سبق للأهرام أن نشرت فى 14 /12 /2014 خبرا عن القضاة المحالين للصلاحية فى ذلك الوقت واعتبرتها خطوة لتطهير القضاء، ورغم عدم صحة هذا الطرح، ورغم صمتها عن واقعة الفساد التى نشرتها هى عن بيع الزند لأرض نادى قضاة بورسعيد لأحد أصهاره بثمن يقل عن ثمن المثل بعدة ملايين مما يعنى أن الأهرام غير معنية بقضية تطهير القضاء إلا لما صمتت عن قضية الفساد التى نشرتها هى، ورغم ذلك سأفترض حسن النية، وأن الأهرام لا تتبنى حملة لتشويه هؤلاء الشرفاء.
كما سأفترض حسن النية فيما كتبه د.عمرو عبد السميع بذات الصحيفة فى 17 /3 /2015، واتهامه القضاة الذين قضى مجلس الصلاحية بإحالتهم للمعاش بسبب إصدارهم بيان الدفاع عن إرادة الأمة ومطالبتهم احترام نتائج الانتخابات التى أشرفوا عليها بعدة اتهامات تنال منهم دون سند من واقع أو قانون.
سأفترض أنهما كانا ضحية إعلام التنظيم الطليعى، والأكاذيب التى أشاعوها وروجت لها أذرعهم الإعلامية، ثم ضحية الاعتقاد بأن الحكم الصادر ضدهم قد بنى على أدلة وبراهين ساطعة ضد هؤلاء القضاة حسبما اعتقد الدكتور عمرو.
ولما كان هذا الأمر غير صحيح جملة وتفصيلا، وأن الحقيقة عكس ذلك تماما، وأن ما يجرى هو محاربة الشرفاء والتنكيل بهم، فى مقابل ذلك التستر على الفاسدين وحمايتهم فلم تتخذ ضد الزند ورفاقه أي إجراءات قبلهم فى عشرات البلاغات المقدمة ضدهم، وتم إغلاق ملفات الاستيلاء على أراضى الحزام الأخضر وأراضى الحمام، وتزوير الانتخابات، وقبول الهدايا وغيرها مما يعرفها رجل الشارع.
وحتى لا يكون حديثنا إنشائيا عاطفيا، وإنما حديث موضوعي موثق لكى نتبصر حجم الأزمة التى يعيشها الوطن عندما تنزوى عنه شمس العدالة، وتمتهن أحكام القانون، سأسرد لكم بعضا مما جرى فى هذه المأساة على النحو الآتى:
أولا: أنه بمجرد إلقاء البيان قام مجلس إدارة نادى القضاة بشطب عضوية هؤلاء القضاة من النادى، وليس لهذا الإجراء سند من القانون أو لائحة النادى.
كما أن تعديل اللائحة يحتاج إلى موافقة ثلثى الأعضاء أى نحو عشرة آلاف قاض، وهو عدد لم يتحقق فى أى جمعية عمومية للقضاة طوال تاريخ النادى، ما يجعل ادعاء النادى تعديل اللائحة محض افتراء.
ثانيا: تقدم السيد الزند ورفاقه بشكوى لمجلس القضاء الأعلى فى اليوم التالى فأرسلت الشكوى لوزير العدل الذى طلب من محكمة استئناف القاهرة ندب قاض للتحقيق، فقام المستشار نبيل صليب بندب القاضى محمد شرين ـ والمعروفة صداقته القوية بالمستشار الزند ـ لتحقيق شكوى المستشار الزند ورفاقه ضد هؤلاء القضاة.
وهذا الإجراء غير صحيح وصادر من غير ذى صفة مخالفا لصريح نص المادة 65 من قانون الإجراءات الجنائية قبل تعديلها والتى جعلت الاختصاص بندب قاضى التحقيق للجمعية العامة للقضاة دون غيرها.
ثالثا: دفع بعض القضاة أمام قاضى التحقيق فى مذكراتهم بانعدام قرار ندبه لصدوره من غير ذى صفة.
لم يرد القاضى على الدفع خلال الميعاد المنصوص عليه قانونا فى المادة 82 من قانون الإجراءات الجنائية، واستمر فى مباشرة التحقيق حتى نهايته.
رابعا: بتاريخ 24/ 8 / 2013 قام قاضى التحقيق باختيار 13 قاضيا وأصدر قراره بمنعهم من السفر دون أي أسس موضوعية تبرر اتخاذ هذا القرار وقبل سؤال المبلغين وقبل سؤال القضاة، ودون تحرير أسباب القرار ودون تحديد مدة للمنع خلافا للقانون.
خامسا: إذا كان التحقيق يعنى استظهار وجه الحق فى النزاع، فإن من البديهى أن يواجه المدعى عليه بما عسى أن تضمه أو تظهره التحقيقات من أدلة وقرائن.
ورغم ذلك لم يواجه قاضى التحقيق القضاة بتحريات الأمن الوطنى والتدوينات التى وصلت إليه ـ لم يثبت بالتحقيق كيفية وصولها للمحقق ـ والتى قيل إنها مستخرجة من صفحات القضاة بمواقع التواصل الاجتماعى، وذلك حتى يبدى كل قاض ما يعن له من ملاحظات بشأن صلته بها وتعقيبه عليها.
سادسا: قام قاضى التحقيق باختيار 60 قاضيا من بين 75 قاضيا وطلب إحالتهم لمجلس الصلاحية دون استناد لأي أسباب موضوعية، ومن المفارقات أنه طلب إحالة قاض قام بسؤاله دون أن يوجه له اتهاما، بينما أصدر أمرا بألا وجه لإقامة الدعوى قبل عدد من القضاة ومنهم من وجه إليه أكثر من اتهام دون أن يحرر أي أسباب للأمر، مع التأكيد على أن جميع القضاة لم يرتكبوا جرما أو يقترفوا إثما وأن الواقعة ما كانت تستحق التحقيق أصلا، خاصة أن أغلب هؤلاء القضاة كانوا قد أصدروا عدة بيانات تتضمن الدفاع عن سيادة القانون واحترام إرادة الأمة وحقها فى الحرية واختيار ممثليها، وعدم جواز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى وغيرها من المسائل التى تشكل هموم الوطن، وذلك خلال حكم حسنى مبارك وأيضا خلال حكم الدكتور محمد مرسى دون أن تتخذ أي إجراءات ضد أحدهم.
مع ملاحظة أن المادة 154 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت اشتمال الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى على الأسباب التى بنى عليه، وهو ما لم يلتزمه قاضى التحقيق.
سابعا: قام وزير العدل بإصدار القرار رقم 234 لسنة 2014 بتاريخ 21 / 10 / 2014 بإحالة 56 قاضيا لمجلس الصلاحية بناءً على طلب رئيس محكمة استئناف القاهرة حسبما ورد فى ديباجة القرار ونهايته، وهؤلاء القضاة منهم ثمانية قضاة بمحكمة استئناف القاهرة فقط، وأما الباقون فهم ثمانية من نواب رئيس محكمة النقض، وأربعة عشر رئيسا بمحاكم استئناف الإسكندرية وطنطا والمنصورة والإسماعيلية وبنى سويف وقنا، وستة وعشرين قاضيا ورئيسا بالمحاكم الابتدائية المختلفة.
وحيث إن المادة 111 فقرة 1 من القرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 فى شأن السلطة القضائية المعدل قد نصت على أنه "إذا ظهر فى أى وقت أن القاضى قد فقد أسباب الصلاحية لولاية القضاء لغير الأسباب الصحية، يرفع طلب الإحالة إلى المعاش أو النقل إلى وظيفة أخرى غير قضائية من وزير العدل من تلقاء نفسه
أو بناء على طلب رئيس المحكمة ـ أى التى يعمل بها القاضى ـ إلى المجلس المشار إليه فى المادة 98".
ولما كان قرار الإحالة قد شمل ثمانية وأربعين قاضيا بمحكمة النقض والمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف الأخرى عدا القاهرة، وكان هذا القرار لم يصدر من وزير العدل من تلقاء نفسه، وإنما صدر بناءً على طلب رئيس محكمة استئناف القاهرة دون غيره من رؤساء المحاكم الأخرى التى يعمل بها القضاة الثمانية والأربعين حسبما ورد بديباجة القرار ونهايته، ومن ثم فإن إحالة هؤلاء القضاة تكون قد تمت بقرار منعدم لا يرتب أثرا، ويكون اتصال المجلس بالنسبة لهم
غير قائم على سند صحيح من الواقع والقانون.
ثامنا: رفض مجلس الصلاحية عقد الجلسات علنية، ورغم طعن القضاة بعدم دستورية المادة 106 من قانون السلطة القضائية التى نصت على أن تكون الجلسات سرية، وذلك لمخالفتها المادة 187 من الدستور التى نصت على أن جلسات المحاكمة علنية، وهذا النص هو الواجب التطبيق.
ورغم ذلك رفض المجلس عقد الجلسات علنية مصًرا على مخالفة النص الدستورى، ولا شك أن عقد الجلسات علنية كان سيتيح للقضاة كشف الحملة ضدهم ونفى مخالفتهم القانون، وفضح الأكاذيب التى تروج ضدهم والعوار القانونى الذى شاب محاكمتهم والسعى للتنكيل بهم أمام الرأى العام ومنظمات المجتمع المدنى والمنظمات الحقوقية.
تاسعا: طلب القضاة مناقشة المبلغين فى بلاغهم وأدلتهم على دعواهم، وسؤال ضابطى الأمن الوطنى فى تحرياتهم ومواجهتهما بوقائع التزوير التى تضمنها محضرى التحريات.
ولكن المجلس للأسف الشديد لم يستجب لكل طلبات القضاة بشأن استدعاء الشهود، ولم يتخذ الإجراءات التى نص عليها القانون بالنسبة لمن تخلف منهم عن الحضور.
عاشرا: طعن القضاة على محضرى تحريات الأمن الوطنى بالتزوير، وقد حال المجلس بسلوكه دون إعلان ضابطى الأمن بمذكرتى شواهد التزوير، وأصدر قرارا بحجز الدعويين للحكم فى غيبة القضاة وانصراف أعضائه حال انتظار القضاة عودة المجلس للانعقاد واستكمال الجلسة، فى سلوك يتنافى تماما مع أحكام القانون وقيم وتقاليد القضاء.
حادى عشر: قام المجلس بحجز الدعويين للحكم قبل أن يبدى أى من القضاة دفاعه، وقبل أن تتهيأ الدعويان للفصل فيهما بتقديم المستندات وإبداء الدفاع خلافا لنص المادة 131 من قانون المرافعات.
ثانى عشر: انتهى الحكم إلى أن الطعن بالتزوير على التحريات غير منتج، ومؤدى ذلك استبعاد هذا المستند وعدم جواز الاستناد إليه لأن الأدلة توافرت لديها من طريق آخر، إلا أن المحكمة قد خالفت هذه القاعدة واستندت للتحريات فى إدانة القضاة، كما استند إلى تدوينات تم الحصول عليها بطريق لم يكشف عنها التحقيق، ولم تعرض عليهم لإبداء ملاحظاتهم عليها.
ثالث عشر: أغفل الحكم الرد على الدفع بانعدام اتصاله بالدعوى، كما رد برد غير سائغ قانونا على الدفع ببطلان التحقيق.
رابع عشر: لم يتم النطق بالحكم فى جلسة علنية، وقد تغيب سكرتير الجلسة عن مكتبه ولم يظهر إلا بعد الثانية ظهرا ومعه صورة ضوئية من منطوق الحكم، وقد تضمنت نسخة الحكم أن الجلسة انعقدت فى الثامنة والربع صباحا بمدينة القاهرة فى سابقة ليس لها مثيل على مستوى محاكم مصر.
هذه بعض المآخذ على ذلك الحكم الذى انتهى إلى إحالة 41 قاضيًا للمعاش منهم 12 قاضيًا بالمحاكم الابتدائية لن يحصلوا على معاش.
والأسئلة التى تطرح نفسها على الآهرام والدكتور عمرو عبد السميع، وتحتاج للإجابة عليها منكم كالآتى:
1ـ هل يقبل أحد منكم أن يباشر التحقيق معه قاض غير محايد ومنتدب بطريق مخالفة للقانون مخالفة صريحة ليس فيها مجال للاجتهاد؟
2ـ هل يقبل أحد منكم أن يقوم قاضي التحقيق بحجب الأدلة والقرائن الموجودة بالدعوى فلا يعرضها عليكم لإبداء دفاعكم بشأنها؟
3ـ هل يقبل أحد منكم أن تتم إحالته للمحاكمة بإجراءات باطلة بطلانا مطلقا لا يختلف فى بطلانها اثنان؟
4ـ هل يقبل أحد منكم أن يحاكم أمام قاض له رأى مسبق فى النزاع؟
5ـ هل يقبل أحد منكم أن يطلب مناقشة الشهود وضابط الأمن الوطنى فى محضره فتصادر المحكمة حقه؟
6ـ هل يقبل أحد منكم أن يطعن على محضر التحريات بالتزوير ويقدم مستندات رسمية تثبت التزوير ثم تطرح المحكمة التحريات لأن الطعن عليها بالتزوير غير منتج، ثم تعود للاستناد إليها فى إدانتكم؟
7ـ هل يقبل أى منكم أن تصادر المحكمة حقه فى الدفاع وتسارع بحجز الدعوى للحكم قبل أن يقدم دفاعه ومستنداته؟
8ـ من منكم يقبل أن يحاكم على ما يسنده إليه خصمه، وفى ذات الوقت تتم حماية خصمه فلا تتخذ ضده أي إجراءات فى البلاغات والجرائم التى يرتكبها هذا الخصم فى تطبيق فاضح لسياسة الكيل بكيلين؟
9ـ هل يملك أحدكم تعليلا لمصادرة المجلس حق القضاة فى الدفاع عن أنفسهم، ومؤاخذتهم بتحريات مزورة، وبأدلة لم تعرض عليهم ولم يسمع دفاعهم بشأنها؟
كل هذه الخطايا قد وقعت مع القضاة، فهل ترى بعد ذلك أن الوثيقة التى أصدرتها المحكمة تستحق أن تسمى حكما، ناهيك عن أن تكون دليلا وبرهانا ساطعا على أحد.
من أراد الاطلاع على أي مستندات تتعلق بهذا الحكم فليوافنى فقط بكيفية إرسالها له.
ومن أراد استيضاحا فليدلنى على ما غمض عليه، وسأتولى البيان.
يا سادة إن ما يجرى مع هؤلاء القضاة جريمة فى حق الوطن، ونذير شؤم على غياب العدالة، والتى بغيابها تنهار الدول، وتزول الحضارات، وليس لها نهاية سوى سيادة الفوضى وشريعة الغاب، فهل هذا هو الحلم الذى تحلمون به لوطنكم، والمستقبل الذى ترجونه له؟
يا سادة أما سمعتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هلك الذين من قبلكم، كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد"،
ونظرا لأن العدل واحد، والحق واحد، الحكم واحد على الجميع، لا فضل فيه لعربى على عجمى، أقسم صلى الله عليه وسلم فقال: وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها".
أنرسالة مفتوحة للأهرام ود.عمرو عبد السميع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق