تشرفت بالدفاع عن الكاتب الساخر المعروف الأستاذ أسامة غريب فى قضايا الرأى التى كان يحاكم فيها أيام النظام السابق ، ومنذ أيام تلقيت اتصالا منه من داخل قسم شرطة المقطم مقبوضا عليه ! فى قضية لا يعلم عنها شيئا بسبب مقال سابق له ينتقد فيه اللواء منصور العيسوى وقت أحداث محمد محمود فى ٢٠١١ ، وفى الصباح أخلى سبيله بعد دفع الكفالة .. وقد رأيت أن أتقاضى أتعابى منه مقالا يخصنى فيه بخواطره عن الحال الراهن ، فكتب :-
حانة ديفارج
أصبحت كلما قمت بمطالعة الصحف أو مشاهدة برامج التوك شو المسائية أتذكر مشهداً خالداً في رواية "قصة مدينتين" للأديب الإنجليزي تشارلز ديكنز..كانت أحداث المشهد تدور في "حانة ديفارج" في ذروة أحداث الثورة الفرنسية، و هناك جلست مدام ديفارج علي الأريكة بجوار زوجها صاحب الحانة مسيو ديفارج حيث انهمكت في إملائه أسماء جديدة لمن حكم عليهم الغوغاء بقطع الرأس بالمقصلة، و كلما نسيت اسماً قامت تستعين بصديقاتها لتذكيرها بمن يتعين قطع رؤوسهم.كانت أصوات الجالسين بالحانة تمتزج بنشوة الشراب و هم يرددون صيحات أشبه بعواء الذئاب استحساناً لإضافة كل اسم جديد!
في ذلك الوقت كانت حياة الناس واقعة تحت رحمة الدهماء الذين عاشوا حالة ثورية جامحة لم يكونوا فيها بالضرورة الأكثر إخلاصاً للوطن، بل إن بعضهم أخفي حقارته و رغبته في تصفية الحسابات الشخصية تحت غطاء الانحياز للثورة، و سمحوا لأنفسهم و هم الذين كانوا الأكثر إخلاصاً في خدمة النبلاء بتشويه من يقف في طريقهم و كتابة اسمه في لائحة الموت!.
يترائي لي هذا المشهد عند قراءة بعض الصحف التي خلت من أي صحافة و امتلأت بعواء الذئاب، و كذلك عند مشاهدة بعض البرامج التي تكاد تتفجر عروق مقدميها و ضيوفهم و هم يعوون و يصرخون و يضيفون أسماء يتمنّون وضع رؤوس أصحابها تحت المقصلة..في حين أنهم هم أنفسهم كانوا أكثر من غيرهم إخلاصاً و تفانياً في مسح الأرضيات و كي الملابس في بلاط نبلاء العهد البائد..هي حقاً حانة ديفارج بُعثت في قلب القاهرة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق