مصر تندفع بأقصى سرعة إلى الجحيم، تجاوزت حالة الاستقطاب والتناطح السياسى إلى مرحلة النيران الحية، وتخطت حالة التدافع إلى مرحلة التفكير فى محو وإبادة الخصم، والآن تتطاير مفردات «التحرير» و«الاجتثاث» وتخليص البلاد من الإخوان والإسلاميين، ويصل الشطط والهطل ببعضهم إلى الحديث عن جلاء محمد مرسى والإخوان المسلمين عن مصر.
ولصناعة مناخ بهذه البشاعة لابد أن تعمل ماكينات إنتاج الأكاذيب والشائعات بأقصى طاقتها، وتجرى عملية مزاوجة بالإكراه بين تبر الثورة وتبن الثورة المضادة، ويختلط الحقيقى بالمزيف.
على الصفحة الثالثة من «الشروق» أمس نموذجان صارخان للخلط والتلفيق والنصب السياسى باسم الثورة.. الخبر الأول يقول إن أوبرا باريس وأوبرا براغ أعلنا انضمامها لقافلة المحاربين ضد وزير الثقافة الجديد، (لا أعرف هذا الوزير ولا أرى أنه الأنسب للمنصب فى الفترة الحالية) لكنى أيضا لا أعرف كيف يمتلك بعضهم كل هذه القدرة على الادعاء والتلفيق، إذ يقول العنوان الأول للتقرير نقلا عن مديرا أوبرا مصر المقالة إن الفرنسيس والتشيكيين يتضامنون معها ضد تعسف الوزير بإعلان تعليق العمل فى الأوبرا بالبلدين المذكورين، غير أن العنوان الشارح للتقرير يجزم على لسان مصادر فى أوبرا باريس بأنهم لا يعلمون شيئا عن هذه «العركة» بين موظفى الثقافة المصرية.
وبالصفحة ذاتها وفى موضوع آخر فى سياق منهجية استخدام الكذب كسلاح مشروع تنقل الزميلة منى أبوالنصر عن أمين عام مجمع البحوث الإسلامية نفيا قاطعا لتلك الشائعة التى روجت على أوسع نطاق بشأن مصادرة كتب أستاذ الفلسفة الدكتور حسن حنفى وتكفيره وإخراجه من الملة، وهى الأكذوبة التى جرت عملية تعبئتها وإطلاقها فى سوق التلفيق للتدليل على أن الرئيس وجماعته يحرقون الثقافة المصرية ويطاردون حرية الفكر والإبداع.
لقد دخلنا مرحلة اللعب على المكشوف، وما كان يروج تلميحا صار يعلن عن نفسه تصريحا ورأينا لأول مرة وجوها محسوبة على «الثورة» تجهر بأنه يشرفها أن تكون من الفلول ومعهم ضد محمد مرسى والإخوان، وسمعنا أصواتا تتحدث عن ترويكا للحكم الجديد فى مصر تضم جنرال الثورة المضادة ومرشحين خاسرين وآخرين منسحبين من سباق انتخابات الرئاسة.
ومع دخول يونيو، ترتفع وتيرة الحشد على نحو مجنون، وكالعادة يطل الحشد المضاد برأسه، ففى مواجهة قوات سحب الشرعية من الرئيس القادم عبر انتخابات أكد سلامتها ذوو العقول والضمائر، يأتى إعلان قوى الإسلام السياسى عن خوض غمار المعركة فى التوقيت ذاته دفاعا عن شرعية الرئيس.. وتخيل الموقف ساعتها حين يحتشد الفريقان فى ساحة معركة واحدة.
إنه الحريق الكامل والدمار الشامل لو استمرت عمليات التعبئة بهذه المعدلات المجنونة.. وهذا إن وقع ــ لا قدر الله ــ ستكون أيدى الجميع ملوثة بالدماء، وبشكل خاص عواجيز السياسة وبارونات الفشل والانسحاب الذين قرروا بلا وازع من ضمير أن ينضجوا أحلامهم الخائبة على عظام المصريين وجماجمهم، ويشربون دماء الغلابة نخبا لانتصار هو الهزيمة الحضارية والأخلاقية فى أجلى معانيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق