رحل مبكرا أول ثوار القرن الحادي والعشرين. وقد يكون من السابق لأوانه الحديث عن أثره في أمريكا والعالم، لكني لا أغالي إذا قلت انه سيأتي يوم يذكر فيه دوره المفصلي في تأريخ أمريكا بشكل خاص يتجاوز فيه دور فيديل كاسترو، مثله السياسي.
ولا أريد أن أعد مآثر الرجل وتركته التي تتجلى في النهضة التي أحدثها تصديه للإستكبار الأمريكي في دول أمريكا عامة، وجيرانه خاصة...فذلك موضوع له مكان آخر.
لكنه يليق به، كما هو الحال بكل الكبار في التأريخ، قول الجواهري في جمال عبد الناصر:
أكبرت يومك أن يكون رئاء
الخالدون عهدتهم أحياء
لكن لي وقفة في ذكراه تخص ما فعله شافيز مما أخجل وكشف وعرى خزي هذه الأمة وسقوطها.
ولست أريد بهذا وقوفه مع قضية فلسطين حين خانها أغلب أبنائها طمعاً بمنصب أو مال، فقد وقف كثيرون من شرفاء العالم مع فلطسين ومع أحمد سعدات ثائرها الوحيد!
ولست أريد بهذا وقفته مع لبنان في تصديها للغزوة الصهيونية الوهابية الأمريكية، فقد وقف كثيرون في العالم العربي والإسلامي مع ثوار لبنان الصادقين.
لكني أريد منه وقفته مع العراق الأبي!
فقد لاحظت أنه حين عدت مآثر الرجل من قبل بعض الكتاب العرب فإنهم أغفلوا أشرف موقف له في تأريخه السياسي بما يخص العرب. وقد يجد بعض الثوار والكتاب العرب حرجاً في تذكر ذلك الحدث بسبب انهم يغازلون ويعولون على صحوة للخونة واللصوص في بغداد بحجج واهية قد تتعلق بأي شيء إلا بمصداقية التوقع...
فقد كان شافيز الرئيس الوحيد في العالم الذي زار بغداد في آب 2000 أثناء حصار الإبادة الذي فرضه عليها الصهاينة ودعمهم فيه كل العرب والمسلمين.
لم يكن شافيز يطمع أن ينال شيئا من زيارته لبغداد فقد كان يعرف معرفة الثائر أن العراق كان في طريقه للزوال... كما كان يعرف أن الإستكبار العالمي سوف لن يغفر له ذلك وأنه سوف يوسع تآمره عليه.... كما كان يعرف أنه بتلك الزيارة كان سيغضب مراقبي النفط من حكام الجزيرة والخليج وقد ينتج عنه حجب أي إستثمار لهم في فنزويلا. ومعنى ذلك بعبارة مختصرة فإن شافير قام بزيارة العراق رغم يقينه بأن لن يجني منها سوى مزيد من العزل السياسي والإقتصادي..
فلماذا قام شافيز بتلك الزيارة إذن؟
لقد أراد شافيز أن يقول للمستضعفين في العراق أنه يدرك معنى معاناتهم وأن هذا العالم الظالم أوالجبان الذي يحيط بهم لا يخلو من ضمير حي ولو كان واحداً.. لقد حمل شافيز في زيارته مرارة وعطف الملايين في العالم من خارج الأمة العربية التافهة مع شعب العراق مما كان يعانيه من خراب منظم وموت بطيء.
وحين زار شافيز العراق ليعلن وقفته الشجاعة معه في مرحلة الإبادة التي كات يمر بها، كان بعض التافهين من العراقيين والذي نصبهم الصهاينة بعد غزو العراق حكاما لسرقته وديمومة خرابه، كانوا يتسابقون في إعلام الصهاينة عن خرق الحكومة العراقية للحصار وذلك لأنهم كانوا واثقين أن فرصتهم لسرقة العراق لن تأتي إلا بهذا السبيل..
وحين زار شافيز العراق كان كل العرب والمسلمين يتفرجون على موت العراقيين بصمت..
فإذا قال قائل ماذا كان يمكن للناس أن يفعلوا؟ فالجواب واضح وسهل..
كان على كل عربي أو مسلم أن يفعل ما فعله شافيز... يسافر للعراق حاملا معه حقيبة من دواء أو غذاء أو كتاب لتعليم طفل أو مجلة علمية أو ماشابه..
ترى أكانت الصهيونية ستعتقل آلاف الناس لأنهم نقلوا حليب أطفال للعراق؟
لقد فعل ذلك بضع أنفار من الأوربيين لكني لا أعرف حملات قام بها العرب أو المسلمون، ولا أعني بهم الحكام العملاء أو الجبناء فهم خارج معادلة الإنسانية.
أما كان يليق بمخاتير محمد الذي صوت على قرار غزو العراق عام 1991 بأمر من جورج بوش، أن يزور العراق ليكفر عن إثمه ذلك بدل أن يملأ اسماع الناس اليوم بنفاقه حول مأساة العراق؟
ألم يكن شافيز في تلك الوقفة الإنسانية أكرم من كل العرب والمسلمين؟
وقد يكون من باب التكريم لشافيز أن حاكما عربيا واحدا لم يشارك في تشييعه لأن تلك كانت ستكون سبة عليه!
ولو كنت قسيم الجنة والنار لسألت رب العزة أن يسكنه فسيح جنانه رغم أنف كل عمائم السوء الإسلامية.
والسلام
10 آذار 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق