روجت ألة الدعاية السياسية التابعة
لجبهة الانقلاب العسكري الذى حدث في مصر في 3 يوليو 2013 أن ثمة تشابها بين قائد
هذا الانقلاب وهو الفريق أول عبد الفتاح السيسى وبين جمال عبد الناصر , وبرهنت في
سبيلها لايجاد هذا التشابه المزعوم , بأن عبد الناصر انقلب على شريكه في ثورة
يوليو اللواء محمد نجيب حينما اقصاه من الحكم في انقلاب في 1954 , ورغم ذلك استمرت
مشروعية حكم عبد الناصر , بل وتحققت على يديه
اعظم "نهضة" شهدتها مصر في تاريخها بعد تلك النهضة التى تحققت في
عهد محمد على..وبالتالى يصبح انقلاب السيسى مبررا ومغفورا وقد يحقق هذا الانقلاب
نهضة مشابهة للتى حققها عبد الناصر.
والحقيقة ان هذا الطرح هو فى الواقع طرح ملفق
جملة وتفصيلا , يقصد منه احكام لف العمائم على العقول لقبول انقلاب السيسي , وذلك
لأن المتخاصمين في انقلاب 1954 جاءوا للحكم جراء شراكتهم في انقلاب عسكري سابق حدث
في 23 يوليو 1952 , وهذا الانقلاب لاقي قبولا شعبيا واسعة فتحول الى ثورة تعبر عن
ارادة الشعب لكونه جاء ضد ملك مستبد وأسرته التى لا تنتمى للبلاد وحكمت البلاد قرن
ونصف القرن , وكان حكم هذا الملك حكما وراثيا كما هو معروف فى النظم الملكية , بل
وتخضع ارادته لمحتل اجنبي يجثم على انفاس البلاد وبجوار هذا المحتل هناك كيانا
صهيونيا يقف على الحدود ويريد التهام كل المنطقة العربية , وفى هذه الاجواء
صارت ثورة 1952 عملا وطنيا بامتياز خاصة لوجود تمثيل بين
الضابط المنقلبون لكافة فصائل المجتمع.
فيما اصبح انقلاب 1954 الذى قام فيه جمال عبد
الناصر بسلب السلطة من اللواء محمد نجيب وان كان عملا قد ينافي الاخلاق الا انه قد
يكون مبررا نظرا لكون المتصارعين سواء أكان نجيب او ناصر جاءا نتيجة انقلاب على
ملك غير "منتخب شعبيا" وتم تعيين اللواء محمد نجيب رئيسا للجمهورية ايضا
بطريقة غير "منتخبة شعبيا" ثم حدث الانقلاب وجاء عبد الناصر في 1954
بطريقة "غير منتخبة" ايضا , وبالتالى لم تحدث خيانة للارادة الشعبية التى لم
تستشر اصلا انذاك , وهو عكس ماحدث فى انقلاب السيسى 2013 الذى حدث ضد رئيس منتخب
شعبيا , وكان الاجدى للسيسي ان اراد ان يقف كحكم عدل بين متنازعين احدهما مؤيد والاخر
معارض للرئيس د. محمد مرسي ان يطرح امر ولايته للاستفتاء الشعبي , بما يمثله ذلك
من عودة لأخذ رأى الشعب صاحب القرار الاول والخير وهو من عين مرسي رئيسا للبلاد.
ورغم توارد المعلومات من الشرق والغرب بأن
السيسي دبر لأمر الانقلاب قبل حدوثه بنصف العام تقريبا , وكانت وسيلته في ذلك حركة
"تمرد" , الا انه اراد ان يعطى ديكورا شعبيا لهذا الانقلاب الا ان هذا
الديكور سرعان ما ثبت زيفه , لأن مبرر الاحتكام لرأى الجماهير الذى راح يسوقه
كمبرر للانقلاب , هو نفسه ما تجاهله وتلك الحشود المليونية المعتصمة في ميادين مصر
منذ سبعة اسابيع رفضا للانقلاب , وبالتالى فان مبرر الانقلاب تآكل تماما ’ خاصة ان
من وقوع حمامات دم وهو المبرر الثانى الذى ساقه السيسى لتبرير انقلابه , هو بالضبط
ما حدث بعد الانقلاب.
ومع اهدار للمنطق ’ راحت
الدوائر الاعلامية المرتبطة بالمجلس العسكري تربط لجماهير البسطاء محدودى الوعى
بين عبد الناصر والسيسى فى ان عبد الناصر اعدم وسجن الاخوان المسلمين
وان ما فعله ناصر قديما يفعله السيسي الان وبالتالى فثمة تشابه بين
"البطلين" وان الاخوان المسلمين بالقطع صاروا اعداء للوطن’ والحقيقة ان
تلك الدوائر اختارت اسوأ خطايا عبد الناصر وراحت تقدمها كبطولة , وهى خطيئة تخوين
فصيل عريض واسع من المجتمع كالاخوان المسلمين وتهميشهم وسلب ارادتهم واقصائهم
سياسيا واجتماعيا.
وتجاهل هؤلاء الادعياء مزايا عبد الناصر الحقيقية التى
بنيت عليها اسطورته التاريخية وهى كونه
معاديا لاسرائيل ومن وراء اسرائيل وهى امريكا وفرنسا وبريطانيا , وكذلك مشروعاته
العملاقة وغيرها ’ كما كانت شعارته الاجتماعية قائمة على تحالف قوى الشعب العامل
دون تمييز على اساس عرقى او دينى او جغرافي او ايديولوجى على خلاف ما يحدث الأن.
ونحن نقولها صريحة , اننا ممكن ان نقبل بانقلاب السيسي
شريطة ان يقم بالغاء اتفاقية كامب ديفيد’ وسحب الاعتراف بدولة اسرائيل , واغلاق
السفارات الاسرائيلية والامريكية , وتنويع مصدار تسليح الجيش , ونقل 100 الف جندى
مصري باسلحتهم الثقيلة لاقصى نقطة في الحدود مع الكيان الصهيونى في سيناء , وان
يقم ايضا بتأميم اموال كبار رجال النظام السابق ورجال اعماله امثال ساويرس ومحمد
الامين واحمد بهجت ومنصور عامر وحسن راتب وغيرهم , وان يطبق نظاما قائما على
العدالة الاجتماعية وحسن واعادة توزيع ثروة البلاد على مواطنيها , وعدم اقصاء اى
مصري من العمل السياسي والمهنى والوظيفي لاى اعتبار كان , وقتها سنعترف بانقلابك
يا سيسي ’ فهذا ما فعله عبد الناصر , ومن يرد ان يكون كعبدالناصر فعليه ان يعمل "عمايله".
وبالقطع لن يفعل السيسى اى شئ مما سبق , خاصة انه لا
واشنطن ولا تل ابيب بعيدتين عن الانقلاب والادلة تملأ الشبكة العنكبوتية موثقة
ومصوره.
الخلاصة ان عبد الناصر كان زعيما تحرريا ووطنيا بامتياز
’ اخطأ واصاب ولكن من اجل الوطن , ولو كان بيننا الأن لوقف موقفنا ..مع الشرعية
..وضد امريكا وتل ابيب حتى وان تبنى بعض لابسي عمامته موقفا مغايرا ’ فهو فى الاصل
يسئ له.
ALBAAS10@GMAIL.COM
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق