18 مارس 2013

طرابلس تلفظ أنفاسها… والدولة تفقد هيبتها … فهل الانفجار حتمي – غسان ريفي


من يمتلك قرار السلم والحرب في طرابلس؟
سؤال يطرح نفسه في الأوساط الطرابلسية التي ملّت تأكيدات القيادات السياسية والأجهزة الأمنية والمجموعات المسلحة، على اختلاف توجهاتها وانتماءاتها، الالتزام بالتهدئة وعدم جرّ المدينة الى جولة عنف جديدة، بينما تبين الوقائع الليلية وجود محاولات لإشعال جبهات القتال التقليدية.
ويمكن القول إن طرابلس تعيش اليوم ما هو أسوأ من تداعيات جولات العنف الـ 14 التي مرت عليها منذ العام 2008، إذ كانت المدينة بعد كل منها تلملم جراحها وتستعيد حياتها الطبيعية، وإن لفترات محددة كانت تغيب فيها المجموعات المسلحة لمصلحة حضور الدولة وأجهزتها الأمنية والادارية، وأبرزها الهيئة العليا للاغاثة التي تتولى إحصاء الأضرار والتعويض على المتضررين.
لكن ما يجري حاليا بدأ يضرب كل مقومات حضور الدولة في العاصمة الثانية، خصوصا في ظل التحكم شبه الكامل للمجموعات المسلحة بالأرض، والاعتداءات المتبادلة على مواطنين عزل على خلفية انتمائهم المذهبي، والسطو المسلح على صهاريج المازوت وإحراقها، ومنع الإعلام من القيام بواجبه في المدينة، والتعرض لسيارات النقل المباشر كما حصل مع «تلفزيون الجديد»، والإمعان في ضرب هيبة الدولة جيشا وقوى أمنية وقضاء، فضلا عن تحويل رمي القنابل اليدوية وإطلاق قذائف الـ«انيرغا» وأعمال القنص الى نظام حياة يستهدف الأبرياء ويشل الحركة الاقتصادية ويعطل مصالح المواطنين بشكل تام.
هذا الواقع بات يطرح سلسلة علامات استفهام حول الجهات المتحكمة بالأرض، فاذا كانت القيادات السياسية ترفض الانجرار الى العنف وترفع الغطاء عن أي مخل بالأمن، فمن يغطي المجموعات المسلحة ويمدها بالمال والسلاح؟ وإذا كانت المجموعات المسلحة تجتمع بشكل شبه يومي لتعلن التزامها بالتهدئة وبتسليم مقاليد الأمور الى الجيش اللبناني، فمن أين تأتي الخروق الأمنية ومن يسعى في كل ليلة لإشعال المحاور التقليدية؟
وإذا كان «الحزب العربي الديموقراطي» يكرر التزامه بعدم الانجرار الى الفتنة، فلماذا يلجأ رفعت عيد الى التصريحات النارية التي تستفز أبناء المدينة؟
وإذا كان الجيش اللبناني ومعه الأجهزة الأمنية الأخرى يقومون بالواجبات المنوطة بهم، فكيف يتم تفسير الفوضى الأمنية المستشرية في المدينة؟
وهل ثمة انفصام في الشخصية تعاني منه القيادات السياسية والمجموعات المسلحة؟ أم ان هناك توزيع أدوار؟ أم ان الغول الذي تربى في كنف بعض الأطراف السياسية كبر وبدأ بالانقضاض عليها وعلى المدينة؟ أم ان صراعا جديدا بين أبناء الصف الواحد بدأ يرخي بثقله على القرارات الميدانية؟ أم ان هناك أطرافا جديدة دخلت على «الخط الساخن» وتعمل لتنفيذ أجنداتها وجر تلك المجموعات الى القتال؟
ثم بعد ذلك، أين العقلاء في طرابلس؟ أين المجتمع المدني والأهلي؟ أين جمعية التجار في ظل التعطيل القسري المفروض عليها؟ أين الهيئات الاقتصادية التي تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة؟ أين عائلات المدينة وأبناؤها الذين ينشدون العيش الكريم والآمن؟ وهل تخلى كل هؤلاء، بما يشكلون من قوة عددية ضاربة وتأثير مباشر، عن مدينتهم لمصلحة بعض المجموعات المسلحة التي تتحكم بها وبهم؟ ولماذا كل هذا التخلي عن طرابلس؟
الثابت على الساحة الطرابلسية انه إذا استمر واقع الانفلات، فان المدينة مقبلة حتما على انفجار أوسع سيتخطى المحاور التقليدية، خصوصا في ظل الهوة القائمة بين كل التطمينات التي تطلق، وبين حقيقة ما يجري على الأرض المستباحة من قبل المسلحين، وفي ظل اتجاه المدينة لتتحول الى كانتونات مذهبية معزولة عن بعضها البعض يحتاج المواطنون الى تأشيرة للدخول إليها، وفي ظل إمعان بعض الأطراف على النيل من هيبة الدولة حكومة وجيشا ومؤسسات لتحقيق مكتسبات سياسية، وسعيها المتواصل لتعطيل فاعلية القوى الأمنية عموما وتحويلها الى قوات فصل فقط.

ميدانيا

اتجهت أنظار الطرابلسيين خلال الساعات الـ 48 الماضية الى التبانة وجبل محسن في ظل تنامي الخروق الأمنية التي تطورت الى أعمال تقنيص متفرقة. وما ضاعف من سخونة الأرض هو قيام مجموعة شبان في التبانة ليل السبت ـ الأحد بالاعتداء على شابين من جبل محسن هما: علي عاصي وعلاء أمون بالآلات الحادة حيث نقلا الى المستشفى وهما في حالة خطرة، وهذا ما كان حذر منه رفعت عيد خلال مؤتمره الصحافي ولدى زيارته قائد الجيش العماد جان قهوجي.
وعلى الفور عمد شبان من جبل محسن الى قطع الطريق بالاطارات المشتعلة وإطلاق النار في الهواء احتجاجا على الاعتداءات المتكررة التي تطالهم في طرابلس. وقام بعضهم بتكسير سيارة من نوع «جيب» يقودها نزار محيي الدين من الضنية ويقطن في الزاهرية، وعلى الفور تدخل الجيش اللبناني وسير دوريات راجلة ومؤللة وعمل على إعادة فتح الطريق.
لكن الأمور لم تنته عند هذا الحد، فشهدت المنطقة انفجار خمس قنابل يدوية في أماكن متفرقة من التبانة وجبل محسن، وسقطت قذيفة «إنيرغا» على أحد المنازل في الجبل لم تسفر عن أية إصابات، إضافة الى أعمال قنص استمرت متقطعة بين الطرفين حتى ليل أمس، وأفيد ظهرا عن إصابة شخصين من جبل محسن برصاص قناص هما علي نصر عبدالله وفؤاد إبراهيم (دركي) ما أدى الى حالة من الغضب العارم في صفوف الأهالي.
في غضون ذلك، استقدم الجيش اللبناني تعزيزات إضافية، وسير دورياته في مختلف أرجاء طرابلس وتحديدا على خطوط التماس وعمل على ضبط الأوضاع.
وصباح أمس، عقدت «مجموعات التبانة» اجتماعا في قاعة مسجد حربا برعاية دار الفتوى، للبحث في المستجدات الأمنية، وشدد رئيس دائرة الأوقاف الاسلامية في طرابلس الشيخ حسام سباط على ضرورة وحدة الصف الاسلامي في المدينة لأن المرحلة خطيرة، ويجب الابتعاد عن الخلاف السياسي لدرء الفتن عن هذه المناطق الفقيرة.
كما أعلن المجتمعون التزامهم بالتهدئة وترك أمر معالجة الأمور الى الجيش اللبناني والقوى الأمنية.
من جهته، استنكر الناطق الاعلامي باسم «الحزب العربي الديموقراطي» عبد اللطيف صالح ما حصل في التبانة وجبل محسن من اعتداءات على مواطنين عزل، لافتا النظر الى أن ما أقدم عليه بعض أبناء الجبل كان ردة فعل على الاعتداءات المتكررة التي يتعرضون لها في طرابلس على أيدي من لا يريدون الأمن والسلم الأهلي في المدينة.
ودق صالح ناقوس الخطر داعيا قيادات طرابلس والجيش والأجهزة الأمنية الى حماية طرابلس مما يحاك لها من مؤامرات، ومن العابثين بأمنها، مؤكدا التزام الحزب وأبناء جبل محسن بالتهدئة الكاملة، وبالعيش بسلام مع أبناء طرابلس.
وقال: نحن أبناء طرابلس ومن نسيجها الاجتماعي، لكن هناك أطرافا غريبة تعمل على تسعير الفتنة.

ليست هناك تعليقات: