عبر عدد من الصحفيين في مصر عن قلقهم العميق من الإجراءات التي اتخذتها سلطات الأمن باقتحام وإغلاق مقر صحيفة الحرية والعدالة التابعة للحزب السياسي المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، بعد مصادرة محتوياتها، واعتبره بعضهم حلقة جديدة من حلقات استهداف رافضي الانقلاب منذ عزل الرئيس محمد مرسي في الثالث من يوليو/تموز الماضي.
وينظر كثيرون إلى الإجراءات التي اتخذت في مصر عقب هذا التاريخ من إغلاق قنوات فضائية واعتقال عدد من الإعلاميين بل إن بعض الصحفيين لم يسلم من الاستهداف فسقط منهم قتلى ومصابون في أحداث المواجهات وأبرزها ما وقع في الحرس الجمهوري وفي فض اعتصامي أنصار مرسي في رابعة العدوية والنهضة.
شجب وإدانة
صحفيو الجريدة أصدروا بيانا حمّـلوا فيه نقابة الصحفيين المسؤولية الكاملة عن حماية العاملين في الصحيفة مهنياً وقانونياً، وتمكينهم من مواصلة عملهم، كما ناشدوا المنظمات الحقوقية والإعلامية مساندة صحفيي الجريدة في إيجاد مناخ طبيعي للعمل.
كما أصدرت حركة "صحفيون ضد الانقلاب" بيانا شجبت فيه ما وصفته بـ"الهجمة الشرسة وغير الأخلاقية" التي تستمر سلطات الانقلاب في شنها بحق الصحافة، معتبرة أن هدفها "تأسيس دولة بوليسية على النقيض من التوجه العالمي لإتاحة الحريات، مما يمثل انتكاسة خطيرة لمكتسبات ثورة يناير".
ودعت الحركة سلطات الانقلاب إلى احترام المواثيق والقوانين المحلية والدولية التي تكفل حرية العمل الصحفي، وتضمن سلامة العاملين به، كما تدعوها إلى التوقف فورًا عن هذه السلوكيات "الشائنة" وعدم التدخل في الشأن الصحفي والإعلامي، والتوقف عن إتباع هذا الأسلوب "الهمجي".
ومن جانبها نددت حركة "صحفيون من أجل الإصلاح" بقيام قوات الأمن باقتحام مقر "الحرية والعدالة" دون استناد لأي إجراءات قانونية أو احترام للقانون ونقابة الصحفيين، واعتبرت في بيان لها أن هذا الإجراء وثيق الصلة بعهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ويأتي في سياق إصرار سلطات الانقلاب على غلق مقرات العمل الصحفي والإعلامي واستهداف الصحف المناهضة للانقلاب.
صحفيو الجريدة
أما صحفيو الجريدة فيعتبرون أن ما حدث استمرار طبيعي لاستهداف كل الأصوات الرافضة للانقلاب، ويقول سامح جاد -نائب رئيس قسم المحافظات بالجريدة- إن الصحفيين تعرضوا لمضايقات عديدة حتى خلال العام الذي قضاه الرئيس المعزول محمد مرسي في الحكم، وصلت إلى حد مهاجمة مقر الجريدة بالزجاجات الحارقة.
ويؤكد جاد أنه رغم التضييق الحالي ودولة "اللاقانون" التي يرسيها الانقلاب فإن صحفيي الجريدة سيواصلون صمودهم وإصرارهم على مواصلة العمل، موضحا أن الجريدة مستمرة في الصدور، كما أن الموقع الإلكتروني للصحيفة مستمر في العمل.
ونفى جاد الاتهامات الموجهة للجريدة وصحفييها بالتحريض على العنف مؤكدا التزام الجميع بالمعايير الصحفية وأخلاقيات المهنة "التي نسيها كثيرون في هذا المجال".
ولا يعتبر محمد أبو المجد -الذي يعمل صحفي بالجريدة- ما حدث مفاجئا في ظل حالة "السعار" التي انتابت قادة الانقلاب العسكري ضد جماعة الإخوان وكل ما يمت لها بصلة، رغم أن الجريدة قانونيا تتبع حزبا سياسيا معتمدا ولم يصدر قرار قضائي بحله حتى الآن.
ويؤكد أبو المجد للجزيرة نت أن مسيرة التضييق على الصحيفة لم تبدأ اليوم، ولكنها بدأت قبل 30 يونيو/حزيران بأسابيع حينما تعرض مقر الجريدة لهجمات منظمة من بلطجية، ثم كان ما جرى في حي المقطم الذي شهد الاعتداء على اثنين من صحفيي الجريدة دون أدنى تحرك أو رد فعل من نقابة الصحفيين.
ويتوقع أبو المجد مزيدا من التصعيد قد يصل إلى حد سحب ترخيص الجريدة من المجلس الأعلى للصحافة ومن ثم منع طبعها نهائيا وإغلاقها تماما.
تكميم أفواه
وبعيدا عن صحفيي الجريدة، رفض نقيب الصحفيين الإلكترونيين في مصر والأمين العام للاتحاد العربي للصحافة الإلكترونية صلاح عبد الصبور ما وصفها بـ"محاولات التضييق على الحريات الصحفية" معتبرا أن ما يحدث الأن في مصر تعدى حدود الظروف الاستثنائية.
وقال للجزيرة نت إن التضييق على بعض وسائل الإعلام التي تتبنى وجهة نظر التيار الإسلامي تعيدنا عشرات السنين للوراء، لأن المخالفة في الرأي لا تعني تكميم الأفواه ولا تعني اقتحام المؤسسات الصحفية دون إجراءات قانونية معلنة ومقنعة.
بدوره اعتبر مصطفى زهران -الصحفي المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية- أن إغلاق الجريدة مؤشر خطير لا يصب في مصلحة الاستقرارين السياسي والمجتمعي في مصر, خاصة وأنه كان من المفترض أن تكون الحريات الإعلامية خطا أحمر في مرحلة أطلق عليها من رسموا ملامحها بأنها تصحيحية لمسار كان منعرجا ومائلا.
وتساءل زهران عن ماهية الديمقراطية التي تقدمها النخبة التي تعتلى السلطة الآن، وإذا صح أن الجماعة ارتكبت أخطاء في المرحلة السابقة فهل من باب الحكمة إقصاؤها إلى حد الاجتثاث أو نفيها خارج حدود الزمان والمكان، أم إن الحكمة تقتضي استيعابها لتدارك أخطائها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق