بعد ازاحة الجيش للرئيس المصري محمد مرسي ووقوع المجازر بين المتظاهرين في ساحتي رابعة العدوية والنهضة وغيرها رفعت وسائل الاعلام الرسمية المصرية فجأة شعار: ‘الحرب على الإرهاب’.
رغم أنه كان آخر من استخدمه فإن شهرة هذا الشعار تعود الى الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش وأمريكا الجريحة بعد هجمات تنظيم ‘القاعدة’ عليها في 9 أيلول عام 2001. ففضل السبق فيه يعود الى اسرائيل والأنظمة العربية المستبدة التي عنونت، لعقود طويلة، كل كفاح شعبي لنيل حقوق مشروعة باعتباره ‘إرهاباً’.
لم يخلُ الأمر من تعديلات زخرفية ‘شرق أوسطية’ تناسب كل نظام على حدة، من قبيل تسمية اسرائيل الفدائيين الفلسطينيين ‘مخرّبين’، وتسمية بعض الأنظمة العربية معارضيها بأخوان الشياطين والضالين والمنحرفين والمجانين (والشاذين جنسياً في طبعة سودانية منقحة).
يبدو، للوهلة الأولى، وجود تطابق بين التعريف الأمريكي للإرهاب وشعار ‘الحرب على الارهاب’ المصري، لكن المدقق يجد فارقاً بسيطاً (تكاد لا تراه العين): فمن قام بالاعتداء على المدنيين في امريكا هو تنظيم ‘القاعدة’، أما من قام بالاعتداء على المدنيين في مصر فهي… الجهة نفسها التي ترفع شعار ‘الحرب على الارهاب’!
تتظاهر الأنظمة العربية المستبدة بالذكاء (او أنها تتغابى عمداً) حين تقلب معاني الأشياء وتجوّف اللغة متلاعبة بها، مشتغلة على خطين متوازيين: الأول هو تجريم أية معارضة سلمية ضدها واعتبارها إرهاباً، والثاني يقوم على الضغط على أية معارضة سلمية لتحويلها إلى عنفيّة، واذا لم تستطع تقوم بتلفيق العنف ضدّها وتوجّهه باتجاهات طائفية واثنية لخلط الأوراق، بل إنها، حين يحتاج الأمر، تصطنع وتموّل وتدعم التفجيرات او تخترع تنظيمات عنفية مهمتها استقطاب الشباب وتشويه وتوريط أية معارضة للنظام.
بفضل هذه الأنظمة تحوّل معنى كلمة الأمن ليصبح لدى الشعوب العربية كافة: الرعب والقمع والتعذيب وزبانية الليل وجلاوزة التعذيب وسفك الدماء. وبفضل قلب معاني القضايا تتحوّل هزيمة حزيران 1967 نصراً، وتنقلب المذابح إنجازات وطنية وتفانياً في خدمة البلد وقائده المفدى، ويغدو الدفاع عن المبادئ الأساسية لكرامة البشر توهيناً لعزيمة الأمة يستحق البطش والتجريم والإفناء.
جاء الاعلان الامريكي بمثابة بشرى سارة للانظمة، فتحت هذا الشعار الواسع اعتبرت الانظمة المستبدة انها حصلت، ليس من امريكا فحسب، بل من العالم أجمع، على رخصة مفتوحة لقمع شعوبها.
في حمأة هجمتها على ‘الارهاب’ انطلقت امريكا تسنّ قوانين الطوارئ وتضيّق على مواطنيها وتتجسس عليهم، وما لبثت ان اجتاحت أفغانستان والعراق وملأت قصص انتهاكاتها لحقوق البشر في ابو غريب والفلوجة وغوانتنامو وسائل الاعلام العالمية، وكل ذلك كان أشبه بعرس كبير للأنظمة العربية.
فاذا كانت أمريكا زعيمة الديمقراطيات الغربية تخترق الشرائع التي استنتها الأمم ‘المتحضرة’ لنفسها فما بالك بجملوكيات الطغاة الصغار أصحاب استفتاءات الـ99% والانتخابات المزورة وبرلمانات التصفيق والهتاف للقادة الأبديين؟
على عكس امريكا التي فوجئت بالارهاب ينقض عليها في بلادها فان الأنظمة كانت في الحقيقة تتعهد هذا الارهاب بالعناية والرعاية ليكون ذريعتها لاطالة قوانين الطوارئ واستمرار الفساد والظلم، ولو أنها لم تجد له أثراً في طول البلاد وعرضها بسبب طول البطش والقمع فانها كانت تسعى لاختراعه وتلفيقه من خلال عمليات كاريكاتورية لا تلبث ان تقبض الأجهزة الأمنية فيها على الارهابيين بمجرد ان ينتهوا من عملياتهم وفي الأغلب قبل أن يفكّروا بها أصلاً.
عملت الانظمة على دفع كل جهد سلمي ومدني وديمقراطي ضدها للاختباء تحت الارض او للاحباط واليأس والاتجاه للعنف لقمعه وتصوير كل نشاط ضدها على انه ‘ارهاب’.
ترفع التيارات السياسية العربية شعارات الديمقراطية هي الحل او الشيوعية هي الحل او الاسلام هو الحل… أما جواب الأنظمة العربية الدائم على كل هذه الحلول فهو: الارهاب هو الحل!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق