الوفد 23 مايو 2006
عن المثقف والمثقفين
بقلم سيد أمين
منذ زمن ليس ببعيد كنا نعرف المثقف بأنه هو الشخص الذي يعرف بعض الشيء عن كل شيء .. أما الآن فتعريف المثقف بدا شاحبًا تعتريه أمراض مزمنة.. فتارة نجدنا نعتبر أنه المواطن الخارج عن السرب .. وتارة نعتبره ذلك السليط الذي ينزع كل حياء ويستبيح كل مقدس .. وأخري نعتبره انه ذلك الداعي إلي التسليم والانتهازية والتنازل عن كل غال ونفيس بحجة الاحتكام إلي العقل والانطلاق إلي المستقبل .. أو ذلك المتبلد الذي يري أن معاناة الناس ضرورية لاستنباط معني الراحة والدعة.
ومثقف هذه الأيام هو ذلك الذي ينجح بكل بساطة في استفزاز مشاعر الناس والحصول علي أكبر قدر من كراهيتهم وإن شئت احتقارهم.
ناهيك عن مثقفي التيك أواي الذين نجدهم بكل انتهازية يحرمون لهذا ما شرعوه لذاك ويباركون لزيد ما لعنوه في علي.
ولعلي لست أكون مغاليًا لو قلت إن هناك فجوة عميقة بين اهتمامات المثقف واهتمامات الناس .. والمدهش أن تلك الفجوة ليست ناشئة من زيادة في الوعي لدي المثقف أو نقصه لدي العامة .. ولكن لأن كلا منه لا يفكر في الآخر وكلاهما يعمل في جزر منعزلة.
ويصبح فرضًا علي المثقف ألا يطلب من البسطاء الالتفاف حوله .. ولكن عليه هو أن يبحث عن قضاياهم ومشكلاتهم ويسعي لعرضها بصدق وأمانة علي الرأي العام .. وحينما ينجح في ذلك عليه أن يكون واثقًا بأن فطرة هؤلاء البسطاء ستجعلهم يلتفون حوله.
والحقيقة المُرة أن المجتمع فسد حينما فسد مثقفوه .. حينما شغلهم أمر العولمة عن هم البطون الجائعة والأجساد العارية والنفوس المحطمة .. حينما تحدثوا عن لغة "النت" في دولة أقل من نصف سكانها لا يجيد القراءة والكتابة ويعيش الملايين من سكانها في جحور العشوائيات ويتخرج الآلاف سنويًا من مدارسها وجامعاتها لتستقبلهم المقاهي والغرز علي الرحب والسعة.
فسد المثقفون حينما أهملوا الاهتمام بأسمي المهن وأقدمها الفلاحة والزراعة واستنباط الحياة والطعام من بطن الأرض.
فسد المثقفون حينما صمتوا علي مذبحة العمال وتخريب الصناعة وتعجيز الانتاج .. وحينما اعتبروا العامل والزارع والصانع مهنًا لا تستحق ان تأخذ منهم بريق الكاميرا فصنفوها كمهن دنيا.
فسد المثقفون حينما تصارعوا علي فتات يلقيه لهم ذوو النفوذ في الداخل أو الخارج .. نظير شراء ضمائرهم .. فصاروا سوطًا ثالثًا يضاف لسوطي الداخل والخارج يلهبون به ظهور هذا الشعب المسكين.
فسد المثقفون حينما سكنوا في ابراجهم العاجية وظلوا ينظرون إلي الناس باعتبارهم ابتلاء .. وحينما استوعبتهم مارينا ومراقيا وكل امتداد الساحل الشمالي بينما حرقت الشمس والفقر والفساد رؤوس الناس.
فسد المثقفون حينما افتعلوا معارك وهمية وخارج ميدان المعركة الحقيقية لتصفية حسابات هنا أو هناك.
ورغم قتامة الصورة إلا أن هناك لا شك العديد من المثقفين المحدثين الذين امتازوا برؤاهم المتميزة الصادقة .. مضافًا إليهم نخبة رائعة من القدامي الذين شكلوا أساس البناء والمرجعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق