23 أبريل 2015

محمود المختار الشنقيطي يكتب : الغرب .. حين يراقبنا مراقبة من يرى؟

حين أفكر في الفرق بيننا وبين الغرب،والسؤال التقليدي .. متى أو كم تبلغ المسافة – الضوئية – بيننا وبين التقدم الغربي؟
أتذكر قول الدكتور جلال أمين :
(اكتشفنا – أو اكتشف بعضنا على الأقل – أن التقدم ليس حتميا،وأن التاريخ الإنساني ليس كالسلم الذي يقف البعض على درجاته العليا والبعض الآخر على درجاته الدنيا،ولا هو كالطريق الواحد الذي يتقدم فيه البعض خطوات على الآخرين،وإنما كمجموعة من الطرق المتشعبة،لكل طريق مزاياه وعيوبه،واختار الغرب أن يسير في أحدها فكسب أشياء وخسر أشياء،وأن هذا الاختيار كان تحكميا إلى حد كبير،ومحكوم بظروف اجتماعية وبيولوجية ونفسية مختلفة،ومن السخف محاولة إقناعنا بأن هذا هو "الطريق الوحيد"الذي يمكن السير فيه،ويجب السير فيه بسرعة وإلا كنا متخلفين (..) أما التخلف فأنا أعرفه الآن ما هو إنه ليس إلا هذا الشعور بالعار فأنت لست متخلفا إلا بقدر شعورك بالعار إزاء هؤلاء الذين يسمون أنفسهم"متقدمين"وسوف تظل متخلفا مهما زاد متوسط دخلك ومهما ارتفع معدل نموك ومهما زاد ما في حوزتك من سلع وخدمات طالما أنك تشعر بالعار لأنك لا تملك ما يملكونه){ (التنوير الزائف ) / د.جلال أمين / دار المعارف / سلسلة اقرأ}.
القضية التي أكتب عنها لا تتعلق بالطريق الذي اختار الغرب أن يسلكه،والبحث عن طريق آخر يناسب أمتنا حسب ظروفها الدينية والبيولوجية والنفسية .. فتلك قضية أخرى تماما.
الحديث هنا عن دراسة الغرب لنا،لتكون ردة فعلنا متوقعة بالنسبة له،وسعيه الدائب لنظل (مكانك سر) ونحن نظن أننا نعدو!!
قبل أن أنسى العنوان أعلاه يشير إلى قصة تراثية،تقول أن رجلا أكل عند آخر،فنبهه إلى وجود شعرة في لقمته،فرد عليه :
هل تراقبني مراقبة من يرى الشعرة في اللقمة؟ والله لا آكلتك أبدا.
هذه الأسطر متعلقة بالحديث عن كتابين،وعن مراقبة الغرب لنا – إن صح التعبير – مراقبة من يرى (قولبة أجساد النساء) .. ولكن هذه نقطة من الأفضل تأخيرها لوقتها،خصوصا أنها تكشف – ربما كأنموذج – سطحية كاتب هذه الأسطر،في مقابل (تعمق) ذلك الغربي!!
الكتاب الأول يتعلق برحلة قام بها مجموعة من العلماء سنة 1761 م. وأعني كتاب (من كوبنهاجن إلى صنعاء)،لمؤلفه توركيل هانسن،وقد نقله إلى اللغة العربية،الدكتور محمد أحمد الرعدي،ونشرته دار العودة ببيروت،والطبعة التي بحوزتي هي الطبعة الثانية 1983م.
سنلقي نظرة على بعض التوصيات،أو النصائح التي أعطيت للعلماء :
(6 - على كل منكم التعامل مع (المحمديين) في حذر شديد،واحترام دينهم،وعدم التصرف مع نسائهم،بحرية كما يتصرف،مع النساء الأوربيات. (..)وحين تقومون بحساب خطوط الطول والعرض،عليكم أن تجمعوا المعلومات لعمل خرائط للمناطق التي تمرون بها،وعليكم ملاحظة الاختلافات التي يمكن أن تكون بين الفصول الجافة والفصول الممطرة،وعليكم الاهتمام بأي شيء أثري من العصور القديمة،ووجهوا هممكم أيضا إلى حجم السكان وإلى خصوبة الأرض.وأكثر من هذا عليكم أن توجهوا أهمية خاصة لحركة المد والجزر في البحر الأحمر،والعلاقات بين الأحياء والأموات،وإلى تأثير تعدد الزوجات في زيادة ونقصان السكان،وإلى العلاقات بين الرجل والمرأة،وإلى عدد النساء في المدينة والريف.
على الدكتور كرامر أن يولي اهتمامه بالأمراض الخاصة بالمناطق المزارة،وبالقيام بمكافحتها،وستكسبون ثقة العرب بمساعدة مرضاهم.
11- على البروفيسور فون هافن أن يلاحظ تقاليد وعادات أهل البلاد،وخاصة تلك التي ألقى عليها القليل من الضوء الكتاب المقدس والقوانين اليهودية،وعليه أن يعمل ليكتشف بقدر الإمكان كل شيء عن العرب والإسرائيليين والسوريين،وأن يطلع على طقوس وعادت الوثنيين قبل الإسلام،ويسجل أي اختلافات يجدها عما جاء في التوراة المكتوبة باللغة القديمة،وعما جاء في المخطوطات اليونانية. وأية مخطوطات قديمة عربية أو شرقية لا يستطيع تفسيرها،عليه أن ينقلها طبق الأصل.
12- على البروفيسور فورسكال أن يجمع المعلومات عن الحيوانات والنباتات وعلى الأخص تلك التي جاء ذكرها في التوراة.){69 – 71 ( من كوبنهاجن إلى صنعاء)}. 
من اللافت للنظر أنه حتى قبل الوحدة الأوربية،وإبان الصراع – والحروب – بين أوربا،خصوصا على المستعمرات،كان هناك نوع من التعاون العلمي بين الجامعات،وقد كان من مهام البعثة أن تجيب على التساؤلات التي تأتيها من الجامعات،وعند وصول البعثة إلى القسطنطينية : 
(كان البريد في انتظار أعضاء البعثة لدى السفير،وقد حوى رسائل كثيرة من كل الجامعات الأوربية تطلب من أعضاء البعثة أن يقوموا بفحص ودراسة جميع المشاكل التي يمكن إدراكها،صغيرها وكبيرها،ابتداء من موضوع،هل يجد الرجل المختون متعة "جنسية"أكبر من الرجل غير المختون .. وانتهاء بموضوع،إلى أي مدى يمكن اعتبار الصحراء العربية المجدبة بداية توسع الجفاف وزحفه على العالم أجمع.){ص 101 (من كوبنهاجن إلى صنعاء)}.
من سنة 1761 سننتقل إلى العصر الحديث،وإلى سفير فرنسا لدى إيران،وقد عمل هناك بعد 2001م. رغم كل التغيرات،إلا أن هذا السفير لا زال يرسل للغرب رصدا لأحوال دول الشرق الإسلامي!!
هنا أعود إلى الاعتراف السابق بنظرتي السطحية !! نعم. ما أكثر المرات التي أشدت فيها بحجاب مذيعات قناة المنار الشيعية – وقناة السودان السنية – وأن حجابهن يدل على اقتناعهن بالحجاب،عكس بعض مذيعاتنا (المُهَرّبات) .. أي لخصل شعرهن ... إلخ.
يبدو الأمر (أعمق) من تلك الصورة السطحية التي ارتشفتها من نظرة هنا وأخرى هناك .. إن السفير الفرنسي،فرانسوا نيكولو .. يتحدث بـ(عمق) عن حجاب،وما وراء حجاب المرأة الإيرانية،والصراع الدائر هناك في إيران .. يقول السفير .. ( في البداية قاتلت المرأة من أجل التعبير العام عن نسويتها،وسبب هذا أن ما يعتبر في أماكن أخرى من أمور الموضة الصغيرة،يأخذ في إيران بعدا في المراوغة السياسية.
إنها مراوغة سياسية أن قامت الفتيات الشابات بتقصير معطف "الروبوش"إلى خط الركبة،حيث شوهد هذا حتى في الأحياء الشعبية،مع أن معايير النظام أن يصل الطول حتى منتصف ربلة الساق،إنها مراوغة سياسية،أن ترتدي الفتيات"البيمبو الإسلامي"يتجولن به في شوارع شمال طهران : حذاء عالي الكعب يسبب الدوار،بنطال من الجينز مع قميص ذي طيات،ربوش قصير جدا بثلاث قصات مختلفة،وقميص وردي فاتح،أو أخضر بلون النعناع،أو أزرق بلوم الخزامى يضيق في الأسفل كأنه من قماش السترش فيقولب الجسد ويبالغ في إبراز الردفين،وغطاء رأس صغير يسمح بانفلات خُصلات كبير من الشعر الداكن اللون،و"ماكياج"متعدد الألوان مرسوم بشفافية،وأظفار مطلية بعناية في القدمين كما في اليدين،ونظارات شمسية،,قطعى لبان "تطقطق"في الفم توحي بالتحدي.
إنها مراوغة سياسية،أن ترتدي الفتيات الشابات واقيات الوجه الواسعة للاعبات الجولف أو التنس وخاصة في الصيف،وقد استخدمت المتنزهات من مختلف الأعمار وحتى داخل المدينة.){ص 148 – 149 العمامة والوردة ) / فرانسوا نيكولو / ترجمة : مروان حموي / العبيكان / الرياض / الطبعة الأولى 1429هـ = 2008م}.
ونصل إلى "دليل السذاجة"يقول السفير : :
( إنها مراوغة سياسية أيضا،وأخيرا،هذا الانقياد الكاذب للنساء المرتبطات بالحياة العامة واللاتي يتمتعن بثقة شخصية بالنفس. إذ تستخدم الكثير منهن هذا الإشارب أو حتى الحجاب المتدلي على الكتفين،في المكاتب وفي الجامعة لأنه سيبقى في مكانه طول النهار كي يرسم بدقة استدارة الوجه دون أن ينتهك معايير الحشة الإسلامية،ونادرا ما يكشفن طرفا من شعرهن،كما أن الجسد لا يترك مجالا لمعرفة تفاصيله إلا إذا أطلقنا المجال للخيال،أما الأجزاء الظاهرة للعيان،أعني بها الوجه واليدين،ثم القدمين،تمضي هذه النسوة وقتا طويلا في فصل الصيف خاصة،للعناية بها بشكل خاص في جلسات تدليكالأظفار،الحاجبين،الرموش،الجبهة،الأنف،الوجنتين،خط الشفتين،ووضاءة البشرة،كل ذلك يصبح موضوعا يحتل المركز الأول في التفكير،وإذا لزم الأمر لا مانع من إجراء عملية تجميلية،كل ذلك لجعل كل هذه التفاصيل عملا فنيا.
إذا لم يمت تحت الإثارة في إيران،وحتى إنه – كما تقول الفحوصات الدماغية – أصبح يواجه ضغطا أكبر،لقد ظهر من شهادات لشبان جمعها علماء اجتماع – وهذا متوقع – أن الشادور نفسه قد انتهى به الأمر ليصبح أداة إثارة وتغذية للمخيلة،ومثلما يحدث عندنا – في الغرب – حاملات الجوارب النسائية "الجرتيير". إنه مجرد استبدال للأشياء.
وما يدعو للكثير من الاستغراب،أن لعبة القط والفأر والتي تلعبها النساء مع المعايير الإسلامية ما زالت تمارس في عهد الرئيس أحمدي نجاد ..) {ص 150 ( الوردة والعمامة}.
ختاما .. لافتٌ جدا قول السفير :
(إذا لم يمت تحت الإثارة في إيران،وحتى إنه – كما تقول الفحوصات الدماغية – أصبح يواجه ضغطا أكبر،لقد ظهر من شهادات لشبان جمعها علماء اجتماع – وهذا متوقع – أن الشادور نفسه قد انتهى به الأمر ليصبح أداة إثارة وتغذية للمخيلة،ومثلما يحدث عندنا – في الغرب – حاملات الجوارب النسائية "الجرتيير". إنه مجرد استبدال للأشياء.).
إذا .. فالمرأة تحجبت، مثل الإيرانية،أو تعرت،مثل الفرنسية .. فهي فريسة للرجل .. وسيتفرس الرجل في المرأة العارية .. ويعمل"المخيلة"في المرأة المحجبة!!

ليست هناك تعليقات: