قرأت فى الصغر عن قضية خميس والبقرى والذان اعدمتهما احدى محاكم ثورة يوليو عقب احتجاجات ومظاهرات كفر الدوار ,وهذه الواقعه لايعرفها ولا يسمع عنها الكثير من المصريين اليوم , وبقدر حبى الاعمى لثورة يوليو والرئيس عبد الناصر حينها وفى تلك الفتره كان اغلب جيلنا وبالتحديد فى نهاية الستينات لا يرون من ثورة يوليو ومن الرئيس عبد الناصر سوى الجانب المضىء , ولم يكن يخطر ببالنا ان هناك اى جانب مظلم , واعتقد ان الآله الاعلاميه الجباره قد شكلت جانبا كبيرا من افكارنا ومشاعرنا تجاههما , ولقد اعتصرنى الالم وشعرت بغصه فى حلقى على الحريه التى اهدرت بجريمة اعدام خميس والبقرى واحكام اخرى بالسجن على آخرين من رفاق خميس والبقرى , وما صاحب الحدث من ضجه اعلاميه كبيره مهلله للتخلص من اعداء الثوره الذين ارادوا الانقلاب عليها , وكانت هذه من اوائل الصدمات التى جعلتنى افكر بمنطقيه عند تناول شخصية الاشخاص الفاعلين فى ما حولى , سواء اكانوا من النخب الحاكمه ام من اساتذتى أم من أقرانى , فهذه الحادثه شكلت حاله من التفكير الموضوعى فى الاشخاص والاحداث وجعلتنى ارى الاشياء بمدلولاتها , وجعلتنى أوقن بأن الصوره الذهنيه للاشخاص لدينا قد تتغير ما بين فعل واخر ومابين موقف واخر فالبشر ليسوا ملائكة على الدوام ولاهم شياطين على الدوام , لكن جيلى يوقن اننا كنا ننظر للثوره وللرئيس عبد الناصر انهما بلا اخطاء , فجاءت واقعه كفر الدوار لتشكل هذا الوعى بما كرهته من التعامل الاقرب الى بلطجة الدوله مع فئه من الشعب , ثم جاء الرئيس السادات لتحدث واقعة مراكز القوى وما صاحبها من انقضاض على رفاق الامس من بقايا مجلس قيادة الثوره , والهجمه الاعلاميه الشرسه والتسريبات عن الاخلاقيات العفنه لهؤلاء الرفاق , تذكرت هذا كله وبدأت احاول قراءة هذه الاحداث مره اخرى فى ظل الواقع الذى نعيشه الان , وما يمكن ان يفضى اليه من سيناريوهات وبدأت اقارن مابين مواقف الرؤساء عبد الناصر والسادات ومرسى , وبدأت اجيل الفكر فيما يفعله القله من المسيطرين على الاعلام وكذلك ممن يطلق عليهم النخب وبعض اصحاب مهن الرأى فى حق الرئيس المنتخب وفيما يتخذه من قرارات وقد تشكل لدى - وعلى غير قصد منى - مقارنه باتساع كبير بين الرجال الثلاثه وبين المقاربات التاريخيه التى تجمع بينهم , فقد تعرض الرئيس عبد الناصر لتربص الاحتلال البريطانى وللفئويات ولفلول النظام الملكى البائد بالاضافه للمعارضين الاقوياء القادرين على تحريك الشارع واظهرهما جماعة الاخوان المسلمين وحركة مصر الفتاه بقيادة المناضل احمد حسين وبغض النظر عن اختلاف مواقف الفرقاء فأننى احاول توصيف الجو العام الذى أحاط بمجلس قيادة الثوره وعلى رأسه الرئيس عبد الناصر , اما الرئيس السادات فقد فرضه الرئيس عبد الناصر قبل وفاته بتعيينه نائبا اول له على رفض مكبوت من بقايا مجلس قيادة الثوره الاقوياء والمقربين اكثر من الرئيس عبد الناصر من امثال على صبرى وشعراوى جمعه وسامى شرف واخرين وكذلك احزان الهزيمه واسرائيل الجاثمه على جزء غالي من ارض الوطن وعدم قبول قطاعات كبيره من الوطن للرئيس السادات ممن افقدتهم صدمة موت الزعيم عبد الناصر القدره على تقبل خلفا له , لقد استطاع الرجلان ان يعبرا فوق كل هذه المصاعب بالدم والسجون والالام والدموع للبعض ولتستمر مسيرة الشعب , ورغم قسوة القرارات التى كان بعضها صائبا والكثير منها خاطئا الا ان المسيره استمرت ولم يبقى منها سوى الذكريات الاليمه لنا جميعا , وهكذا الايام التى تمر بنا اليوم وما يحيط بالرئيس المنتخب من مصاعب كالتى تعرض لها الاخرين من فئويات وفلول نظام تمكنوا من أن ينافسوا للوصول الى الحكم عبر الصناديق بمؤازره تامه من بعض ثوار الامس ومراكز قوى متمثله فى الكثير ممن ينتسبون الى وزارة الداخليه والسلطه القضائيه واخرين بالأضافه الى منظومه إعلاميه كفيله بإسقاط قاره باكمالها , ورغم عدم إتفاقى مع بعض مواقف الرجل , وإعتقادى ان البعض من قراراته إفتقدت الى النظره الثاقبه وعدم استشارة اصحاب الرأى ممن حوله , الا اننى اؤمن ان معارضتى له او لغيره لا تجعلنى أحيد عما تقرره قواعد العمليه الديموقراطيه , وما تمليه قواعد اللياقه مع الخصوم السياسيين , مما افتقده الكثير ممن يتصدرون المشهد اليوم , لكن الملفت للنظر ان المقاربات التى ذكرتها تتمثل فى التصرفات التى قام بها كل من الرجال الثلاثه تجاه معارضيهم وتجاه من وقفوا فى وجوههم وحاولوا كسر ارادتهم السياسيه او إحراجهم أمام باقى فئات الشعب فقد كان تصرف الرئيس عبد الناصر والرئيس السادات قويا وموجعا ومؤلما , لكننى اعتقد اليوم انه كان معهما بعض الحق فيما اقدموا عليه وان طبيعة المواقف قد أملت عليهما تلك التصرفات , وان كنت انكر عليهما الشمول وعدم التدقيق فيمن تعرضوا للعقوبه وكذلك انكر عليهما الافتقاد الى عدالة المحاكمات التى خضع لها المتهمين فى العهدين , وعندما أرى اليوم كل من هب ودب يخوض فى عرض الرئيس وكل من أراد أن يشتم لا يجد أمامه أحد يشتمه ويخوض فيه سوى الرئيس , والرئيس لا يغضب !! وعدم غضب الرئيس يضع الكثير من علامات الاستفهام والتى يجب ان تقودنا الى استشراف المستقبل , فالذى يحدث فى الإعلام من جهه وما يحدث فى الشارع كل جمعه لايدع اى حكيم فى الجانب الاخر هادئا ولا يحرك ساكنا , فهل هو الهدوء الذى يسبق العاصفه , وهل هذه العاصفه عندما تهب لن تبقى ولن تذر , فهل اجواء اليوم تبشر بصنع فرعون جديد , سواء الجالس على عرش مصر اليوم ام من سيخلفه , ام ان الموضوع لن يتعدى حدود ضبط النفس والتذرع بالحكمه , اننى ازعم ان استدعاء الماضى واستقراء المستقبل يجعلنا نتنبأ بعواقب وخيمه سيدفع الكثير من ابناء هذا الوطن ثمنها غاليا , فكل السيناريوهات السيئه مطروحه ولا يوجد منها خيار جيد واحد , وما اشبه الليلة بالبارحه وقبل البارحه , وليعرف الممسكين بتلابيب هذا الوطن والمتلاعبين بالنار انهم سيحرقون هذا الوطن وسيكونون اول من يكتوى بهذه النار , وستلاحقهم لعنة التاريخ , وقبله لعنات هذا الشعب العظيم.
*خبير بجامعة الدول العربية
maw01000@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق