د.مصطفى سالم
يجب بداية التأكيد ان ظروف ظهور شخصية عظيمة مثل جمال عبد الناصر مختلفة الآن كما ان الجماهير ليست هي نفسها.
ويدرك عسكر مصر وإخوان الرجعية إن خروجهما معا من السلطة يعني انه لا مجال لهما للعودة إليها، وذلك لن يتحقق إلا في ظل ديمقراطية حقيقية تعيد العسكر لثكناته ولن تسمح بفوز الإخوان في انتخابات مقبلة.
ولكن الإخوان حصدوا مكاسب عبر انتخابات سابقة قال خصومهم عنها إنها كانت نزيهة.
كان انقلاب العسكر تعبير في حقيقته عن رغبة دول رجعية ورجال أعمال نظام مبارك التخلص من حكم الإخوان وهو ما كان يلتقي مع رغبة عسكر مصر الذين لن يفرطوا بنفوذهم .لكن الاحتجاجات التي استخدمها العسكر للإطاحة بالإخوان لها أسباب مختلفة تتعلق بالحاجة لرؤية الأمل.
لكن المشكلة في مصر إن من يرفض الإخوان لا يجد غير العسكر قوة لإزاحتهم وحتى تكسيرهم.
والمشكلة أيضا إن المؤسسة العسكرية في مصر تشبعت بفكر نظام كامب ديفيد وتم اختيار قياداتها وحتى معداتها ودوراتها وتدريبها وفق مبدأ حماية هذه المعاهدة.
والمثير إن القوى السياسية المعادية للإخوان تمتلك حاليا عقلية انقلاب ونظم عربية تؤكد دوما على تصفية الخصم. بينما هزيمة الإخوان تتحقق من خلال صندوق انتخابات كان ممكن أن يحقن الدماء.
وتبقى الجماهير المصرية التي حولت احتجاجاتها ضد نظام مبارك إلى انقلاب حين سلمت الحكم للعسكر لتكرر نفس الخطأ مرة أخرى، وسلمت الحكم إلى العسكر بعد احتجاجات إسقاط مرسي.
ويبدو إن نظام مبارك العائد بقوة سيخوض حربه الأخيرة لتكريس وجوده ولا توجد قوة حقيقية في الشارع تقف ضده غير الإخوان وحلفائهم. بينما الجماهير لا يستشعرون مقدار النكسة في عودة نظام مبارك وأزلامه.
أما القوى التقدمية والقومية والليبرالية فهي تريد الخلاص من الإخوان ولاتهمها ما يحدث بعد ذلك لأنها تبنت عقلية الانقلاب ورضت أن تكون ديكورا على اعتبار إن ذلك أفضل من إقصاء لها حدث في عهد الإخوان.
يلتقي ذلك كما قلنا في مقال سابق مع ظهور الكمالية الجديدة في مصر على غرار كمالية تركيا التي أجهزت على ما تبقى من الدولة العثمانية.
غير ان ظروف نشأة كمالية تركيا تختلف عنها في مصر ناهيك عن اختلاف المجتمع المصري الآن عن المجتمع التركي بعد انهيار الدولة العثمانية.
وفي حين كانت كمالية تركيا وليدة توجهات فكرية وسياسية تبدو كمالية مصر تعبير عن تحالف العسكر مع رجال أعمال حسني مبارك لذا هي فقيرة معرفيا. ومثلما قطعت كمالية تركيا علاقة الإسلام مع سلطة الدولة ستجد كمالية مصر نفسها لاحقا في حاجة لمثل هذا الإجراء للبقاء في السلطة وستستخدم الأزهر لتحقيق ذلك.
إن كمالية مصر هي وسيلة لابد منها لمواجهة الإخوان ولكنها في المحصلة أكثر خطرا على مستقبل البلاد من الإخوان لأنها وصفة فتاكة.
و يمثل دعم الأنظمة الوراثية لعسكر مصر تكريس لتوريث سيبقى حكم مصر ضمن مؤسسة واحدة. بينما التوريث الأخر هو توريث عائلي. والسؤال لماذا تدعم الأنظمة الوراثية عسكر مصر، بينما ظلت السعودية تتآمر على تجربة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الثورية؟
وستكون القوى التي لا تريد الربط بين الدين والدولة الحاضن الفكري لتحالف العسكر مع رأس المال وهو ما يؤشر عن ديمقراطية هزيلة سيتم صناعتها في مصر.
إن قتل رافضي الانقلاب واعتقالهم عن طريق الجيش والشرطة علاوة على كونه جريمة بشعة لن يسهم سوى في صناعة رد فعل عنيف، والعسكر لا يؤدون هذه المهمة من اجل عيون قوى تريد مجتمع مدني وديمقراطية، بل لإزاحة القوى الأكثر شعبية رغم رجعيتها والتي تقف عائقا عن جمهورية العسكر ورأس المال الفاسد.
بينما القوى السياسية الأخرى غير منظمة وتبقى الجماهير غير المتحزبة هي القوة الأكبر وبشكل كاسح في مصر. غير إن هذه الجماهير لا تملك نظرة واحدة للمستقبل ولا كيفية صناعته بل انها فقدت الطريق حين أمنت ان ذلك ربما يتم من خلال حكومة نصبها العسكر.
الوعي بان الصراع في مصر بين العسكر والإخوان ومن يصطف مع كل جانب أساسه السلطة ولا شيء غير السلطة، هو ما يجب أن يكون سببا لظهور الخط الثالث الذي يعبر عن مصلحة مصر.
ان الزج بالجيش في الصراع مع الإخوان استهلاك له، ومن سعى له ضرب مصلحة الوطن في عرض الحائط. بينما إزاحة الإخوان كانت ممكنة حتى مع ديمقراطية ما بعد سقوط نظام مبارك.
مع فائق التقدير،
د. مصطفى سالم | rnewsa@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق