من يكره الديمقراطية لم يتطور الى الانسانية بعد ، فالتمسك بالديمقراطية من وجهة نظرى هو أساس تصنيف البشر الى إنسانى وغير إنسانى، فمن يريد الديمقراطية ويدافع عنها ويضحى بروحه من أجلها يدرك دون غيره ماهية حقوق المواطنة ، ويسعى لأجل غيره لترسيخ قيمة المجتمع القائم على المشاركة ، وقيمة دول القانون القائمة على مبدأ سيادة القانون على الجميع ، والداعمة لقيمة المساواة التى تقرها كافة دساتير العالم ، وليس الدستور المصرى فقط . وفى مقابل الانسانية السياسية ، أى السياسى الإنسان ، تتصاعد و تتوحش البهيمية السياسية ، أى السياسى الحيوان ، الذى لا يحس بالبشر ولا يدرك ماهية المواطنة ، ولهذا السبب نراه يقمع الشعب عندما يصبح رئيسا ويعذب المواطنين حتى الموت عندما يصبح وزيرا للداخلية ، ولا يرضى بأن يخضع للرقابة والمسائلة البرلمانية عندما يصبح قياديا كبيرا فى القوات المسلحة ، و يرجع السبب فى ذلك الى اصابة كل هؤلاء بنرجسية الوطنية التى يتخيلون بسببها أن الدولة ستضيع اذا تركوا أمورها لغيرهم ، وأن الأمن سيزول إذا تعاملوا مع المواطنين بالقانون ، ولعل هذا يفسر سر تحول الفصول الدراسية بالمدارس الى ما يشبه سلخانة التعذيب ، و ليس أدل على ذلك أكثر من وفاة تلميذ بسبب ضرب مدرس له فى العام الدراسى الجارى .
وهؤلاء الصنف الكاره للديمقراطية ولملف حقوق الانسان وكرامته الإنسانية يفعلون الآن كل ما فى وسعهم لتكريس كذبة أن الإستبداد ضرورة حتمية ، وأن الديمقرطية ستقودنا الى الفوضى ، و قد وصل الأمر بهم الى حد عمل مداخلات للرئيس المخلوع حسنى مبارك فى برامج فضائية ليقول للشعب أن مصر فى يد حكيمة ويناشده بأن يقف الى جانب الرئيس ! والخطر يكمن هنا فى أن مبارك المخلوع بأمر الشعب بسبب فساده وإستبداده صار حجة ومرجعية الآن لتبرير سياسات قمعية للرئيس السيسى ، يراها البعض ضرورة حتمية بسبب خصائص الظرف الراهن ، ولا نراها نحن كذلك ، ولا نجد لها مبررا منطقيا ، لسبب بسيط ، وهو أن دول كثيرة عانت وتعانى من الإرهاب ، ولم تتجرأ يوما على الإجحاف بقيمة الديمقراطية ، ولم تضيق الخناق على شعبها ، ولعل أكبر مثل على ذلك إنجلترا وفرنسا ، ولا يمكن هنا التزرع بأنها دول عريقة فى الديمقراطية ، وتختلف عنا فى ذلك ، خاصة و أنها تمسكت بالديمقراطية فى أوقات كانت فيها اكثر تخلفا منا ، فضلا عن تمسكها بالديمقراطية واجراء الإنتخابات البرلمانية ، وهى تئن من ضربات النازى اثناء الحرب العالمية الثانية .
وما فعله الإعلامى أحمد موسى بعمل مداخلة مع مبارك للإشادة بالسيسى ، وذلك للمرة الثانية منذ حصوله على البراءة فى قضية قتل المتظاهرين ، يهدف فى الأساس الى ترسيخ فكرة فى أذهان المصريين المغلوب على أمرهم بضغط ضجيج النفاق الإعلامى ، مفادها أن حكم مبارك هو النموذج ، وأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان ، و أن ما كان نموذج يجب أن يتكرر ويتبع ، وأن الديكتاتورية هى الأفضل لحكم المصريين ، فضلا عن أنها تحمل ايحاءات غير مباشرة للمصريين بأن مرشحى المنحل فى الإنتخابات هم الأفضل للسيسى لإستكمال إحكام قبضته القمعية على الشعب وفى القلب منه نشطائه وثواره ،وبالأخص الشباب الراغب فى إستكمال ثورة يناير ، والذى ليس لها صلة بتيارات الإسلام السياسى. والمثير للغرابة وما يزيد الخطورة على حلم الشعب فى الديمقراطية ، هو أن أكثر الذين يحبون السيسى فى مصر، هم الكارهون للديمقراطية ولحقوق الإنسان ، والأغرب أن من بين هؤلاء سياسيون كبار ، عاشوا وتربوا على أن الحزبية والعملية الإنتخابية ماهى إلا ديكور لتثبيت نظام حكم قائم رغم أنف الجميع، وهى ثقافة تجذرت فى وجدانهم بفعل انظمة حكم ما بعد ثورة 23 يوليو 1952 ، وهى فئة تعيش على فتات الحاكم ، ولا قيمة عندها لخيارت الشعب ، بدليل أنها لم تسع يوما لأن يكون لها تواجد فى الشارع السياسى ، حتى أنها لم تنل شرف المحاولة لتحقيق ذلك، وهو ما يستوجب على المصريين توخى الحذر واليقظة للدفاع عن حلمهم فى دولة مدنية ديمقراطية حديثة تتحقق فيها العدالة الإجتماعية والحرية السياسية ، وعملية انتخابية شفافة ونزيهة توفر انتقال سلمى للسلطة على المستويات الثلاثة الرئاسية والبرلمانية والمحليات ، فضلا عن إنتخابات الأندية والنقابات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق