هي الانتفاضة التى تفجرت فى فلسطين فى 28 سبتمبر 2000 بعد اقتحام شارون للمسجد الاقصى ، والتى استمرت عدة سنوات سقط خلالها 4000 شهيد و40 ألف جريح فلسطينى وأوقعت باسرائيل خسائر جسيمة بلغت أكثر من 1000 قتيل و4000 جريح
لقد أعادت هذه الانتفاضة المباركة الروح الى الأمة كلها ، فلقد جاءت بعد 10 سنوات عجاف ، كاد اليأس أن يتسرب الى نفوسنا بأنه لا قبل لنا بأعدائنا :
ففى 1991 كان الأمريكان وحلفاءهم قد قاموا باحتلال الخليج العربى فيما سمى بحرب تحرير الكويت بمشاركة بعض الأنظمة العربية مثل مصر وسوريا والسعودية وقطر والإمارات والمغرب ، وحاصروا الشعب العراقى 10 سنوات .
كما كانت موازين القوى الدولية قد اختلت بشدة لاول مرة منذ الحرب العالمية الثانية ، بعد سقوط وتفكك الاتحاد السوفيتى عام 1991 وانفراد الامريكان بنا وبالعالم كله ، وما زاد الطين بلة هو هجرة مليون يهودى سوفيتي الى فلسطين
هذا بالإضافة الى ما حدث فى 1993 حين وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو التى اعترفت فيها باسرائيل وتنازلت عن حقها فى 78 % من ارض فلسطين ، وألقت سلاحها وتنازلت عن حقها فى المقاومة وسط مباركة عربية رسمية تقودها مصر والسعودية بأوامر أمريكية .
وبدأت حملات التحطيم المعنوى والتسفيه والتشهير والسخرية والشماتة من كل أولئك الذين رفضوا نهج كامب ديفيد والاعتراف باسرائيل و رفضوا الاستسلام للأمريكان والتحالف معهم .
وظهر الامر حينها وكأن قوى الشر والاستعمار والعدوان قد انتصرت الى غير رجعة
وانعكس ذلك على آلاف مؤلفة من شباب وكوادر وقيادات القوى الوطنية المصرية والعربية ، فانهار بعضها واستسلم وانسحب من الحياة السياسية ، وغير البعض الآخر ولاءه وانتماءه ونشاطه وتخلى عن المشروع الوطنى الثورى ، وشاع الحديث على نهاية الصراع العربى الصهيونى وانتصار اسرائيل وسيادة الولايات المتحدة واستحالة مواجهتهما ، وتم عزل وحصار ومطاردة الصامدين المؤمنين والمتمسكين بشرعية التحرير والمقاومة وحتمية النصر ، واتُهِموا بالإرهاب والتطرف وعدم الواقعية
فى هذه الأجواء البائسة تفجرت انتفاضة الأقصى كطوق نجاة انتشل الجميع من مستنقعات اليأس والإحباط والهزيمة والمهانة والاستسلام ، فأعادت الروح إلى الأمة فأحيتها من جديد ، خاصة وإنها قد جاءت بعد شهور قليلة من نجاح المقاومة اللبنانية فى مايو 2000 فى الانتصار على العدو الصهيونى واجباره على الانسحاب من لبنان بعد 18 عاما من الاحتلال .
لقد تمكنت انتفاضة الاقصى من ضخ دماء جديدة فى الحياة السياسية ، فلقد ألهمت بطولاتها وعملياتها الاستشهادية وانتصاراتها الشعوب العربية ، وأعادت ثقتها فى أن الامة لم تمت ولا يمكن أن تموت ، كما أعادت الحياة الى مشروع النضال والمقاومة ، وحتمية مواجهة الهيمنة الأمريكية والاحتلال الصهيونى .
وسرعان ما تشكلت فى العالم العربي حملات تضامن شعبية واسعة لنصرة فلسطين ، وتراجع فى لمح البصر خطاب التسوية والصلح مع اسرائيل ، وانقلب السحر على الساحر وانعزل كل أصدقاء إسرائيل من المستسلمين و المطبعين .
وفى مصر تشكلت عشرات اللجان الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية ضمت فى صفوفها آلاف المصريين من كافة التيارات السياسية الذين نجحوا جنبا الى جنب فى تشكيل رأى عام شعبى قوى ضد اسرائيل يطالب بقطع العلاقات معها وطرد سفيرها وإلغاء كامب ديفيد ، وانتشرت حملات التبرعات وقوافل الإغاثة ، ونجحت هذه الحالة الثورية فى تنظيم أكبر وأنجح حملات شعبية عربية لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية منذ زمن طويل ، مما أعاد للجميع الثقة فى النفس وفى الناس وفى جدوى النضال والدأب والمثابرة ، وأعاد إليهم الإيمان بعدالة قضيتهم وصحة مواقفهم ، وبإمكانية النجاح والتقدم والانتصار وكسر كل القيود .
ومن هذه الروح التى بثتها انتفاضة الاقصى توالت وتولدت حركات وطنية متتالية ضد الاحتلال الامريكى للعراق 2003 ثم ضد العدوان الصهيونى على لبنان 2006 وعلى فلسطين 2008/2009 ، ورويدا رويدا انتقلت هذه الحركات لمواجهة أنظمتها الحاكمة التى سكتت أو تواطأت مع الاعتداءات الامريكية والإسرائيلية بالإضافة الى كل جرائمها الداخلية فى مواجهة شعوبها ، الى أن تفجرت ثورات الربيع العربى بشرارة انطلقت من تونس الشقيقة ولحقتها مصر لتسقطا حكامهما المستبدين التابعين ولا تزال المعركة مستمرة ....
وفى النهاية سيسجل التاريخ أن انتفاضة الأقصى المباركة كانت واحدة من اهم حلقات النضال الشعبى العربى فى العصر الحديث ، وانه كان لها دورا و تأثيرا كبيرا فى إعداد الأرض المناسبة والظروف التى مهدت للثورات العربية فيما بعد .
ولكن الأهم من ذلك انها أكدت حقيقة موضوعية يجب ألا تغيب عنا أبدا وهى أنه مهما اختلت موازين القوى وتصورت قوى البغى والعدوان انها بلغت ذروة القوة والسيطرة والانتصار ، فان النصر النهائى دائما ما يكون من نصيب الشعوب ، لسبب بسيط هو انه ليس لها خيار آخر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق