لو أن شخصا متابع لما يجري بمصر، دخل في غيبوبة –كأهل الكهف- لمدة عام ثم عاد اليوم، وفتح عينيه على صحف وفضائيات، سيعتقد أن تلك الصحف تهزي وتفبرك وتقول على الثوار والمناضلين مالا يعلمون.
سيحتاج إلى أن يتخلى عن كل معاني المنطق ليصدق أن المناضل حمدين صباحي قد ذهب مثلا ليدعم النائب العام السابق عبد المجيد محمود، الذي خرجت المليونيات لتنادي بعزله (مهما سقت له من مبررات).
سيحتاج إلى غياب عقلي كامل وهو يري الثوار يقفون في خندق واحد، مع "أسفين يا ريس"، وحملة شفيق.. بل ويسيرون وراء أحمد الزند وتهاني الجبالى، وتوفيق عكاشة ويحملونه على الأعناق، بل ونسمع منهم من يتمني أن يكون مثل عكاشة في نضاله ضد الإخوان.
وعليه أن ينسي كل مرادفات الثورة والجهاد ضد مبارك والفلول والديكتاتورية، ومعركة الجمل، و"البنبوني"، وهو يقرأ خبر زيارة المناضل خالد يوسف لأحمد شفيق في دبي لينسقوا للانتخابات البرلمانية السابقة، دون ان نري تعليق لأى من الذين ملأوا الدنيا صراخا لزيارة عمرو موسي، خيرت الشاطر.
وسيكون مكلفا بنسيان كل ما قرأه وما رآه، من أولئك الذين حملوا الكوفية الفلسطينية على أكتافهم، وداروا بها على زعماء المقاومة المزعومة ( الأسد الأب والإبن، القذافي، وصدام حسين)، يجمعون ثمن تأييدهم لقضية الوطن العربي، ويشترون الشقق الفاخرة، ويفتحون المكاتب في المناطق الراقية .. يجب أن يمسح كل هذا من ذاكرته، وهو يراهم يهاجمون حماس، ويصفونها بالفصيل الذي دمر فلسطين، والقضية، ويريد تدمير مصر.
ولن يصدق أذنيه وهو يسمع من الذين ملأوا الصحف والقنوات والمؤتمرات ضجيجيا، وعويلا على حقوق الإنسان –وربما الحيوان- المهدرة، يتباهون الآن بأنهم سيعيدون الإخوان إلى سجونهم، ويعايرونهم بسجنهم الذى كان في الأصل اعتقالات سياسية ( بل وأكل هؤلاء النشطاء "الشهد" من وراء دفاعهم عن الإخوان المعتقلين بالسجون).
وعليه أن ينسي كل ما تعلمه عن معاني الوطنية، وحب الوطن، وأغاني حليم وأم كلثوم قبل أن يري الشماته في أعين النخبة من بناء أثيوبيا للسد، ورفض الرموز السياسية لحضور اجتماع دعا إليه رئيس البلاد (كائنا من كان)، لبحث خطورة ذلك السد على مصر، وكيفية مواجهة المشكلة قبل عطش المصريين.
عليه أن ينسي معني المراهقة السياسية، والعته الفكري وهو يري شابا معارضا لأول رئيس مصري منتخب يقف وسط اجتماع للدول العربية، ويقول مرسي وحكومته لا يمثلونا، ويفسد أجواء المؤتمر، ويصدق أن ذلك نشاط سياسي معارض، يخدم الوطن.
ويحتاج إلى أن يلغ عقله تماما قبل أن يري مناضلي الأمس الذين كانوا يقولون في فساد مسؤولي وزارة الثقافة ما قال مالك في الخمر، يقفون الآن ضد محاولة إخراجهم منها.
وأخيرا عليه أن يتجرد من عقله وقلبه ومشاعره، وينسي أن حب الوطن هو الغاية، وليس المصالح السياسية، وقبل أن يري من يرفض المشاركة في مواجهة أزمة تتهدد كل المصريين بالعطش، بحجة عدم إعطاء فرصة للنظام لتجميل وجهه.
وربما يفكر في العودة إلى غيبوبته مرة أخري حين يري الثوار يقفون في خندق واحد مع الزند وعبدالمجيد محمود وتهاني، وبكري، ولميس، وعكاشة، والبدوي، وشفيق، وأبو حامد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق