د.يحيى القزاز
بعملية مسح سريعة على
المشهد السياسى نكتشف أن الحكومة التى شكلها الرئيس د.محمد مرسى هى خليط غالبيته من
فلول النظام البائد وأقلية من جماعة الإخوان، وليس لأحد الحق أن يعارض الرئيس فى اختياراته
فهذا حقه طبقا للغطاء الديمقراطى الذى نصبه رئيسا للبلاد منذ اختطاف الثورة، بعد استفتاء
19 مارس الشهير الذى شرخ جدار الوطن، وجعل الثورة فى مهب الريح. وبإعادة المسح نكتشف
أن الجهاز الإدارى غالبيته من فلول النظام البائد ويتحكون فى "سرة" ومفاصل
الدولة بمشاركة أقلية إخوانية.
لم يكن الرئيس مضطرا
لاختيار غالبية حكومته من الفلول وحقه فى اختيارها كاملة من جماعته، والاختيار تعبير
عن نية وقناعة وتوجه ومسلك، وفى أول اختبار اختار الرئيس د.مرسى شراكة مع الفلول وعقد
معهم تحالفا، وصار مايحكمنا حاليا بعد ثورة 25 يناير هو تحالف "الإخوان"
والفلول" وهو مانطلق عليه اختصارا مصطلح "الإخوافِل" بكسر الفاء. والتناقضات
واضحة بين أقوال وتصرفات الرئيس مرسى، بينما يرسل الطمأنينة للبعض بالقول يبعث على
القلق بالتصرف لدى البعض الآخر، وعلى سبيل المثال: فى رحلة الرئيس للصين اصطحب معه
"رجال مال" منهم مشبوهين من نظام مبارك. وفى الصحافة قام بتعيين بعض رؤساء
مجالس إدارة ورؤساء تحريرصحف ليسوا فوق مستوى شبهات التطبيع مع العدو الصهيونى، وكأن
الثورة انقلاب أطاح بـ "مبارك" وجاء بـ "مرسى" على نفس الكرسى
وبنفس السياسات السابقة للنظام البائد التى تقوم على السوق الحر، وجذب الاستثمارات
لخدمة رجال المال، وتأكيد سياسة "النهب مالية" التى أرسى قواعدها نظام مبارك
فى حكومة "اتحاد ملاك مصر" التى رأسها د. أحمد نظيف المسجون حاليا فى قضايا
فساد.
أجرت إحدى الصحف الامريكية
حديثا مع الرئيس مرسى"طالب فيه مرسى الولايات المتحدة الأمريكية بإعادة التحالف
مع مصر"، وهو الأمر الذى لم يستطع أن يفعله المخلوع "مبارك" علانية
مع أمريكا بالرغم من انبطاحه خلسة وخيفة.. كان يخاف أن يجاهر بمعصيته أمام شعبه، والرئيس
المنتخب يطالب بعودة التحالف، وعلى رؤوس الأشهاد وبطريقة لاتليق لا بالرئيس ولا بالشعب،
ولا أظن أن الرئيس مرسى يريد أن يهين الشعب أو أن يستقوى بجماعته فى رسالة واضحة لأمريكا
بأنه الرجل القوى الذى لايخفى شيئا على شعبه حتى وإن كان فيه استجداء لأمريكا وإهانة
لهذا الشعب العظيم، وهو يعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية هى عدونا الاستراتيجى ،
وإنها الحية وإسرائيل رأسها المجاور لمصر.
التصريح الذى قرأته
ولم اسمعه من الرئيس مرسى ونسب إليه بتبرئة المجلس العسكرى من قتل الثوار والمتظاهرين
سلميا وادعائه بأن المجلس العسكرى حمى الثورة تصريح مريب. التصريح المنسوب يؤكد إما
سفه واختلال القوى العقلية لقائله أو إفك مدعيه وخيانته للثورة واحتقاره لدماء الشهداء
وتضحيات المصابين، وهى جرائم تقع تحت طائلة قانون الخيانة العظمى وتستوجب المحاكمة
والقصاص.. التصريح هو شهادة زور يعرف وزرها كل مسلم بسيط عاقل رشيد. براءة المجلس العسكرى
من دم الثوار تعنى إدانة مليشيات الإخوان بقتلتهم (حسب اتهام المرشح الجنرال شفيق أحد
رجال المجلس العسكرى لجماعة الإخوان بارتكاب مذبحة موقعة الجمل). ذكرنى التصريح المنسوب
للرئيس بحوار مع صديق عزيز لدى ينتمى للجماعة قال بالحرف "انا ضد محاكمة المجلس
العسكرى لأنه حمى الثورة فى ايامها الاولى وهذا رأيى وليس رأى الإخوان" ضحكت قائلا
"بل قل حما الجماعة وتواطأ معها فى سرقة
الثورة". لا أريد أن أخوض فى الماضى القريب، وكلنا يعلم كيف صمت الإخوان، وهم
مشغولون بانتخاباتهم البرلمانية نهاية عام 2011 عن قتل المجلس العسكرى للثوار فى شارع
محمد محمود وشارع القصر العينى وامام مجلس الوزراء، وعن ركل جثث الشهداء وإلقائها فى
القمامة، واتهام الإخوان للثوار بالبلطجة وتعطيل المسيرة الديمقراطية التى جاءت بهم
نواب الأغلبية فى البرلمان بشعبتيه. مفارقة غريبة ثوار يضحون ويستشهدون من أجل الثورة وآخرون يصعدون على أطرافهم المبتورة
وجثثهم المركولة إلى كرسى الحكم . من مميزات الرئيس د.محمد مرسى الوضوح والإعلان عن
خصوماته التاريخية. الخصومة مع الأفراد واردة أما مع التاريخ فهى جهل بحقائق الماضى.
لانعلم إلى اين نجن
ذاهبون فى ظل تحالف "الإخوافِل"، ونفس ممارسات الماضى البغيض تتكرر فى عهد
الثورة المجيد، اتهام من ينتقد الرئيس مرسى ويساوى بيته وبين شفيق بأنه "يسئ إلى
مصر"، نفس تهم النظام السابق لمعارضيه. الذى ساوى بين شفيق ومرسى هو من قبل منافسته
فى انتخابات الرئاسة أولا وبالأخص فى الإعادة، ومصر أكبر من أن تختزل فى أى كائن من
كان. الإخوان يتهمون من لم يقف معهم وصوت لصالح شفيق بالخيانة، وهو قول حق لمن كان
ضد شفيق ورفض منافسته فى انتخابات الرئاسة النهائية، أما من قبلها مع فرد من النظام
البائد وتواعد وتواطأ سرا مع ممثليه، وتحالف مع فلولهم فى الحكم فلايحق له أن يتهم
أحدا بالخيانة، فالخيانة لصيقة بالممارسات الفعلية الواضحة التى لاتقبل الشك. ومازلنا
فى امتداد حكم مبارك، نعيش فى رحاب تحالف "الإخوافِل" بحكم "الإخوافِل"
فى زمن "الإخوافِل". نحن بحاجة إلى
استعادة الثورة من خلال خيارين إما ثورى بالنزول إلى الشوارع والميادين أو شبه ديمقراطى
من خلال انتخابات برلمانية غير متكافئة تتطلب اتحاد كل القوى الوطنية وتناسى الخلافات
الصغيرة فى مواجهة التيار الطائفى.
نشر فى التحرير يوم
الاثنين 1/10/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق