قاطع يقاطع مقاطعةً في زمن أصبحت الثورة فيه هي قطع الطرق وقطع الأرزاق وقطع أشياء أخري لا داعي لذكرها. قطيعة علينا!
ولأن الحكومة لا تحب الشفافية فقد أصبحت المعارضة لا تهوى إلا المقاطعة. والآن يشاهد العالم مسترخياً مسرحيتنا السياسية التي لا تحمل من الديمقراطية إلا المقاطعة: مقاطعة الاستفتاءات والانتخابات والحوارات ومقاطعة أبينا السقا الذي مات. كما تسخر منا الأمم ونحن ننحسر شيئاً فشيئاً إلي حافة الخريطة مقاطعين الحضارة ومقاطعين الحوار مع الآخر مستلذين بالحوار كل مع نفسه وعازفين عن المشاركة في بناء أمتنا التي هي خير أمة أخرجت للناس.
لدينا سياسيون يعارضون حكومة باسلة تحكم شعباً من النشامي والماجدات بينما الجميع مشغولون بمقاطعة بعضهم البعض، مع قطع كافة الطرق التي تفضي إلي كل الغايات بما يجعل من مصر في نهاية المطاف وطناً بلا وسيلة ولا غاية ولا مشروع ولا حتي سور يحرس المحروسة ويحميها من اللصوص وأبناء العم وفرسان هذا العصر الذين هم بعض اللصوص. أصبحنا والله وطناً تحده صحراء المقاطعة من شرقه إلى غربه إلى شماله الي جنوبه، وطناً يسوده البلاك بلوك الملثمون ذوو القمصان السود والقلوب السود والغايات السوداء. وطناً يقطع فيه الثوار الطرق السريعة ومترو الأنفاق والمجمع ويمنعون الناس من العمل والزواج والحب وإطلاق النكات.
ولكن نظرةً ثاقبة الي هذا الوطن - من مينا الي اخناتون الي عمرو بن العاص الي محمد علي الي عبد الناصر الي السادات الي الشعب الذي ثار في 25 يناير مقاطعاً سلبيته – تكشف لنا ان المقاطعة لم تكن أبداً جزءاً أصيلاً من ثقافتنا ولا تراثنا ولا جغرافيتنا ولا تاريخنا ولا ملحنا ولا خبزنا. فالحق ان المقاطعة سالب، والمصريون موجب. المقاطعة عدم والمصريون وجود. المقاطعة كفر والمصريون فجر الضمير. لا يمكن أن يدمن المقاطعة شعب يعشق كرة القدم وأم كلثوم ونجيب محفوظ ويكره مبارك والاستبداد وتموت نساؤه عشقاً في عيون مهند ورجاله في صدر هيفاء. شعب أصبح شعاره "ارفع رأسك فوق انت مصري".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق