المصريون
لشد ما يضحكني وصف إخواني على كل ما هو على غير مزاج الهوى العام ، حتى إذا أتى مستهجنا قيل عنه في أفضل الأحوال أنه مناصر أو متعاطف ليظل في نفس محيط الدائرة قابعا في نفس الخندق مع الاخوان ، يسري عليه ما يسري عليهم من توصيفهم بالجماعة الإرهابية، رغم تحفظي على حيثيات التصنيف الذي افتقد الشفافية و أخذ عن جدارة لقب حكم سياسي بحت .
أما ما يثير التعجب و الحزن هو ربط أي مظهر ديني بجماعة الإخوان المسلمين ، و كأن الإسلام إخواني ، فاللحية أضحت إخوانية ، و النقاب إخواني ،الصلاة إخوانية و الصيام إخواني ، حتى الحجاب الخفيف الذي اعتبر سمة مصرية أصيلة ميز سيدات مصر عن غيرهن أضحى إخواني الشكل إرهابي الهوى ، لدرجة تبني كاتب صحفي حملة لخلع الحجاب في ميدان التحرير لرد كرامة النساء .
و من وراءه رحبت الدكتورة هدى بدران، رئيس الاتحاد العام لنساء مصر بهذه الدعوة واصفة إياها " بصحوة سياسية للمرأة "
وتابعت أن "الإخوان" ظهروا على حقيقتهم لكل فئات الشعب، وأن خلع بعض الفتيات للحجاب ما هو إلا رد فعل لأعمالهم الإرهابية بعد الثورة، لتصحيح المسار والعودة للهوية المصرية.
المضحك أن هذا الكاتب الصحفي و هو يدعى شريف الشوباشي ، قد سب عموم النساء المصريات ضمنا في سياق دعوته بوصفه لهن أنهن فاقدات للكرامة !
و لا أدري من أي منطلق رد الكاتب سفور المرأة إلى العزة و الإباء ، و قد كان حجاب المرأة قديما مقصورا على الأميرات وذوات الجاه و السلطان ، في حين ظل السفور مميزا للجاريات عنهن ، حتى جاء الإسلام و أكرم المرأة و جعلهن كلهن سواء ، ذوات عزة و كرامة بعيدات عن السفور و العري .
و لست في حل من الدخول في نقاش حول فرضية الحجاب من عدمه ، إلا أن وروده في القرآن ، يجعل تقديم الشك عن اليقين واجبا ، و ليس العكس صحيحا ، و إن غلبت هوى النفس صاحبته " كما في حال صاحبة المقال " فينبغي على الأقل الاعتراف ضمنا بخطأ البعد عن فريضة فرضها الله و الوعد سرا بتصحيح هذا الخطأ ، و أضعف الإيمان الاستغفار عن هذا الخطأ ، أما الجهر و الاحتفاء بالمعصية في ميدان كان من أنقى و أشرف الميادين التي علمت الأخلاق لأجيال سابقة و قادمة ، فهو تدنيس له و استهزاء بعقيدة من عقائد الدين الإسلامي ، و لا أدري ما حكم الإسلام على هؤلاء ، إلا أنهم مفسدون في الأرض ، مفتنون البشر عن صحيح دينهم .
أما بخصوص الهوية المصرية ، فلتذكر لنا رئيسة إتحاد نساء مصر ، أي هوية تقصد تحديدا ، أتلك ما قبل دعوة مشابهة لهدى شعراوي و التي نزعت " غطاء الوجه " فقط :
" ورفعنا النقاب أنا وسكرتيرتي " سيزا نبراوي " وقرأنا الفاتحة ثم خطونا على سلم الباخرة (مكشوفتي الوجه )، وتلفتنا لنرى تأثير (الوجه الذي يبدو سافراً لأول مرة ) بين الجموع فلم نجد له تأثيراً أبداً لأن كل الناس كانوا متوجهين نحو سعد متشوقين إلى طلعته "
أم تقصد مرحلة الميني جيب و انتشار البارات و المشروبات الروحية ، أم مرحلة الحجاب الخفيف مع الملابس العصرية ، أيهما يعبر عن هوية مصر تحديدا من وجهة نظرها ؟
و هل إذا فرضنا جدلا أن الإخوان ( و الذين لم يتكلموا بالمناسبة عن فرض الشريعة الإسلامية في خطابهم السياسي و لا مرة ) ، قد دفعوا الناس دفعا إلى الاتجاه الآخر ، فهل من الحكمة و أساسيات التفكير السليم ، الدعوة إلى السفور و الابتعاد عن عموم الدين و ثوابته و الرقص على جثث القيم و الأخلاق ، أم ردهم إلى الاعتدال ردا جميلا حسنا حافظا للدين غير مهينا له ؟
هي دعوة شاذة لاقت صدى لدي فئة من الناس ، و صاحبت مظهرا جاهليا آخر تمثل في إحراق كتب إسلامية في مدرسة قيل أنها لنسيب عصام العريان ، وسط أجواء من الفرحة و الابتهاج على نغمات " يا أحلى اسم في الوجود " و ما صاحبه من حمل لأعلام مصر ونشوة بنشر الحدث بزوايا تصويرية مختلفة في كل الجرائد المصرية .
في مشهد عبثي استكمل عبثية المرحلة الراهنة ، خصوصا أن نظرة سريعة على عناوين الكتب ، وجد أن كتاب منهم اختص بسرد تاريخ المجاعات في مصر وأسبابها حيث أسهب في الحديث عن الأزمات الاقتصادية والمجاعات التي عاشتها و لا علاقة له بالتطرف أو بالإرهاب من قريب أو بعيد ككتاب إغاثة أمة ، و منه المعتدل الذي لا غبار عليه و منه ما هو لأبرز علماء الإصلاح الديني و الاجتماعي .
أما المضحك و المثير للسخرية أن من ضمن الكتب التي أحرقت كتاب الإسلام وأصول الحكم والذي أحدث ضجة في مصر للشيخ الأزهري علي عبد الرازق ، الذي رفض فيه فكرة الخلافة الإسلامية و دعا إلى مدنية الدولة ، و هو كتاب يعتبر "حُجه للعلمانيين " في مواجهة الإسلاميين ، و قد قامت هيئة كبار العلماء في الأزهر بمحاكمة مؤلفه علي عبد الرازق وإخراجه من زمرة العلماء وفصله من العمل كقاضي شرعي .
لنستنتج مما سبق ، أن من قام بفرز الكتب لم يكلف نفسه حتى عناء البحث عن مضامينها و اكتفى بوجود كلمة إسلام أو إسلامي في العنوان لينتهي به المطاف في النهاية إلى محرقة هي جديرة بمحاكم التفتيش في العصور الوسطى !
و يحملني المشهد إلى مشهد آخر مشابه في فيلم المصير ، و هو مشهد حرق كتب ابن رشد بواسطة متطرفين ، و أن "الأفكار لها أجنحة " فكيف يستطيب الأمر و قد أمسكوا بزمام الأمور فتوجهوا نفس الاتجاه و سلكوا نفس المسلك الذي وصفوه سابقا أنه فعل ضلالي و رجعي ؟ و لم كل هذا الحقد و الغل على كتب مُنساه أصلا تعلوها الغبرات ، لأننا شعب كباره لا يقرؤون ليعولوا كثيرا على الصغار ؟
انما هو مشهد أٌريد له أن يظهر بأكبر قدر ممكن من الضجة الإعلامية لأسباب لا يعلمها إلا هم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق