جاء وقت على المعارضة المصرية، كانت تتحدث فيه، برقاعة وصفاقة، عن رائحة رئيس الجمهورية المنتخب بعد الثورة، وتخوض في سمعته الشخصية وسمعة عائلته، من دون أن يفكر أحد في مساءلتها ومحاسبتها، ومن دون أن تتوقع هي أي إجراء من أجهزة السلطة ضدها.
أذكر، في الفترة القصيرة التي حكم فيها الرئيس محمد مرسي، أن درعاً من القوات الإعلامية العربية تشكل مبكراً جداً لخوض معركة إسقاطه، فكانت الفرية، أو الشائعة البذيئة، تنطلق من صحافة خارج مصر، ثم تنتقل إلى الداخل، عن طريق "العنعنة".
أعرف أحد صقور معارضة مرسي، الذي تحول مع قدوم السيسي إلى أرنب رشيق، كان يتولى مسؤولية مراسلة وكالة أنباء عالمية، فينشر من خلالها اختراعاته وفبركاته عن رئيس الجمهورية، أولاً، ثم ينقلها إلى صحيفته المصرية وصحف أصدقائه الخاصة، فيما بعد، وعليها" الختم الدولي"، منسوبة إلى وكالة الأنباء العالمية الشهيرة.
شيء من ذلك كان يتم، أيضاً، عبر صحافة عربية، فتنشر صحيفة لبنانية، محسوبة على حزب الله، قصة شديدة الوضاعة الأخلاقية، والتدني المهني، عن أزمة دبلوماسية، بسبب شكوى من رائحة عرق الرئيس المنتخب، الرئيس الذي يتوضأ ويغتسل خمس مرات يومياً للصلاة، فتطير القصة إلى الصحف التابعة لورشة التحضير للانقلاب في الداخل، فتتصدر الصفحات الأولى، باعتبارها نقلاً عن صحافة عالمية مشغولة برائحة الرئيس.
أتذكر، أيضاً، أنني كنت مع مجموعة من الإعلاميين المصريين، في حوار مغلق مع وزير خارجية الدنمارك في مكتبه بالعاصمة كوبنهاجن، عام 2012، وفوجئ الرجل بأسئلة تحريضية ضد الرئيس المصري المنتخب، على اعتبار أنه سيطرب لسماع عبارات من نوعية "وصول رئيس ينتمي لتيار الإسلام السياسي يمثل خطرا على أوروبا"، فكان أن أبدى الوزير الدنماركي شيئاً من الدهشة والامتعاض، لافتاً إلى أن بلاده والاتحاد الأوروبي تنظر بإعجاب لأهم مخرجات الثورة المصرية، المتمثلة في انتخاب رئيس لأول مرة، بشكل ديمقراطي، ومشيراً إلى أنه يشعر بالسعادة والفخر لأن مقعد بلاده في اجتماعات الأمم المتحدة يجاور مقعد مصر، لأسباب تتعلق بالترتيب الأبجدي، وأنهم لا يقيمون الحكومات بأسماء أحزاب الأغلبية، وإنما بأدائها، ساخراً "لو اعتمدنا هذا المنطق ستكون معظم نظم الحكم في أوروبا حكومات دينية، كونها آتية من أحزاب أغلبية في اسمها كلمة مسيحي".
كانت أعين المعارضة النارية، وألسنتها الحداد، مشهرة في وجه الرئيس طوال الوقت، تلقي عليه، كل صباح، بكميات معتبرة من البذاءات، تتناول شكله وهيئته وحتى "بنطاله"، ولم يحدث أن عوقب صحافي، أو أوقف إعلامي عن العمل، وعلى الرغم من ذلك، يتحدث هؤلاء المعارضون الشجعان من الوضع رقوداً تحت أحذية الحكم العسكري الثقيلة، عن ديكتاتورية محمد مرسي واستبداده ووحشيته مع مخالفيه.
يثير الشفقة أن أحد المعارضين الليبراليين الأقحاح استقبل انقلاب عبد الفتاح السيسي واستيلاءه على الحكم، بقصيدة مضحكة في عبقرية الجنرال ونبوغه ورومانسيته وحكمته الضافية التي تؤهله للقب "أفضل قائد عسكري في التاريخ بعد أيزنهاور".
الآن، بعد أن أدرك القاصي والداني، وأولهم هذا الليبرالي المتقاعد، أن عملية نصب كبرى، شارك هو فيها، أوصلت جنرالاً إلى سدة الحكم، وأوجدت مزيجاً رديئاً من الفاشية والمكارثية، ما زال صاحب اللحن القديم المسروق من أشهر سيمفونيات تدليل الاستبداد وملاطفة النظم العسكرية، يردد آلياً "مرسي كان ديكتاتور"، قبل أن يتكلم مرتعداً عن السياسات الدموية الإقصائية المتخلفة، التي يمارسها نظام الجنرال، بعد أن يختار مفرداته وعباراته، بمهارة لاعب سيرك، يعرف كيف يسير على الأسلاك المكهربة من دون أن يقع.
ومثله تفعل حركات ثورية، كانت تسلك وكأنها نمور متوحشة في زمن محمد مرسي، تتسلق نوافذ سكنه، وتسمعه أحط العبارات، وتعود إلى عرينها مطمئنة، والآن، صارت تهيم على وجهها في الصحراء، لكي تتمكن من إطلاق هتاف واحد على استحياء ضد سلطة الدم الحالية، مسبوق، بالطبع، بهتاف صاخب ضد رئيس خطفوه، وألقوا به في غياهب السجون، بمعاونة الذين يشكون لسعات العسكرة الآن.
كلهم، باختصار، يستعيذون بمواصلة الإساءة لمحمد مرسي، من حكم العسكر الخانق، كلما عادت إليهم بشكل خاطف ذاكرة المعارضة، وكأن القاعدة تقول الآن "اشتم محمد مرسي في عشر جمل، كي تحصل على فرصة تمرير شبه جملة واحدة ضد حكم العسكر".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق