بقلم د محمود ابوالوفا
المراقب للموقف الامريكى لما يجرى فى مصر منذ الثالث من يوليو يجد العجب العجاب , فهم منذ اليوم الاول يمارسون بامتياز شغل الثلاث ورقات فقد رصدنا ثلاث اتجاهات للازمه المصريه لدى الامريكان , اولها لاداره اوباما والتى اتخذت موقفا باهتا ومائعا ولكنه اقرب الى الاعتراف المبطن بما فعله الجيش ولكن لا يستطيع احد ان يتهمهم بالتحيز لطرف ما , اذ اعلن المتحدث الرسمى للخارجيه الامريكيه بانهم يحتاجون الى بعض الوقت ليستطيعوا توصيف ما حدث بمصر , وثانيهما للكونجرس ذو الاغلبيه من الجمهوريين " ارجو ان تتذكروا كلمة الجمهوريين " بان ما حدث اراده شعبيه فى تحيز كامل وواضح للعسكر , وثالثهما الاعلام الامريكى وخاصة الصحف الكبرى مثل صحيفة الواشنطن بوست و قناة السى ان ان بوصف ما حدث بانه انقلاب عسكرى سافر وظل هذا الوضع قرابة الشهر , الا ان القى احد اعمدة ادارة اوباما حجرا فى الماء الراكد اذ اعلن جون كيرى وزير الخارجية والمحسوب بالطبع على ادارة اوباما فى تصريح بباكستان اخر شهر يوليو بان ما حدث فى مصر ليس انقلابا وانما هو ارادة الشعب وقد سارع المتحدث باسم البيت الابيض بوصف هذه التصريحات بانها " لا تمثل سياسة الرئيس " كما جاء فى صحيفة الواشنطن بوست يوم 3 اغسطس , واننى اعتقد ان اى عاقل يرى هذا التفاعل التعاكسى لابد ان يعتقد ان امريكا تلعب الثلاث ورقات وتمارس نصبا دوليا على شعوب العالم الثالث وحكامهم وعسكرهم , وقد اجرت اكبر الصحف الامريكيه لقاءا مع الفريق السيسى جاء فيه بالحرف الواحد التالى :
"الجريده س : هل خاب أملك من رد فعل الولايات المتحدة على أحداث 3 يوليو؟ هل شعرت بالغبن؟
السيسي: الولايات المتحدة لم تكن أبدا بعيدة عما يجري هنا. لقد كنا حريصين للغاية على تزويد كافة المسئوليين الأمريكيين بمعلومات شديدة الوضوح منذ شهور قلت لهم إن لدينا مشكلة كبيرة في مصر وطلبت دعمهم ومشورتهم ونصيحتهم لأنهم شريكنا الاستراتيجي وحليفنا.
س: منذ شهور؟
السيسي: منذ شهور. التطورات وتعقيدات الوضع تم نقلها للأمريكيين بمنتهى الوضوح منذ شهور."
ويفهم من هذا الحديث ان الفريق السيسى قد تشاور مع الاداره الامريكيه على مدار شهور حول الاحداث التى تحدث وستحدث فى مصر وان الامريكيين لم يكونوا ابدا بعيدين عن افكاره وتصرفاته و والتشاور يعنى الموافقه التامه على ما حدث والا لما كان حدث شئ .
والسؤال الذى يطرح نفسه لماذا اللعب بالثلاث ورقات من جانب الامريكان , ولماذا وافق الامريكان على السيناريو الذى خطط لاقصاء النظام المنتخب القائم فى مصر , ولم يسارعوا بسرعة البرق للاعتراف بما فعله السيسى كما فعلت اسرائيل والامارات والاردن والسعوديه وسوريا , لقد كان الامريكان يتحسبون لمصالحهم واننى اعتقد انه قد حدث ما كان يخشونه , فقد دخل تنظيم القاعده الى اللعبه حيث سارع الظواهرى زعيم تنظيم القاعده بعد تصريحات كيرى فى باكستان الى اطلاق تصريحات حول الوضع فى مصر وقد ذكرت الصحف الامريكيه بان المخابرات الامريكيه رصدت اتصالات لزعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري مع زعيم فرع التنظيم في اليمن ناصر الوحيشي، تحدثا فيها عن تنفيذ هجوم في أسرع وقت، وذلك استنادًا إلى ما أكده مسؤول أمريكي لوكالة "أسوشيتد برس" وأن الاستخبارات الامريكيه رصدت اتصالات الظواهري منذ عدة أسابيع، ويبدو أنها تشير إلى هجوم محتمل في اليمن , إلا أن الظواهري والوحيشي لم يحددا أهدافًا معينة للهجوم المخطط له, حيث أكدت الـ"نيويورك تايمز" أن الزعيمين تحدثا عن تنفيذ المخطط بدءًا من 4 أغسطس, في حين نقل نواب أمريكيون عن مسؤولين في الاستخبارات الأمريكية في وقت سابق أن المخطط لضرب منشآت أمريكية في الخارج قد وصل إلى مراحله النهائية. , وعلى اثر ذلك ذكرت شبكة ''سي بي اس '' الإخبارية الامريكية أن مؤامرة للقاعدة وراء اعلان وزارة الخارجية الأمريكية عن اغلاق العديد من السفارات والقنصليات لأسباب امنية , وقالت الشبكة في ساعة متأخرة ليلة الخميس الثامن من اغسطس ان الاستخبارات الامريكية رصدت اشارت على مؤامرة للقاعدة ضد مواقع دبلوماسية امريكية في الشرق الاوسط ودول اسلامية اخرى , وان هذا السبب وراء اغلاق كل السفارات , واعلنت مالايقل عن 14 سفارة على الاقل عن اغلاقها يوم الاحد وفقا لتوجيهات وزارة الخارجية الامريكية بما في ذلك سفارات في البحرين ومصر والعراق واسرائيل والاردن والكويت وليبيا وعمان وقطر والسعودية والامارات واليمن وافغانستان وبنجلاديش , كانت الخارجية الامريكية قد اعلنت ان مخاوف أمنية دفعت الولايات المتحدة لاتخاذ هذا القرار , وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية ماري هارف إنه لا يمكنها أن تعلن عن قائمة البلدان أو حتى المناطق التي ستجري فيها عمليات الإغلاق , وقالت هارف إنها ليس لديها أي تفاصيل عن ''معلومات بتهديدات محددة''.
وفى استمرار للمسلسل التمثيلى الفج والهابط الذى يحاول ان يظهر التخبط الأمريكى فى التعامل مع تطورات الأزمة السياسية بمصر، حيث اكد السيناتور الجمهورى ليندسى جراهام فى حديث تليفزيونى قبل السفر لمصر أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما طلب منه والسينتور جون ماكين السفر إلى مصر للاجتماع مع قادتها العسكريين والمعارضة لدراسة كيفية الرد على الاحتجاجات التى تعصف بأكبر بلد عربى , وأبلغ جراهام الصحفيين خارج مجلس الشيوخ «الرئيس اتصل بنا وأنا قلت بوضوح إنه يسعدنى أن أذهب.. نريد أنه ننقل رسالة موحدة بأن قتل المعارضة يصبح أكثر فأكثر مثل انقلاب»، وتشجيع العسكريين للتحرك قدما نحو إجراء انتخابات , والى هنا فان موقف الجمهورين وبنسبه كبيره جدا موافقا لما حدث فى مصر كما ذكرنا فى اول المقال , وبعد وصول الاثنين الى مصر حدثت مفاجأه كبيره لم تكن فى حسبان احد نظرا للمواقف السابقه لمجلس الشيوخ الذى يمثل الجمهوريين الاغلبيه فيه , حيث وصف ماكين ما جرى لمصر منذ الثالث من يوليو بأنه «انقلاب عسكرى، على اعتبار أن غير المنتخبين هم الذين يحكمون بينما المنتخبون معتقلون , كما وصف ليندسى جراهام بان ما حدث هو انقلاب عسكرى , ومرة اخرى يخرج المتحدث باسم البيت الأبيض جاى كارنى ليقول بإن السيناتور جون ماكين والسيناتور ليندسى جراهام يمثلان نفسيهما ومجلسى الشيوخ والنواب خلال زيارتهما الحالية لمصر، وليسا وسيطين من قبل الرئيس باراك أوباما أو الإدارة الأمريكية , وذكر كارنى خلال المؤتمر الصحفى للبيت الأبيض «لا علم لدى أنهما وسيطان.. أعتقد أنهما يمثلان مجلس الشيوخ والكونجرس.. إنهما زعيمان فى مجلس الشيوخ، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للحزب الجمهورى بشكل خاص، ولكن من المؤكد أنهما قد أجريا محادثة مع الرئيس أوباما ومع آخرين فى فريق الأمن القومى للرئيس». وذكر كارنى « ان نائب وزير الخارجية وليام بيرنز يمثل الإدارة فى القاهرة منذ عدة أيام وخلال زياراته السابقة هناك وان السيناتور جراهام والسيناتور ماكين يمثلان نفسيهما ومجلس الشيوخ والكونجرس الأمريكى. ولكننا نركز جميعا على الوضع المتقلب جدا فى مصر، ولا شك أننا نجرى مشاورات منتظمة مع أعضاء فى الكونجرس، وخاصة أعضاء مثل السيناتور جراهام والسيناتور ماكين، اللذين لديهما اهتمام خاص بمصر والمنطقة».
أما وزارة الخارجية الامريكيه فقد ذكرت على لسان جينيفر ساكى المتحدث الرسمي باسم الوزارة «أن توصيف كل من جون ماكين، وليندسى جراهام، لما ما حدث بمصر يوم 30 يونيو، جاء فى إطار التعبير عن رأيهما الخاص، مثلهما مثل أى أعضاء آخرين بمجلس الشيوخ».
فاى خلط فى التصريحات وفى الاوراق وفى الادوار واى لعب على الحبال من الامريكان ادارة ومؤسسات واعلام ومحللين فى ارباك المشهد المصرى وارباك جميع الاطراف فى مصر واربك المراقبين فى العالم .
لكن الذى استطيع ان اجزم به بعد كل هذه الفوضى فى المواقف الامريكيه ان الامريكان كانوا على علم بكل شئ تم تدبيره وكانوا ضالعين فيه استنادا الى تصريحات الفريق السيسى للواشنطن بوست ويظهر ذلك فى قوله ان امريكا ادارت لنا ظهرها , وعندما حدث تغير فى معادلة الصراع بدا الامريكان فى عمل خلطه فوضويه وساعدهم على ذلك دخول القاعده كطرف فى الموضوع المصرى , وخاصة ان الكثير من المراقبين - وانا منهم - يعتقدون ان فض الاعتصامات بالقوه ستؤدى الى سفك الكثير من الدماء , والذى سوف يترتب عليه الكثير من الفوضى فى المشهد المصرى وارتداد الكثير من الاسلاميين عن منهج السياسه وانحياذهم الى افكار القاعده لاعتقادهم حينئذ ان السياسه لاجدوى منها , وقد يكون ايذانا بتجييش اتباع للقاعده فى مصر , يمارسون ادوار تتوافق مع افكار وخطط القاعده مما يؤدى الى كوارث لن ينجو منها احد , وبالطبع ستكون المصالح الامريكيه والاسرائيليه بالمنطقه هى الاكثر عرضه للاستهداف.
* خبير بالجامعة العربية
maw01000@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق