة نائبة بالبرلمان وزعيمة حزب ديجولي.
وإذا انتقلنا لأمريكا، سنجد أن اللذين تولا وزارة الدفاع لأكثر من سبع سنوات روبرت ماكنمارا(من 1961 إلى 1968 مع كيندي وجونسون) ودونلد رامسفيلد (تولي المنصب مرتين الأولى مع فورد من 1975 إلى 1977 ، ثم مع جورج دبليو بوش من 2001 إلى 2006) كانت معظم خبراتهما العملية في الأعمال وإدارة الشركات الكبرى. ماكنمارا خريج مدرسة العلوم الإدارية بجامعة هارفارد وقام بتدريس مادة المحاسبة بها قبل أن يلتحق بالجيش خلال الحرب العالمية الثانية لمدة ثلاث سنوات، ترك الخدمة العسكرية ليعمل بشركة فورد سنوات طويلة حتى عين أول رئيس لها من خارج عائلة هنري فورد مؤسس الشركة، وذلك قبل أن يلتحق بإدارة الرئيس كيندي كوزير للدفاع. أما رامسفيلد فدرس العلوم السياسية بجامعة برنستون ثم التحق بالبحرية الأمريكية لمدة ثلاث سنوات. عمل بعدها في الحكومة بوظائف عديدة، كما كان رئيس تنفيذي ورئيس مجلس إدارة عدة شركات كبرى. وكان الاثنان بارعين في الإدارة والتخطيط وإعادة الهيكلة والتحليل المالي، غيرا كثيراً في منظومة الجيش الأمريكي وكان لهما دوراً ملموساً في تطويره وتحديثه.
وفي إسرائيل الدولة العنصرية والمعسكرة بطييعتها، كان لكل وزراء دفاعها خلفيات وأعمال مدنية وأنشطة سياسية عديدة قبل توليهم حقيبة الدفاع.
إن السيطرة المدنية على العسكريين ليست حكراً على الدول الديمقراطية، فقد أكد الزعيم الشيوعي الصيني ماو تسي تونج هذا المبدأ عندما قال إن "الحزب يقود البندقية، ويجب ألا يسمح للبندقية بقيادة الحزب".
وإذا كان هذا هو المستقر في كل بلاد العالم بالشرق والغرب منذ أكثر من قرن من الزمان، فهل نأمل من أعضاء لجنة الخمسين تعديل هذا الشرط المناقض لأبجديات الحكم السليم والرشيد. ألا يجب علينا التأكيد بدستورنا الجديد، بعدما اسقط الشعب دستور الإخوان، على أن المدنيين هم الحكام الفعليون لمصر إذا كنا فعلاً نريد تحقيق أهداف ثورتي 25 يناير و30 يونيو.
العقلانية هي الحل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق